بسمة الخطيب: أستلهم قصصي من كل شوكة في طريقي وكل عثرة هي محطة لقفزة جديدة

النشرة الدولية – طلال السكر –

تقول الكاتبة والصحفية اللبنانية، بسمة الخطيب، في حديثها للنشرة الدولية، أنه وجدت الدعم حتى في الذين هاجموني أو استخفّوا بي أو تجاهلوني، كانوا حافزًا قويًا، وهذا أحد الأمور التي ألهمتني كتابة “قنديل ألمى”. دعمتني عائلتي والكثير من الزملاء في الصحافة والإعلام. أخشى إن دخلت في مسألة ذكر الأسماء، وشكل المخزون الشفوي لقريتي اللبنانية، وهي إحدى قرى الشوف في جبل لبنان، قسمًا كبيرًا من وعيي ووجداني.

تضيف، الخطيب، أنها وفي الأدب تتحاشى توجيه الرسائل. أفضّل طرح الأفكار، ودفعها للقارئ لتطويرها وتقييمها، أو ربما فقط للتخفّف منها، فهناك إحساس لدى بعض الكتّاب أنهم إذ يكتبون عن آلام معينة، فإن هذا يساعدهم في الشفاء منها.

من هي الكاتبة بسمة الخطيب:

الكاتبة والصحفية بسمة الخطيب، درست الصحافة التلفزيونية والإذاعية في كلية الإعلام بالجامعة اللبنانية. عملت في عدد من المؤسسات الإعلامية في بيروت بينها جريدة (السفير)، وجريدة (الحياة) وإذاعة صوت الشعب حيث ركزت على الموضوعات الثقافية، فأجرت التحقيقات والمقابلات الثقافية. انتقلت عام 2005 إلى قطر لتعمل معدّة ومنتجة تلفزيونية وسيناريست، حيث كتبت عدداً من المسلسلات أبرزها (الراوي) بأجزائه الثلاثة. ثم عملت محررة في جريدة (العربي الجديد)، وانضمت مؤخراً للعمل في “BBC”. إلى جانب الإعلام، تخصصت في مجال العلوم التربوية، وعملت في التدريس، وكتبت للأطفال في المطبوعات المتخصصة، وأبرزها مجلة (العربي الصغير) الكويتية، كما أصدرت عددًا من كتب الأطفال.

توج عملها للأطفال بالعمل التلفزيوني الثلاثي الأبعاد (نان وليلي) الذي عملت في إعداده وتحريره وأنتجته (الجزيرة للأطفال)، ونفّذته الشركة الكندية “تشوكليت مووز”، وهو نال 6 جوائز عالمية أبرزها جائزة النسر الذهبي (CINE – واشنطن) عن أفضل عمل تعليمي للأطفال عام 2009، وGolden REMI Award في هيوستن، والجائزة الفضية في المهرجان الدولي للإعلام في هامبورغ 2010.

صدر لها، “برتقال مرّ”، في عام 2015، و“في بلاد الله الواسعة” (رواية للناشئة)، 2017،  “دانتيل” (قصص قصيرة)، 2005، “شرفة بعيدة تنتظر” (قصص قصيرة)، 2009، وكتاب جاسم ودانة الأحلام.

شاركت في مهرجان شعوب المتوسط في إيطاليا عام 2004، و في ندوة مجلة العربي للثقافة العلمية في الكويت عام 2005، وفي معرض أبو ظبي للكتاب عام 2006.

قدمت دراسة “القصة القصيرة في زمن الرواية – الإفلات من فكّي الذئب” في الملتقى الدولي الأول للقصة القصيرة في القاهرة عام 2009

قدمت شهادة بعنوان “روايتي المستعصية.. تصفيق يد واحدة” في ملتقى الرواية العربية الدولي في القاهرة عام 2015.

 

من كان يدعم ويؤازر بسمة الخطيب حتى وصلت إلى ما أنت عليه الآن؟

وجدت الدعم حتى في الذين هاجموني أو استخفّوا بي أو تجاهلوني، كانوا حافزًا قويًا، وهذا أحد الأمور التي ألهمتني كتابة “قنديل ألمى”. دعمتني عائلتي والكثير من الزملاء في الصحافة والإعلام. أخشى إن دخلت في مسألة ذكر الأسماء أن أنسى اسمًا ما. لكنني ممن يثيرهم التحدي ولا يغريهم الإطراء. أستلهم قصصي من كل شوكة في طريقي، وكل عثرة هي محطة لقفزة جديدة.

لاحقاً، جمعت كلّ ما تيسّر من حكايات شعبية حول العالم، وكنت كلما تعمّقت في دراستها، كلما شغفت بها، فهي كنوز إنسانية وهي أيضاً كالتاريخ تعيد نفسها وإن في ديكور مختلف ومسرح مختلف وتسميات مختلفة، المهم أننا نجد لها اسقاطات في حكايتنا وانعكاسات في مرايانا.

مثلّث طفولتي كان بين بيتنا وبيت جدّتي لأمّي وبيت جدّتي لأبي. لم أر أيًا من جدّيَّ، فقد ماتا باكرًا جدًّا. وترك كل منهما حزنًا ويُتمًا وندوبًا في والديَّ، وتركا حكايتيهما غير كاملتين أو واضحتين. لكني كنت أتلمّس حضورهما في البيتين، حضورهما عبر من عاشوا معهما. أحدهما كان كمعظم رجال القرية، تاجر أقمشة جوّال، والثاني كان موظفًا مرموقًا، درس الحقوق في القاهرة. تأثرت منذ طفولتي بغيابهما. بقيت جدّتي لأبي في ملابس الحداد حتى توفيت عن ثمانين عامًا، لم تشارك يومًا في عرس أو مناسبة سعيدة، لم تخرج من بيتها إلّا لتزور قبره. تفاصيل هذه الحيوات حفرت عميقًا في قلبي، تحديدًا وأنا أحمل اسمها.

نشأت في نقطة نائية عن البلدة، كان من النادر أن تمرّ أمام بيتنا سيارة، وكان بيتنا يطلّ على كتف الوادي، ذاك الوادي كان أرضًا بكرًا، وقد أثّر كثيرًا في نفسي، ليس فقط بجماله وثرائه بل أيضًا في قسوته وأسراره وبعض رعبه، فالطبيعة لا تخلو من القسوة، وقد شهدت خلال حياتي صراعات بيننا وبين بنات آوى، كانت تغزونا ليلًا لتأكل دجاجاتنا، كنت أفكر إن كان يحق لنا قتلها، أم تركها لأنها تحتاج إلى الأكل، كذلك قسوتنا على طائر البوم، فنحن نتشاءم منه لسبب أجهله ونبادله نحيبه بطلقات الرصاص. كذلك شهدت كيف يبس كرم الإجاص، ما من شيء في الدنيا اليوم يعادل رائحة إجاصه ومذاقها. لكنّه أصيب بمرض ما وماتت شجراته. كنا نزرع قليلًا وطالما ربّينا الدجاج. عندي صلة قوية بالأرض، أنا في صميمي فلّاحة فخورة بنفسها وبجدّاتها، جدّتي لأمّي كانت صلتي الأقوى بالأرض، فهي الفلّاحة التي عشقت الزيتون والتين والصبار والزعتر والشومر وأشجار النارنج والسمّاق.

في طفولتي التي اجتاحتها الحرب، ازدادت عزلة حيّنا عن البلدة والعالم ربما. صنعنا لأنفسنا عالمنا الخاص. اخترعت وأخوتي ألعابنا ودُمانا وأغانينا وكنا نؤلف المسرحيات ونمثلها، وكان أبي يسلينا بالأحاجي، بعضها كان منظومًا على شكل أبيات شعرية كونه ينظم الشعر. والدي بالطبع لعب دورًا مهمًّا في ميلي للكتابة وعشقي للغة العربية، فهو أستاذ لغة عربية، ويمتلك مكتبة كبيرة، كانت نافذتي الأولى على عالم الابداع الأدبي المدهش.

من كان يدعم ويؤازر بسمة الخطيب حتى وصلت إلى ما أنت عليه الآن؟

وجدت الدعم حتى في الذين هاجموني أو استخفّوا بي أو تجاهلوني، كانوا حافزًا قويًا، وهذا أحد الأمور التي ألهمتني كتابة “قنديل ألمى”. دعمتني عائلتي والكثير من الزملاء في الصحافة والإعلام. أخشى إن دخلت في مسألة ذكر الأسماء أن أنسى اسمًا ما.

ما الرسائل التي تحملها مقالاتك وكتابة المدونات؟

في الأدب أتحاشى توجيه الرسائل. أفضّل طرح الأفكار، ودفعها للقارئ لتطويرها وتقييمها، أو ربما فقط للتخفّف منها، فهناك إحساس لدى بعض الكتّاب أنهم إذ يكتبون عن آلام معينة، فإن هذا يساعدهم في الشفاء منها. غالبًا يكتشفون أن هذا وهم، وأن الكتابة بذاتها مؤلمة، أو بشكل أدق لها ألمها الخاص.

أما في الصحافة ومقالات الرأي فيهمني الإضاءة على إنسانية الإنسان التي أجدها تتدهور بشكل مضطرد، وتتباعد صلاته الأخلاقية بأبناء جنسه وكذلك بالطبيعة حوله.

ما مشروعك الأدبي الذي تعكفين عليه حاليا؟

أعمل حاليًا على رواية لليافعين وكتب أخرى للأطفال.

ألا تغريك الترجمة إلى اللغات العالمية؟

أجد كلمة إغراء فائضة عن شعوري تجاه الترجمة. يهمني أن تترجم كتبي، ولكنه ليس عملًا منهكًا للمترجم فقط، إذ يقال إن شعوره بالخيانة ينهش قلبه، هو ينهش قلب المؤلف أيضًا.

سعدت كثيرًا في تجربة ترجمة “قنديل ألمى” للغة الإنكليزية، أسهم في سعادتي أن المترجمة، غنوة يحي، هي كاتبة للأطفال وهي كندية ولغتها الأم الإنجليزية، لذا أعتبرها تجربة ناجحة. وأنا أترقب صدور ترجمة روايتي “برتقال مرّ” إلى الإنجليزية هذا العام، عندي مشاعر متضاربة، فأنا متشوقة لأرى ماذا ستفعل المترجمة بروايتي، وخائفة ألا أجد صوتي وشخصيات روايتي حين تترجم.

 

صدر لك حديثًا كتابان للأطفال، هما “أغاني الحروف” و”جاسم ودانة الأحلام”، ماذا عنهما؟

صدر الكتابان عن دار جامعة حمد بن خليفة في قطر، الأول يحتوي 28 أغنية، لكل حرف في الأبجدية العربية أغنية، ترد فيها الحروف في حركاتها القصيرة والطويلة وفي كافة مواضعها في الكلمة، رسمت رسومه الرسامة التونسية سندس الشايبي. الثاني هو قصة ولد اسمه جاسم عاش بين حقبتي الغوص على اللؤلؤ وظهور الغاز في قطر، لأن بين المرحلتين عرفت قطر والخليج العربي مرحلة قحط ومجاعة وفقر. يحلم جاسم منذ الطفولة بالعثور على دانة، وهي لؤلؤة كبيرة يتمناها كل من ارتاد البحر بحثًا عن اللؤلؤ، ولكنه لا يوفّق في تحقيق حلمه، وبعد معاناة مع القحط والمجاعة يظهر النفط في الخليج ويعمل جاسم في إحدى منصات الحفر لاستخراج النفط، فما لا يعرفه الرأي العام وحتى الخليجي منه أن الإنسان الخليجي عانى كثيرًا وكافح وشارك في استخراج النفط، ولم يكن مجرد متفرج يحصد الثروات، من المهمّ أن تعرف الأجيال الشابة هذه الحقيقة وهذا التاريخ لتحافظ على ثروات بلادها. وبعد رحلة عمره الشاقة يجد جاسم الدانة في الجهد والعلم والتضحية لأجل أسرته ووطنه. كتبت هذا الكتاب قبل أن أترك قطر بقليل، أردته أن يكون تحية شكر ومحبة للبلد الذي عشت وعملت فيه لسنوات وأكرمني واحتضنني أنا وأسرتي، واتسع للكثير من أحلامي.

نال كتابك “قنديل ألمى” جوائز عالمية لأدب الأطفال، ولكن لم تظهري سوى مرة واحدة في قوائم الجوائز العربية، مثل وصول روايتك الموجهة للفتيان “في بلاد الله الواسعة” إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، ولم توفق في العبور إلى اللائحة القصيرة. فما السبب في رأيك؟

كما قلت، لم أوفّق، أو لم يوفّق الكتاب. رواية “في بلاد الله الواسعة” مختلفة تمامًا عن كتاب “قنديل ألمى”، فالأخير كتاب مصوّر للأطفال ولكن يحلو لي القول إنه لكل الأعمار، لأنه رمزي للغاية، أما الرواية فهي للفتيان وهي تنهل من مخزون الإرث الشفوي للجزيرة العربية وجوارها. لا أدّعي الظلم، فللجان التحكيم معاييرها، وفور تقدمي لأي جائزة أتعهد أن أحترم قراراتها، وأتمنى أن تضيف الأعمال الفائزة رصيدًا مهمًا وإبداعيًا لأدب الأطفال في العالم العربي.

” مدخل منزل جميل الخطيب”، جدّ الكاتبة بسمة الخطيب في الشوف، جبل لبنان

 

زر الذهاب إلى الأعلى