فـي ذكـرى ميلاد الحبيـب

النشرة الدولية – رمضان الرواشدة

«وأغفى وما كان في عمره والياً أو وليّاً

ولكنّه عاش في نبض هذا التراب

على جوعه أردنيّاً، وأسلمه روحه أردنيّاً»

كان صيف العام 1986 ساخناً، بعد أحداث اقتحام جامعة اليرموك، وكانت الحركة الطلّابيّة النشيطة تمور، رغم الضربات الّتي لحقت بها، وكان الشوق كبيراً لكلّ كلمة أو بيت شعر يخرج الناس من الأزمة.

في تلك الأجواء، جاء حبيب الزيودي، ليلقي شعراً في مدرّج الجامعة الرئيسيّ، حيث احتشد الطلبة التوّاقون للثقافة والأدب والشعر الوطنيّ. تعارفنا ومنذ لحظتها تلاقت الأرواح، وامتدّت العلاقة المتشابهة إلى يوم وفاته.

عبر سنوات الصبر والمعاناة، كان حبيب الزيوديّ، يراوح بين مكانين اثنين؛ مكانه في الشعر الوطنيّ، وهاجس حبّ الوطن الكبير الّذي منحه أجمل قصائده وأعذب أغانيه.

كان يأتي إليّ، كلّما ضاقت عليه الأرض، بما رحّبت، وكنت أستمع إليه وأنصت كثيراً، وأنا أرى روحه الشفّافة الهائمة تلج في متاهات الحياة.

لم يكن حبيب الزيوديّ مجرّد شاعر، تغنّى بالأردنّ، وهام في حبّه حتّى النخاع ولكنّه كان، أيضاً روحاً متمرّدة، قلقة، لم تعرف الهدوء يوماً. وهو الّذي قوبل بالنكران، ممّن أحبّهم، واستبشر خيراً بهم عندما تولّوا المسؤوليّة. ونحن، الاثنين، عانينا الخيبات في مسالك الحياة وممّن اعتقدنا، واهمين، أو ساذجين، أنّهم في صفّ الهويّة الثقافيّة الأردنيّة.

حبيب الّذي تعلّق بـ «العالوك» ورأى فيها وطناً عبر من خلاله عن مدى حبّه الوطنيّ الفلسطينيّ العروبيّ.

«يحبّ البلاد الّتي يتعرّج في حضنها النيل

أو يتوضّأ فرسانُها بالفرات

وكان يغنّي كثيراً

وكان يصلّي كثيراً

وكانت فلسطينُ فاتحةً للغناء وفاتحةً للصلاة.»

وكانت الشهادة بالنسبة له، هي العطاء الأمثل للوطن، باعتبار أنّ الشهيد يقدّم حياته تاركاً، وراءه الحبيبة والزوجة والبنت والابن، من أجل أن يعيش الوطن حرّاً دائماً وأبداً.

«ألا أيّها الوطن المتدفّق في الروح

شمالاً تحدّك روحي

جنوباً تحدّك روحي

وروحُ الشهيدِ تحدّك يا وطني من جميع الجهاتِ.»

عندما استلمت إدارة مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون العام 2012 جاءني حبيب الزيودي بفكرة لإحياء التراث الغنائيّ الشعبيّ الوطنيّ الأردنيّ، باعتبار أنّ غالبيّة ما تمّ إنتاجه، قبلها بسنوات، لم يرقَ إلى المستوى المطلوب، وكانت تجارة رابحة لبعض العرّابين في الساحة الفنّيّة والثقافيّة الأردنيّة. رحّبتُ بالفكرة وأسندت له المهمّة مع من يختارهم من المطربين، ومن القصائد التراثيّة. بذل حبيب جهداً كبيراً، وبدأت عجلة الإنتاج، لولا أنّ الموت كان له بالمرصاد، بعدها بعدّة أشهر.

قبل وفاته طلب منّي أن أكتب مقدّمة لديوان شعر سمّاه «ظبي حوران»، يجمع فيه كلّ قصائده الوطنيّة والعاطفيّة الّتي غناها أهمّ المطربين العرب والأردنيّين. كتبت المقدّمة… ولكنّ نبأ وفاته كان موجعاً وصادماً.

قمتُ بتغيير المقدّمة بإضافة فقرة تنعاه وقمنا في مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون بطباعة ديوان «ظبي حوران « وإنتاج كلّ قصائده المغنّاة في شريط» Cd» قمنا بتوزيعه في حفل تأبينه في ذكرى الأربعين يوماً على وفاته.

«وياربُ ما عاد في القلب نبضٌ يتمّ القصيدة

فاحلل عقدةً من لساني

وهبني الامانا

ودع نبض شعبي يتمّ القصيدة

فالشعبُ أفصح مني لسانا»

حبيب الزيودي، ليس شاعر الوطن الأردنيّ، فحسب، بل شاعر عروبيّ أعطى لفلسطين والعراق ومصر وسوريا والوطن العربيّ، على امتداده، مداد شعره وخلاصة فكره وتجربته، ومثلما كان مخلصاً للأردنّ، كان مخلصاً لقضايا الأمّة العربيّة من المحيط إلى الخليج.

«سلام على دمه حين مات

سلام على وجهه حين يبعث حيّاً.»

زر الذهاب إلى الأعلى