اقتصاد غزة ضحية حرب إبادة مدروسة

غزة – يوسف أبو وطفة

تواجه القطاعات الاقتصادية والتجارية التي يقوم عليها اقتصاد غزة أزمة غير مسبوقة تجعل القطاع الفلسطيني بعيداً عن التعافي من تداعياتها لسنوات طويلة نتيجة حرب الإبادة التي يستمر الاحتلال الإسرائيلي في ارتكابها يومياً منذ اندلاع بدء عدوانه بلا هوادة بعد عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ويركز الاحتلال في حربه المستعرة على تدمير البنية التحتية، وهو ما اتضح منذ الأيام الأولى لعدوانه عبر القصف الجوي الممنهج الذي طاول المنشآت المدنية والمقار الحكومية، لا سيما المستشفيات والعيادات والمدارس. وإلى جانب ذلك، دمّرت آلة الاحتلال العسكرية المحال التجارية والمصانع متعمدة إخراجها من الخدمة تماماً على نحو يجعل من الصعب جداً بالنسبة لمالكيها أن يؤمّنوا استئناف عملها بعد انتهاء الحرب على غزة لاحقاً في إطار أي تسوية برعاية الوسطاء.

وتأتي التداعيات الهائلة لهذا العدوان لتصيب قطاعاً كان يرزح أصلاً تحت وطأة حصار إسرائيلي مشدّد منذ عام 2006، بما فاقم من أزمة بطالة مستفحلة كانت معدلاتها العامة تراوح بين 50 و60% في صفوف خريجي الجامعات، و80% بين الإناث، وهو واقع جعل نحو 80% من أبناء القطاع أكثر اعتماداً على المساعدات الإنسانية والاجتماعية. وقد ساهم العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة في زيادة نسبة العاطلين من العمل لتصل إلى 90% في ظل تعطل غالبية المؤسسات وافتقار إلى الاستقرار الاجماعي والأمني، مع نزوح مستجد لنحو مليونَي نسمة.

ولم تقدم أي جهة مانحة حتى اللحظة أي تصوّر لتعويض المتضررين من العدوان الإسرائيلي، سواء على صعيد أضرار المنشآت السكنية، كالبيوت والأبراج، أو المتضررين في القطاعات التجارية والزراعية والصناعية وغير ذلك. ويختلف حجم الضرر المالي لهذه الحرب عن مجموع الحرب وجولات التصعيد التي شهدها القطاع على مدار 15 عاماً من الناحية العملية، نظراً لحجم التدمير الكبير الذي نفذه الاحتلال على اقتصاد غزة في مختلف القطاعات.

لكن تقدر جهات أممية ودولية أن القطاع قد يحتاج لنحو 50 عاماً للعودة لما كان عليه قبل السابع من أكتوبر 2023 جرّاء الدمار والضرر الذي طاول جميع القطاعات المختلفة منذ بداية الحرب التي تقترب من دخول شهرها العاشر.

في هذا الصدد، يقول المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، لـ”العربي الجديد”، إن جيش الاحتلال دمّر واستهدف وأخرج من الخدمة نحو خمسة آلاف مصنع ومنشأة اقتصادية خلال العدوان المتواصل على قطاع غزة، بما يشمل المصانع وورش العمل والحرف اليدوية والمشاريع الاقتصادية، مضيفاً أن الاحتلال دمّر ️195 مقراً حكومياً، إضافة إلى تدمير 113 مدرسة وجامعة بشكل كلي، عدا عن تدمير 323 مدرسة وجامعة دمرها الاحتلال تدميراً جزئياً. ولفت إلى أن إجمالي الخسائر المباشرة لحرب الإبادة في اقتصاد غزة بلغ 33 مليار دولار حتى نهاية الشهر التاسع من الحرب المتواصلة على القطاع والتي طاولت جميع القطاعات.

وأشار الثوابتة إلى أن الاحتلال دمّر 150 ألف وحدة سكنية كلياً، بينما أصبحت 80 ألف وحدة غير صالحة للسكن، ودُمّرت 200 ألف وحدة دماراً جزئياً منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع. وأضاف أن مصانع اقتصاد غزة بأنواعها توقفت تماماً عن العمل، بالتالي توقف تشغيل الآلات والمعدات اللازمة لعملية الإنتاج، مثل المصانع والمعامل وورش العمل، ما أفضى إلى أزمة صناعية ونقص حاد في السوق المحلي ومستلزمات المواطنين، حيث إن التقدير الأولي والمبدئي لخسائر هذا القطاع تشير إلى نحو 1.125 مليار دولار.

وبحسب مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، فإن القطاع التجاري الذي يشمل الأسواق والمحلات التجارية والمطاعم والفنادق والمخازن التجارية وغيرها من المنشآت التجارية التي تعمل على استقرار الواقع في قطاع غزة، قد توقف التقدير الأولي والمبدئي لخسائره عند نحو 1.625 مليار دولار.

وهو يلفت إلى أن القطاع الزراعي تعطّل هو الآخر، الأمر الذي أثر سلباً في الحركة الاقتصادية من بيع وشراء وإنتاج الثروة الحيوانية خاصة من المواشي والأسماك. والتقدير الأولي والمبدئي لخسائر هذا القطاع تناهز 1.05 مليار دولار. أما القطاع الترفيهي والفندقي فبلغت خسائره نحو مليار دولار في الوقت الذي بلغت فيه خسائر النشاط الاقتصادي نحو 1.5 مليار دولار، عدا عن خسائر قطاع النقل والمواصلات التي وصلت إلى 1.2 مليار دولار.

وشدد على أن هذه الأرقام تقديرية وأولية وغير نهائية للخسائر المباشرة ولا تشمل الخسائر غير المباشرة، لأنه لا يمكن إعطاء تقدير كامل لهذه الخسائر في هذه المرحلة باعتبار أن العدوان الإسرائيلي ما زالت مستمراً على قطاع غزة ولم تُنجز فرق الإحصاء سوى 7% من عمليات مسح الأضرار.

من جانبه، يقول الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي رائد حلس، إن الخسائر الاقتصادية للعدوان على غزة كبيرة ومتنوعة، حيث تأثرت كافة القطاعات الحيوية والبنية التحتية منذ بدايتها في أكتوبر 2023. ويؤكد لـ”العربي الجديد” أنه على صعيد المنشآت والبنية التحتية تم تدمير المباني السكنية والتجارية والطرق وشبكات الكهرباء والمياه والمستشفيات والمساجد ودور العبادة، إضافة إلى الخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي والتي تمثلت في تلف المحاصيل الزراعية والمزارع نتيجة القصف والتدمير الممنهج.

ويوضح أن التقديرات تشير إلى أن حجم الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية والقطاعات الاقتصادية بعد تسعة أشهر من العدوان، تتخطى 11 مليار دولار وربما ستتصاعد هذه الخسائر إلى نحو أكبر إلى مستوى غير مسبوق على الاطلاق في حال استمرت الحرب لفترة زمنية أطول أو توسعت وتمددت، بما يشكل تهديداً أكبر لمصالح المواطنين واقتصاد غزة ومنطقة الشرق الأوسط ككل.

وحول انعكاس ذلك على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، يرى أن هذه الخسائر التي يخلّفها العدوان الإسرائيلي السافر على الفلسطينيين ومساكنهم ومصالحهم وصحتهم النفسية، ستؤدي إلى اتساع دائرة البطالة والفقر التي كانت مرتفعة أصلاً قبل اندلاع الحرب، وذلك نتيجة لتوقف الأعمال والمصالح الحياتية وبالتالي فقدان العديد من الأشخاص مصادر دخلهم، إضافة إلى زيادة التكلفة الصحية والاجتماعية بسبب زيادة الأعباء الصحية الناجمة عن ارتفاع عدّاد الجرحى والمرضى والأذى اللاحق بالسلامة النفسية للسكان.

وليس الاقتصاد الإسرائيلي بمنأى عن الخسائر أيضاً، إذ يدفع الاحتلال ثمن عدوانه من حسابه أيضاً. فقد ذكر موقع “إسرائيل ديفنس” (Israel Defence) المعني بالشؤون العسكرية والأمنية في دولة الاحتلال، الأربعاء الفائت، أن نفقات إسرائيل العسكرية بسبب العدوان على غزة رفعت موازنة 2024 بمقدار 70 مليار شيكل (حوالي 19 مليار دولار) مقارنة بموازنة 2023. وأشار إلى أن موازنة 2023 بلغت حوالي 510 مليارات شيكل (137.8 مليار دولار)، في حين قفزت موازنة 2024 إلى 584 مليار شيكل (157.8 مليار دولار).

وأضاف الموقع أن النفقات العسكرية وجهت بشكل أساسي لتجنيد قوات الاحتياط وشراء المعدات والأسلحة وإخلاء المستوطنات في الشمال والجنوب، والحرص على تأمين متطلبات الطوارئ، ودعم السلطات المحلية في مناطق المواجهة، وزيادة جاهزية الجهاز الصحي وغيرها.

ومستنداً إلى التقرير المالي السنوي لعام 2023، لفت الموقع إلى أنه بسبب نفقات إسرائيل العسكرية خُصّص 356 مليار شيكل للوزارات المدنية من موازنة 2023 و98.1 مليار شيكل للنفقات العسكرية.

العربي الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى