عودة جيوسياسية أمنية: محور صلاح الدين- فيلادلفيا المعبر المصرى.. شريان حياة غزة ورفح!
حسين دعسة

النشرة الدولية –

الدستور المصرية –

قد نتوقف في لحظة فارقة من المعركة مع العدو الصهيوني، إذ تكشّفت لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي (الكابنيت) أنه يعيد آفاق إسرائيل الاستعمارية التوسعية. عدا عن أن السفاح نتنياهو لا يزيد أي حلول جيوسياسية أو أمنية أو أممية تنهي الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة ورفح والشجاعية والنصيرات، كما على رفح ومعبر فيلادلفيا وصلاح الدين، إلى حد التهديد كأنها دولة مارقة يحكمها على هذا الكوكب مجموعة من المتطرفين والمجانين تدعى إسرائيل، زعيمها وحكومتها ثلة يقودها سفاح.

 

نقاط الصفر والتعنت الإسرائيلي

 

ما زالت الآفاق تحتوي على بعض المحرمات، لكن إشكالية وقضية ممر صلاح الدين والحدود المصرية الفلسطينية ضمن الاحتلال الإسرائيلي القائم أخذت تحرك المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. عدا عن بدء تحرك وتفاعل عالمي عربي إسلامي نتيجة التعنت الإسرائيلي المدعوم بالمظلة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية الاستعمارية. وهو حراك جاء وقته، فالمعطيات والمعلومات الواردة من أطراف مبادرة الرؤساء الثلاثية (مصر، قطر، الولايات المتحدة الأمريكية) تعيد كل مراحل الوساطة والتفاوض، بما في ذلك جهود الوسطاء المعنيين سياسيًا وأمنيًا، إلى العودة إلى نقاط الصفر والتعنت الإسرائيلي، مع ذوبان الموقف الأمريكي تحت ضغوط غير مفهومة. وما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تنادي بدعم لا محدود لكل الترهلات الصهيونية المتطرفة.

 

وعمليًا، استطاع السفاح نتنياهو إيجاد تغيرات ونقاط خلاف كأنها مقصودة ضد حركة حماس وضد جمهورية مصر العربية، الدولة الوسيطة التي منذ ما قبل معركة “طوفان الأقصى” وهي تقف على حد سياسة التوازن واستقرار المنطقة والحدود مع فلسطين المحتلة. وهي محاولات سياسية إنسانية وطنية قومية هدفها الوصول إلى تسوية شاملة ووقف -حاليًا- لإطلاق النار في الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة ورفح، والضفة الغربية والقدس والداخل المحتل. كما تم التركيز من الدول الوسطاء على إيقاف حرب الإبادة الجماعية والتهجير لحماية سكان قطاع غزة ورفح. وللأسف، كل ذلك فشل بتعنت وتطرف وخلل في السفاح نتنياهو، وأيضًا في المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لعدم تفعيل قوة الشرعية الدولية أو مواجهة الموقف الأمريكي، ليكون هناك تحول حقيقي لصالح العدالة وحقوق الشعب الفلسطيني وإيقاف حرب الإبادة الجماعية والمجازر اليومية.

 

إشكالية التفاوض على معبر فيلادلفيا

 

أزمة عرقلة المفاوضات ليس المطلوب من مصر السكوت أو التنازل عن دورها الوطني القومي. وهنا، استقر الوضع بأن تعود دورة المفاوضات والتفاهمات في عقر دار الولايات المتحدة الأمريكية، وهي غير راغبة بالاعتراف بالفشل من حيث دبلوماسيتها التي تتقاطع مع الدعم اللامحدود للعدوان والعنف والتطرف الإسرائيلي الصهيوني. وما محاولات إدارة بايدن إقناع السفاح نتنياهو بتقديم تنازلات إلا مما يضحك منه السفاح وعصابته المتطرفة، باعتبار أن مطالب الإدارة الأمريكية لها هدف سياسي: الوصول إلى حل سيؤدي إلى تحسين ظروف كاميلا هاريس في الانتخابات الرئاسية، ما ينقذ الحزب الديمقراطي في الانتخابات، وربما يكلل بايدن حياته السياسية بترهات يعلم المجتمع الدولي أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الاستعمارية وبعض الدول الحليفة لإسرائيل في الحرب على غزة ورفح تعلم أن الحقيقة والإنسانية تنهار.

 

أعتقد، من موقع التحليل الجيوسياسي، وطبيعة تداعيات الحرب، وتأزم قضية وملف معبر فيلادلفيا، أن المفاوضات ومبادرة الرؤساء الوسطاء دخلت غرفة الإنعاش، وربما تكون انتهت سياسيًا وعمليًا ولا يمكن الوصول في القريب لأي مبادرة بهذا العمل الاستثنائي.

 

محور صلاح الدين – فيلادلفيا: الإشكالية والقضية

 

هو ليس مجرد “شريط حدودي ضيق” يمتد داخل أراضي قطاع غزة، يمتد المحور بطول 14 كم على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر. ووفقًا لأحكام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، وبعد “اتفاقية أوسلو 2” عام 1995، وافق الاحتلال الصهيوني على الإبقاء على المحور بطول الحدود كشريط آمن. كان أحد الأغراض الرئيسية من المحور هو منع تهريب المواد غير المشروعة (بما في ذلك الأسلحة والذخائر والمخدرات الممنوعة قانونًا)، وأيضًا منع الهجرة غير المشروعة بين المنطقتين. يلجأ الفلسطينيون إلى حفر أنفاق تهريب تحت محور صلاح الدين لإدخال بعض السلع الغذائية والإمدادات إلى داخل قطاع غزة وذلك بمساعدة من بعض المصريين، وهي معاهدة قام بها الاحتلال الصهيوني مع مصر في ظل الحصار المفروض على القطاع حيث تعتبر الأنفاق من أهم طرق دخول السلع إلى القطاع.

 

حساسية الجيوسياسية لدول الجوار

 

يقع محور فيلادلفيا على طول الحدود بين مصر وغزة، وهو المحور الذي اشترطت دولة الاحتلال الإسرائيلي -وقتئذ- في معاهدة السلام مع مصر الموقعة في 1979؛ للانسحاب من شبه جزيرة سيناء أن تكون الحدود بين مصر وفلسطين/الاحتلال الإسرائيلي كما كانت فترة الانتداب البريطاني على فلسطين. وأن يكون منفذ الحدود الرئيسي في مدينة رفح. واتفق أيضًا على أن تكون المنطقة القريبة من الحدود هناك (المعروفة بالمنطقة ج) منطقة منزوعة السلاح، مع حق مصر بالإبقاء على أسلحة خفيفة لقوات الشرطة هناك.

 

الجيوسياسية والجغرافيا والأمن

 

يمتد المحور بطول 14 كيلومترًا من البحر المتوسط وحتى كرم أبو سالم، والذي هو معبر ثلاثي الاتجاهات بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة. ويقع بالكامل في المنطقة منزوعة السلاح (ج) التي نصت عليها المعاهدة. واختار الجيش الإسرائيلي اسم محور فيلادلفيا أو فيلادلفي كما يُلفظ باللغة العبرية، بشكلٍ رمزي، بينما تستخدم مصر تسمية محور صلاح الدين، نسبة لصلاح الدين الأيوبي.

 

انسحاب إسرائيل من غزة

 

بالعودة إلى ما يعرف بـ”خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية 2005”، أصدر الكنيست الإسرائيلي في عام 2004 قرارًا من طرفٍ واحد بالانسحاب من قطاع غزة لجميع المستوطنين والقوات الإسرائيلية الموجودة في القطاع، ودخل القرار حيز التنفيذ في أغسطس 2005. وكان القرار بالانسحاب الكامل بدافع “مصلحة إسرائيل” حيث كان الغرض الرسمي من الانسحاب «تحرير إسرائيل من مسؤوليات قطاع غزة». لذلك، من أجل القيام بعملية الانسحاب كان يتوجب على إسرائيل الانسحاب من محور صلاح الدين أيضًا. وقد أثارت عملية الانسحاب من المحور القلق من زيادة أنفاق تهريب الأسلحة الموجودة بين مصر وقطاع غزة.

 

نشأت داخل وزارة الدفاع الإسرائيلية معارضة كبيرة للقيام بإخلاء المحور وذلك لأسباب استراتيجية. وكان سبب القلق والمعارضة الرئيسي هو تسليح غزة وتهديد ذلك لأمن إسرائيل. وبرغم تلك المعارضة، انسحبت إسرائيل من المحور من أجل منع الاحتكاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذي يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة.

 

جاء قرار انسحاب دولة الاحتلال الإسرائيلي من محور صلاح الدين بتهديد لمصر، وذلك من خلال التسليح المحتمل الذي ستحظى به غزة. وكان يخشى أن يكون من شأن انسحاب القوات الإسرائيلية خلق فراغٍ في السلطة لن تقدر السلطة الفلسطينية الضعيفة إلى حدٍ ما شغله، الأمر الذي قد يجعل الإسلاميين مهتمين بتلك المنطقة.

 

اتفاقية فيلادلفيا

 

قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي بالاتفاق مع مصر والتوقيع على «الترتيبات المتفق عليها فيما يتعلق بنشر قوة من حرس الحدود المصري في رفح الفلسطينية»، أو اتفاق فيلادلفيا مع مصر. تسمح هذه الاتفاقية لمصر بنشر قوة من 750 فردًا من حرس الحدود لتسيير دوريات على جانب المحور المصري، لمنع «التهريب والتسلل والأنشطة الإجرامية الأخرى».

 

فهم وتقدير الموقف

 

نص الاتفاق على أن القوات المصرية هي «قوة مخصصة لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود» وليست قوى عسكرية. وأشار نص الاتفاقية إلى أن هذه الاتفاقية لا تلغي أو تعدل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، والإبقاء على حالة المحور وصحراء سيناء كمناطق منزوعة السلاح.

 

يجب على جميع الأطراف إدراك أن نشر قوات حرس الحدود وهذه الترتيبات لا يعدل ولا ينقح ولا يغير معاهدة السلام بأي حال من الأحوال. بل هي ترتيبات وتدابير أمنية إضافية لمواجهة التسلل وافق عليها الطرفان.

 

وفق اتفاقية محور صلاح الدين – معاهدة فيلادلفيا، المادة 9، فإن الاتفاقية تعزز من قدرة مصر «لمكافحة التهريب على طول الحدود»، والتأكد من أن تلك القوات لن تخدم أي أغراض عسكرية. أصرت إسرائيل على إدراج نص ضمن الاتفاقية بأن تلك التعديلات ليست جزءًا من معاهدة السلام لعام 1979، بسبب محاولات وسعي مصر إلى إعادة تسليح سيناء والحدود مع إسرائيل وقطاع غزة مرة أخرى. يحتوي الاتفاق على 83 بندًا، ويصف على وجه التحديد البعثة والتزامات الأطراف، بما في ذلك أنواع معينة من الآلات والأسلحة المسموح بها والبنية التحتية.

 

قوة حرس الحدود المصرية

 

أدى الاتفاق إلى إنشاء قوة حرس حدود مصرية تتألف من 750 فردًا مقسَّمين بين مقر رئيسي وأربع وحدات فرعية. ونص الاتفاق على تزويد القوات المصرية بما يلي:

 

  1. 500 بندقية هجومية.
  2. 67 رشاشًا خفيفًا.
  3. 27 قاذفة خفيفة مضادة للأفراد.
  4. رادار أرضي.
  5. 31 سيارة مجهزة خصيصًا للشرطة.
  6. 44 سيارة دعم لوجستي.

 

وسُمح بأبراج الحراسة والتسهيلات اللوجستية أيضًا. وتم منع المركبات العسكرية والمعدات الاستخبارية، وأي عدد زائد عن كمية الأسلحة المحددة مسبقًا.

 

الجدل حول اتفاق فيلادلفيا في الكنيست الإسرائيلي

 

قام عدد من خبراء القانون الإسرائيليين بالبحث في مسألة قانونية عرض أو عدم عرض الاتفاق على الكنيست. عمومًا، فإن الكنيست يوافق على المعاهدات الرئيسية إما قبل أو بعد مرورها. نشأت الحاجة لبحث الاتفاق بسبب أن المنطقة (ج) من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ستكون شبه مسلحة، مما يؤدي إلى تغير عملي في الاتفاقية وبالتالي يحتاج لموافقة الكنيست. جاء هذا على إثر دعوة رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست يوفال شتاينتز، وتأييدًا من العضو داني ياتوم الذين قدما معًا التماسًا إلى المحكمة العليا ضد الحكومة. ومن ناحية أخرى، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت أرئيل شارون أن المعاهدة لم تغير وضع المنطقة (ج) من منطقة «منزوعة السلاح». وفي 6 يوليو 2005، قضى النائب العام بعدم إلزام الحكومة بتمرير الاتفاقية على الكنيست.

 

لم يكن أريئيل شارون يفضل الانسحاب من محور فيلادلفيا، عندما نفذ خطة فك الارتباط عن قطاع غزة، وطرح إمكانية الاستمرار في الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة المحور الحدودي بين مصر وقطاع غزة، ولكن الرأي القانوني الذي قُدم له أكد على أن استمرار الوجود الإسرائيلي في النقطة يعني استمرار الاحتلال الإسرائيلي بالمعنى القانوني.

 

النقل إلى السلطة الفلسطينية

 

استعدادًا لفك ارتباط قطاع غزة بإسرائيل وانسحابها، قامت الحكومة الإسرائيلية بنقل سلطة محور صلاح الدين إلى السلطة الفلسطينية. وقد وقعت اتفاقية للعبور والحركة بعد نقل السلطة للسلطة الفلسطينية من أجل «تعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين الوضع الإنساني على أرض الواقع». وفتحت إسرائيل معبر رفح في نوفمبر 2005 ووضعته تحت سلطة السلطة الفلسطينية ومصر ومراقبين من الاتحاد الأوروبي.

 

قبل 7 أكتوبر ومع الحرب على غزة

 

سيطرت حركة حماس منذ معركة غزة عام 2007 على محور صلاح الدين بعد السيطرة الكاملة على قطاع غزة. وفي يناير 2008، قام عدد من المسلحين الفلسطينيين بتدمير أجزاء من الجدار الحدودي مع الشريط الحدودي بالقرب من مدينة رفح. وتدفق على إثر هذا العمل الآلاف من سكان قطاع غزة إلى الأراضي المصرية للبحث عن الطعام والمؤن. وأفادت وكالة رويترز للأنباء نقلًا عن دبلوماسيين غربيين غير معروفين في يناير 2009 أن الجيش الإسرائيلي يفكر في استعادة السيطرة على منطقة محور فيلادلفيا من أجل منع حماس من إعادة التسلح.

 

تحول محور فيلادلفيا إلى نقطة استقطاب في الحكومة الإسرائيلية خلال عدوان 2023 على قطاع غزة، ويهدد قادة إسرائيل باعتبار المحور أحد أهداف العملية العسكرية الكبيرة على قطاع غزة. ولكنّ هذه القضية ما تزال إشكالية نظرًا لإمكانية خلقها إشكالية مع مصر، فيما تسعى إسرائيل إلى الانتهاء من هذا الملف باعتباره يساهم في إدخال الأسلحة إلى قطاع غزة.

 

في مايو 2024، دخلت دبابات الجيش الإسرائيلي إلى محور فيلادلفيا بما يتعارض مع معاهدة السلام مع مصر (كامب ديفيد)، وحذرت الخارجية المصرية إسرائيل بأنها تقود علاقتها مع مصر إلى حافة الهاوية.

 

المحور والوثائق الإسرائيلية

 

محور فيلادلفيا هو شريط عازل يبلغ طوله حوالي 14 كيلومترًا على الحدود بين مصر وقطاع غزة، تم إنشاؤه عند استكمال انسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي من سيناء عام 1982 عقب اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر. المحور هو معبر رفح، والذي تم تصميمه للسماح لسكان قطاع غزة بالعبور إلى مصر تحت إشراف أمني إسرائيلي. ويظل المحور تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية حتى بعد اتفاقات أوسلو.

 

محور فيلادلفيا

 

السياج الحدودي العازل بين قطاع غزة ومصر وفلسطين المحتلة. التأسيس والبناء له شواهد حدودية قديمة، بين مصر وفلسطين المحتلة. الشكل الحالي لعمران المحور بدأ منذ العام 1982.

 

وفي سبتمبر 2005، انسحب جيش الدفاع الإسرائيلي من المحور مع تنفيذ خطة الانفصال واستكمال الخروج من قطاع غزة، وفق بيانات موسوعة ويكيبيديا. وخلال الحرب العدوانية على قطاع غزة ورفح، حرب الإبادة الجماعية والتهجير ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، فقد دخل منذ مايو 2024، جيش الكابنيت /الدفاع الإسرائيلي إلى المحور، بما في ذلك معبر رفح، خلال معركة رفح في حرب السيوف الحديدية. ابتداءً من يونيو 2024، دمر جيش الدفاع الإسرائيلي المنازل التي كانت تقف على طول المحور ووسعه بشكل كبير أثناء تدمير الأنفاق والإرهابيين في المنطقة. وفي أغسطس 2024، تم إنشاء نفق على محور فيلادلفيا بارتفاع ثلاثة أمتار يسمح بمرور المركبات.

 

اسم “فيلادلفيا” اسم عشوائي ظهر على خرائط جيش الدفاع الإسرائيلي، ليس له أي معنى ولا علاقة له بمدينة فيلادلفيا. واسم المحور كما يعرف في الجغرافيا والخرائط السياسية والقانونية هو: محور صلاح الدين – مهفار صلاح الدين – ديريش صلاح الدين؛ النسخ الدقيق: ماهور صلاح علاء الدين.

 

مرجعيات تاريخية حول تأسيس المحور بين مصر وفلسطين

 

أثناء محادثات السلام، أصرت مصر على أن الخط الحدودي بين إسرائيل ومصر سيمتد تمامًا على طول مسار الحدود الدولية – خط العقبة- رفح، الذي تم تأسيسه قبل 75 عامًا، في عام 1906، بين الإمبراطوريتين البريطانية والعثمانية، دون النظر إلى الحدود الدولية. الواقع الذي تغير في هذه الأثناء. امتدت مدينة رفح إلى خط الحدود الدولية التاريخي وما وراءه بدءًا من فترة الانتداب، وخاصة خلال السنوات التي سيطرت فيها إسرائيل على رفح وشمال سيناء (بين عامي 1967 و1982). بالإضافة إلى ذلك، أنشأت إسرائيل حيًا جديدًا للاجئي رفح – حي كندا، على الجانب المصري من الحدود. وكانت مساحة رفح في ذلك الوقت 14 ألف دونم. وعبرها الخط الحدودي الجديد لمسافة 5 كيلومترات، تاركًا 20% من سكانها على الجانب المصري، حيث تم بناء مئات المنازل مباشرة على الحدود.

 

بدأ إنشاء المحور والسياج على طوله في يناير 1982. ومع بدء العمل، قدم وزير الدفاع أرييل شارون اقتراحًا في اللحظة الأخيرة لتبادل الأراضي بين إسرائيل ومصر بحيث يبقى الحي الكندي في الجانب الإسرائيلي. وتقرر في اتفاقية السلام أن ينتقل سكان الحي إلى الجانب الإسرائيلي إلى حي جديد في “تل السلطان” شمال غرب مدينة رفح. استمرت أعمال البناء حتى أبريل 1983، حيث تم إخلاء وتدمير 330 منزلًا، وإنشاء شريط بعرض 40 مترًا، وإنشاء سياج إلكتروني، وإنشاء معبر رفح محاطًا بأربعة أسوار. وتم تخصيص قطع أراضي جديدة للذين تم إجلاؤهم والذين دمرت منازلهم في تل السلطان. بقي العديد من السكان في الجانب المصري، ومن بينهم سكان حي كندا، الذين لم يكتمل بناء الحي الجديد بالنسبة لهم، وتدهورت حالتهم الاقتصادية بسرعة منذ انقطاعهم عن مصادر رزقهم. التطور المنطقي، لجأ السكان مع وبعد إنشاء السياج، إلى محاولات عديدة لاقتحامه وكان السكان يرمون الإمدادات والمنتجات فوق السياج. بدأ نقل سكان حي كندا إلى “تل السلطان” عام 1986 ولكن تم تأجيله لنحو ثلاث سنوات بسبب احتجاجات سكان غوش قطيف.

 

في الانتفاضة الأولى

 

خلال الانتفاضة الأولى، وفي محاولة للالتفاف على محور فيلادلفيا، قام الفلسطينيون لأول مرة بحفر أنفاق تمر من تحته وتستخدم لتهريب الأشخاص والبضائع. وفي عام 1990، تم تمديد السياج المحيط إلى البحر إلى ما بعد شاطئ رفح.

 

في الانتفاضة الثانية

 

خلال الانتفاضة الثانية، بذل جيش الدفاع الإسرائيلي الكثير من الجهد في محاولة كشف الأنفاق تحت المحور، لكن نجاحه كان محدودًا. وأصبح محور فيلادلفيا ساحة معركة شديدة حيث أطلق الإرهابيون الفلسطينيون مئات الصواريخ والقذائف المضادة للدبابات ومئات العبوات الناسفة، ونفذوا آلاف حوادث إطلاق النار على قوات ومواقع جيش الدفاع الإسرائيلي. ردًا على ذلك وكردع، دمر جيش الدفاع الإسرائيلي مئات المنازل على طول المحور، وأنشأ موقعين استيطانيين جديدين على طوله، بل وقام ببناء حاجز حديدي بارتفاع 10 أمتار، الجدار المعروف باسم “سور الشقوم”. وكان الغرض من الجدار حماية الجنود الذين يحرسون المحور وكذلك منع حفر أنفاق يصل عمقها إلى 20 مترًا.

 

كارثة ناقلة الجنود المدرعة (2004)

 

في مايو 2004، وقعت كارثة ناقلة الجنود المدرعة، وهي واحدة من أصعب الأحداث في القتال في المحور: في 11 مايو، أصيبت ناقلة جنود إسرائيلية وقتل جميع جنودها. أخذ الفلسطينيون بقايا الجثث وتفاوضوا عليها. وفي اليوم التالي، في 12 مايو، انفجرت ناقلة جنود مدرعة أخرى على الطريق، مما أدى أيضًا إلى مقتل أفراد الطاقم. وأثناء البحث عن رفات القتلى، تم تصوير جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي وهم يزحفون على أستات في منطقة الانفجار، وأثارت الصور ردود فعل شديدة من الصدمة والغضب في إسرائيل بسبب عدد القتلى في هذه الهجمات. وفي عملية الإنقاذ وصلت العمليات إلى 13 قتيلًا. ردًا على ذلك، أطلق جيش الدفاع الإسرائيلي عملية “قوس قزح” لمحاربة البنية التحتية الإرهابية في رفح. وأسفرت العملية عن مقتل 41 إرهابيًا و12 مدنيًا في الجانب الفلسطيني، وتم تحديد موقع ثلاثة أنفاق وتدمير 56 منزلًا. ولم تقع إصابات في الجانب الإسرائيلي، إلا أن الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين أثارت انتقادات دولية.

 

حادثة 12 ديسمبر 2004

 

في 12 ديسمبر 2004، تم تدمير البؤرة الاستيطانية الشمالية بالكامل بين معبر رفح وأراضي السلطة الفلسطينية من خلال نفق الجحيم الذي حفره الإرهابيون الفلسطينيون. وقُتل في الحادث خمسة جنود من كتيبة دورية البدو. ومنذ ذلك الحين، انخفض عدد حوادث إطلاق النار في المنطقة، على الرغم من وقوع عدة هجمات ضد الجنود والمدنيين الذين كانوا يعملون في صيانة نظام دفاع المحور. واصلت قوات الجيش الإسرائيلي خلال هذه الفترة اكتشاف أنفاق التهريب، حيث يبلغ عمق بعضها نحو 20 مترًا. كما زعمت قوات الأمن الفلسطينية أنها كشفت عددًا من الأنفاق وأغرقتها بمياه الصرف الصحي.

 

مع خطة فك الارتباط

 

قبل وأثناء تنفيذ خطة فك الارتباط، دارت نقاشات ساخنة في الأجهزة الأمنية وفي الحكومة حول ما إذا كان سيتم تسليم محور فيلادلفيا إلى المصريين وتكليفهم بمسئولية منع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة. ورغم معارضة الشاباك وأعضاء الكنيست الذين زعموا أن ذلك يعد انتهاكًا لاتفاقية نزع السلاح في سيناء كجزء من اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، إلا أن الحكومة قررت نقل المحور إلى المصريين حتى لا يتم إنشاء “شريط أمني” آخر أو “مزرعة شبعا” حيث يمكن للفلسطينيين استخدام الإرهاب ضد إسرائيل دون دفع ثمن سياسي. وسيكون من الصعب الدفاع عنه بسبب طوله الكبير وعرضه الضيق. بحسب الصحفي أليكس فيشمان، عارض رئيس الوزراء أريئيل شارون الانسحاب من محور فيلادلفيا، لكنه اقتنع أخيرًا من قبل المستشارين القانونيين الذين زعموا أنه طالما أن إسرائيل تسيطر على المحور، فلا يمكن إعلان انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة.

 

الموافقة على اتفاقية نشر الجنود المصريين

 

في 28 أغسطس 2005، وافقت الحكومة الإسرائيلية على اتفاقية لنشر 750 جنديًا من حرس الحدود المصريين، مجهزين بأسلحة ثقيلة (بما في ذلك قاذفات آر بي جي-7)، في 31 عربة مدرعة من نوع “فهد”، و4 سفن دورية من نوع “تمساح”، وثلاث مروحيات. تمت الموافقة على الاتفاقية من قبل الكنيست في 31 أغسطس 2005. في 12 سبتمبر، تم إخلاء قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من محور فيلادلفيا إلى كيرم شالوم (عملية “الاحتياطي الأخير”).

 

أكاذيب وحقائق عن أنفاق التهريب

 

لبيان كيف يفكر السفاح، فهو يطرح بعض القضايا القديمة ويلقي بها أمام العالم، ويقول إنه هنا ما كان يعرف بنفق التهريب في رفح، 2009.

 

أصبح القسم الواقع بين ساحل غزة وكرم أبو سالم تحت السيطرة المصرية، وأصبحت منطقة رفح تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. ونتيجة لذلك، زاد عدد الأسلحة التي يتم تهريبها إلى قطاع غزة من سيناء. وشملت عمليات التهريب المتفجرات والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ بعيدة المدى، كما ساعدت عمليات التهريب، بسبب الحصار المفروض على غزة، على حركة الأشخاص والبضائع، على تعزيز القوة العسكرية لحركة حماس؛ [وهذا بحسب نص الوثائق الإسرائيلية، وليس حتمًا فيها مصداقية]، تمهيدًا للانقلاب العسكري على السلطة الوطنية الفلسطينية، فقد اندلعت في صيف 2007، وسيطرت خلالها على القطاع. وزعم يوفال شتاينتز، رئيس لجنة الشئون الخارجية والأمن، أن المصريين لم يحاولوا منع التهريب.

 

رافق تشغيل معابر رفح العديد من الإخفاقات والتأخير، بسبب عدم رغبة الفلسطينيين في الاستجابة لمطالب إسرائيل الأمنية. وأخيرًا تم فتح المعبر تحت حراسة مراقبين أوروبيين، لكنه سرعان ما تم إغلاقه بسبب العنف الفلسطيني. هاجم مسلحون فلسطينيون المعبر وأجبروا المراقبين الأوروبيين على الفرار إلى مخيم كيرم شالوم على الجانب الإسرائيلي. في 4 يناير 2006، وصلت أعمال الشغب على معبر رفح إلى ذروة جديدة، عندما قام حشد من الإرهابيين الفلسطينيين من كتائب شهداء الأقصى باختراق الحدود مع السلطة الفلسطينية.

 

خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، كشفت قوات الجيش الإسرائيلي عن عدد من أنفاق تهريب الأسلحة التي تم حفرها على طول المحور. وبحسب مصادر في إسرائيل، فإن المصريين يغضون الطرف عن تهريب الأسلحة تحت المحور ويتحركون ضده بشكل سطحي فقط.

 

سيطرة حماس على المحور

 

في 14 يونيو 2007، استولت حماس على المحور كجزء من الصراع بين حماس وفتح في قطاع غزة. ردًا على ذلك، فرضت إسرائيل ومصر حصارًا على قطاع غزة.

 

في 23 يناير 2008، قامت حماس بتفجير السياج الفاصل بين قطاع غزة ومصر في منطقة رفح، وتم فتح المعبر بين قطاع غزة ومصر مؤقتًا لحرية الحركة. وتدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين من قطاع غزة إلى رفح المصرية. وفي إسرائيل أعربوا عن تخوفهم من تهريب الأسلحة والمتفجرات والإرهابيين من سيناء إلى مصر ومرور الإرهابيين من قطاع غزة الذين سيحاولون دخول إسرائيل عبر المحور الثامن.

 

وفي ديسمبر 2009، بدأت مصر في إنشاء جدار فولاذي عميق في الأرض لمنع حفر أنفاق التهريب من رفح إلى قطاع غزة. ومن المخطط أن يصل طول الجدار الحديدي إلى حوالي 10 كيلومترات وعمق 35 مترًا تحت الأرض.

 

عملية عمود السحاب (2012)

 

في نوفمبر 2012، وفي إطار عملية “عمود السحاب”، قصف الجيش الإسرائيلي محور فيلادلفيا والأنفاق الموجودة فيه والمستخدمة لتهريب الأسلحة.

 

حرب السفاح نتنياهو “السيوف الحديدية”: الإبادة والاستيطان

 

بين يوميات معركة طوفان الأقصى (حماس)، و(حرب السيوف الحديدية)، استولى جيش الدفاع في معركة رفح على محور فيلادلفيا اعتبارًا من 15 أغسطس 2024، وتم العثور على 150 نفقًا و9 أنفاق تهريب و184 بئرًا للأنفاق تحت الأرض على طول المحور، بحسب معلومات الأطراف الإسرائيلية الصهيونية.

 

الختام

 

نقف هنا، ضمن غيوم صيفية حارة إذ لا رؤية جيوسياسية، ولا وضوح أمني أو عسكري حول مسارات الأمور، بالذات بعد اختلاف الترمزية على إنجاح مبادرة الدول الوسطاء؛ ذلك أن المساعي والدبلوماسية الأمريكية وما رافقها من ضغوط دولية، وعربية وإسلامية، اصطدمت بالمد التوراتي المتطرف الذي يقوده السفاح نتنياهو. مع حقيقة أن ظلال الحروب في المنطقة بات لها أسبابها نتيجة عدم توقف الحرب على غزة ورفح، بل امتداد المخاطر إلى معركة قد تبدأ مع حزب الله، على طرفي بيروت وجنوب لبنان والمدن الفلسطينية الإسرائيلية على الحدود مع لبنان. وأيضًا قد تتوسع المؤشرات لرد إيراني مراقب، ما يعني سوداوية تغطي حياة المنطقة والإقليم، يدفع ثمنها الإنسان الذي يبدأ أمام العالم.

 

ما حدث وقد يحدث مرتبط بما يجب أن يفهم: دولة الاحتلال الإسرائيلي أفشلت كل مراحل المفاوضات منذ أشهر طويلة حتى اليوم. لهذا أقول: لن تتغير السياسة المصرية لا أمنيًا ولا ثقافيًا ولا إنسانيًا، بعد ما أفشلت دولة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية. وما حمله الوفد العسكري والأمني الإسرائيلي الخائف من السفاح نتنياهو فرقع في التعنت وفقد بوصلة الوصول إلى حلّ إشكالية محور فيلادلفيا السيادي المصري، الذي يجب أن يعلم المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بأنه يعني الاستقرار والأمان وقدرتها على توفير معبر يخدم حالة الناس في غزة ورفح بعد حرب الإبادة. من حقنا أن نكمل مبادرة المفاوضات لنتوقف عند حقائق ما تريد دولة الاحتلال، وما يريد السفاح وكيف سيكون موقف الإدارة الأمريكية، وهذا حق مصر ودبلوماسيتها العريقة.

زر الذهاب إلى الأعلى