فى اليوم العالمى لضحايا الاختفاء القسرى: بلينكن يتناسى مأساة غزة
حسين دعسة

النشرة الدولية –

الدستور المصرية –

«وتحث الولايات المتحدة الحكومات فى كل مكان على وضع حد لهذه الممارسة، ومحاسبة مرتكبيها، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع».

 

هذا ما انتهى إليه وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى بيانه الصحفى، بمناسبة اليوم العالمى لضحايا الاختفاء القسرى؛ ذلك أنه خاطب المجتمع الدولى، مؤكدًا باسم الولايات المتحدة الأمريكية «..» تقف إلى جانب جميع ضحايا جريمة الاختفاء القسرى، وندعو أولئك الذين يرتكبون هذه الجريمة إلى التوقف فورًا عن ممارستها وإعادة الضحايا إلى أسرهم.

* كيف أراد نسيان مأساة غزة بين الاختفاء القسرى وحرب الإبادة الجماعية؟

فى الرد على هذا السؤال، نعود للتذكير أن الحرب العدوانية الإسرائيلية الإرهابية على قطاع غزة وكل فلسطين المحتلة، لم تبدأ مع معركة طوفان الأقصى أو مع تاريخ السابع من أكتوبر، تشرين الأول الماضى، بل تعود قضايا الاختفاء القسرى للفلسطينيين من الضفة الغربية أو قطاع غزة ورفح، والقدس، إلى بدايات الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وهناك عديد الملفات والوثائق الأممية والدولية والعربية الفلسطينية، التى وثقت حالات الاختفاء القسرى التى ما زالت آثارها مأساوية وقاتلة، ودون تحقيقات أو متابعات أممية أو دولية، وحتى فى المستويات الفلسطينية التى عانت من تسويف هذه القضايا والحالات الإنسانية الخطيرة.

*

بيان بلينكن ركز حرفيًا:

* أولا:

إن الاختفاء القسرى يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان يلحق صدمة الاحتجاز أو الاختفاء غير المحدد بضحاياه، الذين كثيرًا ما يتم استهدافهم بسبب معارضتهم أو دفاعهم عن حقوق الإنسان والديمقراطية.

* ثانيا:

كما تعانى أسر المختفين قسرًا بشكل كبير، حيث لا تعرف مكان أحبائها، أو ما إذا كانوا على قيد الحياة أم أمواتًا. إن الألم الذى يلحقه الاختفاء القسرى بالضحايا وأسرهم لا يمكن تصوره.

* ثالثا:

 

إننا نتذكر اليوم ضحايا هذه الممارسة فى مختلف أنحاء العالم بما فى ذلك فى:

1:

جمهورية الصين الشعبية، حيث يتم استهداف أعضاء الأقليات الدينية والعرقية والمحامين والناشطين وغيرهم.

2:

فى الأجزاء التى تحتلها روسيا من أوكرانيا، حيث اختفى الآلاف من المدنيين أو احتجزتهم السلطات الروسية بمعزل عن العالم الخارجى، فى ظل عدم معرفة مكان وجودهم وسلامتهم.

3:

فى سوريا، حيث لا يزال أكثر من 110 آلاف شخص مختفين قسرًا أو محتجزين تعسفيًا، بما فى ذلك آلاف الأطفال والنساء.

.. إلى هنا ينتهى بيان بلينكن، الذى يمثل الإدارة الأمريكية، متجاهلًا أهم حالات الاختفاء القسرى فى عديد الدول، لعل أبرزها ما يتم بشكل متواصل فى غزة، والضفة الغربية والقدس والداخل المحتل.

 

* سرقة وخطف أطفال غزة!

 

 

.. وصلنى، تحقيق خاص، حصلت «الدستور» على نسخة منه:

يسرد هذا التحقيق سرقة وخطف أطفال غزة!

 

.. ويضع العمل سردية إنسانية من سرديات الحرب على غزة:

‏أين هى الطفلة «ضحى»، ابنة طلعت، البالغة من العمر 8 سنوات، والتى تم خطفها من قبل الجيش الإسرائيلى بالقرب من معبر رفح فى أواخر شهر يوليو الماضى؟

 

‏فى 30/8،

وتبدأ التفاصيل بالقول:

اكتشفنا منشورًا على إنستجرام من قبل جندى تابع لكتيبة 432 للواء جيفعاتى يدعى إيدو زاهار. إحدى صوره كانت تحتوى على صورة له مع فتاة صغيرة فى غزة دون ظهور أى من أفراد عائلتها. بعد فترة قصيرة حذف المنشور وجعل حسابه خاصًا، قمنا بالتحقيق فى تفاصيل الحادث.

* شهادة الجندى أيدو..!

 

‏لم نتمكن من التحقق بشكل مستقل من هوية الفتاة فى منشور الجندى، ونعتمد على شهادة الجندى والتفاصيل التى قدمها لتحديد هويتها. الاسم: ضحى واسم أبيها طلعت، فتاة تبلغ من العمر 8 سنوات أخذها الجيش الإسرائيلى بالقرب من معبر رفح فى أواخر يوليو. قام بعض الزملاء بالطلب من جيش الاحتلال التعليق عن الحادثة، وللسؤال عما حدث لضحى.

صرح الجيش بأنهم سينظرون إلى ما حدث.

 

 

. وفى السردية المؤلمة:

‏تواصلنا مع الجندى ايدو بطلب إجراء مقابلة لكنه لم يرغب فى نشر القصة. قال لنا: «لا قصة. لا وجه. لا شىء. يرجى حذف هذا تمامًا من كل مكان».

 

.. ولعل وصف الحال، يعود إلى حالة الاختفاء القسرى، فيلفت التحقيق:

‏ذكرت التقارير من غزة أن مئات الأطفال مفقودون منذ بداية الحرب فى 7 أكتوبر. فى 31 ديسمبر، بثت إذاعة الجيش الإسرائيلى مقابلة مع شهار مندلسون، صديق النقيب الإسرائيلى هاريل إيتاه، الذى قتل فى المعارك فى غزة. ذكر مندلسون أن إيتاه «كان لديه قلب طيب» وأنه أنقذ ذات مرة طفلة تبكى فى غزة أخذها إلى إسرائيل. تم حذف التغريدة لاحقًا من قبل إذاعة الجيش الإسرائيلى.

 

.. عمليا: ‏تمت تغطية القصة فى أكبر صحيفة فى إسرائيل، يديعوت أحرونوت. فى ذلك الوقت، ودعت وزارة الخارجية الفلسطينية على إثرها إلى تحقيق فورى، مشيرة إلى أن الحادثة قد تشكل جريمة حرب خطيرة.

 

‏بعد يومين، رفض المتحدث العسكرى الادعاءات، قائلًا إن المزاعم حول جندى إسرائيلى اختطف فتاة صغيرة لا أساس لها دون إبداء المزيد من التفاصيل. ومع ذلك، أفاد تقرير صادر عن منظمة «أنقذوا الأطفال»، بعنوان «الأطفال المفقودون فى غزة»، بأن آلاف الأطفال مفقودون فى غزة، بما فى ذلك ما تصفه المنظمة بـ«المحتجزين، المفقودين، أو المختطفين». فى بيان صحفى من شهر مايو المنصرم، أفاد مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، بوجود حالات عديدة لنساء وفتيات من غزة، تم اختفاؤهن قسريًا على يد الجيش الإسرائيلى فى القطاع.

 

‏حصلنا على شهادة من جندى من الكتيبة 432، الذى كان متورطًا بشكل مباشر عن الحادثة، وطلب عدم الكشف عن هويته. روى الجندى «ع» أنه شارك فى عملية بالقرب من معبر رفح فى أواخر يوليو.

‏كان الجيش يقوم بمداهمات للمنازل عندما ظهر رجل مسن وفتاة صغيرة، عرفت عن نفسها أنها دوحة ابنة طلعت البالغة من العمر 8 سنوات، من أحد المنازل وهم مستسلمون ورافعون أيديهم إلى الجيش.

 

‏ادعى الجندى أن الرجل المسن من تلقاء نفسه عرض على الجنود إظهار مداخل الأنفاق فى المنطقة بالقرب من المعبر. صرح «ع» بأنه فصل الفتاة عن قريبها المسن لأسباب «أمنية»، قائلًا إنه كان هناك قلق من أن تكون الأنفاق مفخخة. ومع ذلك، يبدو التبرير ملفقًا، نظرًا لأنه قال إن الرجل المسن نفسه عرض عليهم إظهار مداخل الأنفاق، مما كان سيعرضه للخطر.

 

* تناقضات مثيرة.

 

‏كشفت الشهادة عن تناقضات مثيرة للاهتمام. وفقًا للجنود المشاركين، الرجل المسن الذى كان من المفترض أن يعرض من تلقاء نفسه إظهار مداخل الأنفاق، أظهر لهم فتحات الصرف الصحى فى المنطقة. وادعى الجندى أن الشاباك اتهمه لاحقًا بالانتماء إلى حماس ونقل معلومات عن مواقع وعمليات الجيش. وهو اتهام مثير للجدل يبدو غير مبرر ومتعارض، خاصةً بالنظر إلى أن الرجل قال وفقًا لمزاعم الجندى فى البداية إنه تطوع لذلك.

‏«لم أكن هناك بعد الآن، لأننى كنت أراقب الفتاة، ولكن مما فهمته، تبين أنه كان مدخلًا لمجارى الصرف الصحى الذى أخذهم إليه. بعد التحقق من قبل الشاباك، تم الكشف عن أن الرجل كان مرتبطًا بحماس وكان يراقبنا لنقل المعلومات عن أماكن عملياتنا حتى يتمكنوا من مهاجمتنا» قال الجندى.

‏يثير هذا الادعاء الشكوك حول ما إذا كان الرجل فعلًا يعرض المساعدة، وهو ما يبدو غير معقول ليتم اتهامه بأنه من حماس واعتقاله، والأغلب أنه كان يُستخدم كدرع بشرية، كما وثقت حالات مشابهة فى تقارير صحفية لهآرتس ولقناة الجزيرة.

 

‏وقع الحادث فى أواخر يوليو بالقرب من معبر رفح، وهى منطقة لا يزال الجيش الإسرائيلى يعمل فيها حتى اليوم.

 

‏قال الجندى إنه بعد قضائه وقتًا مع ضحى، البالغة من العمر 8 سنوات، سلم هو وزملاؤه الفتاة إلى جنود آخرين. «لا أعرف ماذا حدث لها، تركتهم فى مرحلة ما. هى تبلغ من العمر 8 سنوات من رفح». تُركت دون أى أفراد من عائلتها، ولا يعرف أين أخذها الجنود الآخرون.

 

.. يثير هذا التحقيق ضرورة أممية، إذ يقول: ‏نعتقد أنه من المصلحة العامة معرفة مكان وأمن هذه الفتاة الفلسطينية. ندعو أى جهات ذات صلة لتقديم مزيد من المعلومات حول الفتاة المفقودة بناءً على التفاصيل المتاحة.

بيانات الإدارة الأمريكية ليست مجرد تذكير عالمى بالمعاناة المستمرة التى تواجهها العديد من العائلات والأفراد فى مختلف أنحاء العالم، بقدر ما فيها من ابتعاد عن خصوصية الحرب العدوانية الإسرائيلية المستعرة على غزة ورفح، وحاليًا اقتحام جبهة حرب مدمرة فى الضفة الغربية والقدس.

.. ورغم محدودية البيان كقيمة سياسية، إلا أن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن تعمد تهميش الوضع فى فلسطين المحتلة، وهذا من الدبلوماسية الدولية، لتسليط الضوء على المسئوليات الملقاة على عاتق المجتمع الدولى لحماية حقوق الأفراد وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات وبينما تعانى شعوب مختلفة فى جميع القارات، يبرز المصير المأساوى للمعتقلين الفلسطينيين، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الأردنية، قال إن الشعب الفلسطينى: يواجه عدد منهم نهايات غامضة، تاركين خلفهم عائلات تبحث عن الحقيقة والأمل.

 

ونشرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا الشهر الماضى يتناول موضوع الاحتجاز التعسفى والمطول، حيث يعانى آلاف الفلسطينيين من منع الاتصال من قبل السلطات الإسرائيلية منذ تشرين الأول الماضى ويغطى التقرير الادعاءات بممارسة التعذيب وأشكال المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة.

 

وأفاد التقرير بأنه منذ 7 أكتوبر الأول الماضى، تم نقل آلاف الفلسطينيين من غزة إلى إسرائيل، بما فى ذلك أفراد من الطواقم الطبية ومرضى وسكان فارين من النزاع ومقاتلين معتقلين، وكانوا مكبلى الأيدى ومعصوبى الأعين فى معظم الحالات. كما تم اعتقال آلاف آخرين فى الضفة الغربية وإسرائيل، وعادة ما تم احتجازهم سرًا دون إطلاعهم على أسباب احتجازهم أو السماح لهم بالاتصال بمحامٍ أو الحصول على مراجعة قضائية فعالة.

.. وفى هذا السياق، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ركزت على أن الاختفاء القسرى أصبح مشكلة عالمية، وليس محصورًا فى منطقة معينة، حيث اختفى مئات الآلاف أثناء النزاعات أو فترات الاضطهاد فى ما لا يقل عن 85 بلدًا.

 

*أمين عام اللجنة الملكية لشئون القدس.

 

 

 

عبدالله كنعان، أمين عام اللجنة الملكية لشئون القدس، قال، ضمن تقرير «بترا» إن «الاختفاء القسرى هو وسيلة احتلالية مروعة تستخدمها إسرائيل للضغط النفسى على الفلسطينيين، وهى جريمة إنسانية مروعة ترتبط بمجموعة واسعة من الانتهاكات التى يمارسها الاحتلال الإسرائيلى».

 

.. كنعان، ذكر المجتمع الدولى بالقول: «تعتبر الجمعية العامة 30 أغسطس يومًا دوليًا لضحايا الاختفاء القسرى، ورغم توقيع الدول على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسرى، إلا أن هناك انتهاكات مستمرة، خاصة فى سياق الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين».

 

وأشار إلى أنه وفقًا لأرقام الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى، هناك أكثر من 15 ألف معتقل فلسطينى فى الضفة الغربية وغزة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) فقط، مع وجود آلاف آخرين لا يُعرف مصيرهم، مما يرتبط بقوانين الأبرتهايد المطبقة فى المعتقلات.

* حالات اختطاف قسرى، تتم يوميًا.

ما بين بيان الخارجية الأمريكية، وصورة العالم من الحرب على غزة ورفح والضفة الغربية والقدس، هناك بون شاسع له أهدافه، التى لا يمكن تجاوزه، هنا ليقول د. عايض الشنون أستاذ القانون، إن ارتباط قضايا الاختفاء القسرى فى الضفة الغربية وغزة بانتهاكات حقوق الإنسان الأوسع فى المناطق المحتلة يعمق من أزمة حقوق الإنسان.

 

ووفقًا لما نقل عنه فى تقرير «يؤدى الاختفاء القسرى إلى تمزق النسيج الاجتماعى ويترك آثارا نفسية عميقة على الأسر والمجتمعات، مما يزيد من التوترات والعنف».

.. ونحن ما زلنا، نشهد، فى قطاع غزة ورفح والضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، حالات اختطاف قسرى، تتم يوميا، وهى تتشارك فى مأساة الأوضاع الأمنية والإنسانية، التى سجلت حالات إبادة جماعية يقودها السفاح نتنياهو وحكومة التطرف التوراتية الإسرائيلية النازية، وهى واقع يشهد عليه المجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى، بصمت مريب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى