كنّا غرباء عندما التقينا
حمزة عليان

النشرة الدولية –

 

أجمل العبارات التي قرأتها للشيخة حصة صباح السالم الصباح بتقديمها لكتاب السفير الأميركي الأسبق «ناثانيل هويل» تعيد فيها اسم الكتاب الأصلي الذي صدر باللغة الإنكليزية «كنا غرباء عندما التقينا… قرن على وجود الجالية الأميركية في الكويت»، تلك هي قصة الشعبين الكويتي والأميركي «كانوا غرباء عندما التقوا، وأصبحوا أصدقاء اليوم».

 

لقد جاء السفير هويل إلى الكويت، كشخص غريب، جاء إلى هنا في واحدة من أكثر الفترات رعباً في تاريخ الكويت، وهي مرحلة الغزو العراقي سنة 1990، وفيها يكشف عن صداقة حقيقية، ووقفة الأميركيين مع الشعب الكويتي في المحنة الشديدة التي حلّت ببلدهم، لذلك فالسفير يجسد القصة التي قيلت.

 

قبل الدخول في مضمون الكتاب، استحضرت كتاب الدكتورة نور الحبشي «العلاقات الكويتية – الأميركية» والصادر عن ذات السلاسل، منطلقة منذ نشأتها في عام 1868 لتصل إلى مرحلة الغزو والتحرير وكأن الروايتين التاريخيتين تكملان بعضهما، واحدة برؤية أكاديمية وأخرى بعين دبلوماسي.

 

كذلك الحال مع «جلسة المصارحة» التي فاضت فيها السفيرة الحالية «كارين ساساهارا» مع الزملاء الصحافيين بالحديث عن علاقة بلدين صديقين، يجمعهما تعاون أمني قوي للغاية، وإعطائها إشارة ذكية عن الاستقرار الأمني الذي تعيشه وتلمسه وبأنها ليست بحاجة إلى حماية غير عادية، وفعلاً نراها في كل المناسبات وبتواضع شديد دون إظهار أي إجراءات لافتة للنظر.

 

يروي تجربة الأميركيين وامتداد الجالية الأميركية الأول الذي كان يفوق البريطانيين حتى اكتشاف النفط، وقد تشابكت مع التاريخ الكويتي الذي أدهشه حين لمس الإنجازات الخارقة للدولة الصغيرة من أجل البقاء والازدهار في ظل بيئتها القاسية، والدهشة الثانية، ذاك الاحترام الكبير للأميركيين الذين عملوا وعاشوا وسط الكويتيين أثناء فترتي المحنة الإزدهار.

 

إلى جانب الوثائق والكتب والأبحاث كانت له إطلالات مع تجارب أميركيين وكويتيين وبريطانيين تمتد ذكرياتهم إلى ثلاثينات القرن العشرين، زادت قيمتها مع توثيق ماله صلة أو علاقة بالغزو والأحداث التي وقعت بين سنتين 1990 و1991.

 

كتاب قصة تاريخية شفوية بامتياز، كان يشعر بالود والاحترام تجاه الشعب الكويتي، وجدهم أذكياء وأوفياء، مؤكداً أن المجتمع والهوية الكويتية لم تسحق بسرعة. يربط تاريخ العلاقة بتطورها، وعندما جاءت بعثة الأطباء الأميركيين «الإرسالية الأميركية» عام 1911 كان الأميركيون يعرفون الشيء القليل عن الكويتيين، والشيء نفسه يمكن قوله عن الكويتيين في معرفتهم بالأميركيين، كنا غرباء عندما التقينا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومع مرور الوقت وبفضل أعمالهم الجيدة حازت تلك البعثات قبول وثقة الكويتيين، بعد ذلك التحق عمال النفط الأميركيين ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين في الكويت، هذه البعثات عبّدت الطريق للصداقة والتعاون المستقبلين.

 

استعرض عدد من حالات الاندماج والتعايش بين الجالية الأميركية والمجتمع الكويتي وعنده أنه ليس من السهل تعداد جميع العوامل التي تجعل الكويت جذابة كموطن للمغتربين من نصف العالم البعيد، حتى قبل أن يقوم أطباء الإرسالية عام 1911 بتكوين مجتمعهم الصغير، كانت الكويت قد شكلت سمعة طيبة في التبادل التجاري والمصداقية، وهكذا اعتمد الكويتيون على التعامل مع الثقافات الأخرى، على الرغم من أن تجربتهم مع الأوروبيين كانت محدودة! وبينما كان السكان المحليون في المقام الأول من العرب السنّة إلا أنهم أدمجوا عقائد وطوائف أخرى، شيعة ويهود وفرس داخل المدينة المنسجمة كذلك قبول المسحيين الوافدين.. في نهاية المطاف كان احتضان البعثة الأميركية هو الإنجاز الذي فتح الطريق أمام التسامح والتفاهم المتبادل.

زر الذهاب إلى الأعلى