إيران والترويكا الأوروبية في جنيف… فتش عن الأميركي
بقلم: حسن فحص

النشرة الدولية –

“من مصلحتنا حلّ مشكلاتنا مع أميركا، وأن نسعى إلى خفض التوتر مع هذه الدولة… لقد وصلتنا أخبار أن أميركا تسعى وراء تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء مع إيران، وأنها تخطط لكي لا نستطيع تصدير أي قطرة نفط وبيعها في الأسواق، وتريد إعادة الكرة مع إيران كما فعلت مع نظام صدام حسين، وقد أطلعت القائد على ذلك، وكان على علم به…”.

هذا الكلام للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني أحد أركان النظام وأبرز شخصياته المؤثرة ومن الشركاء الأساسيين على مدى عقود ثلاثة في صناعة القرار الإيراني على المستويين الداخلي والاستراتيجي، قاله أواخر عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ويكشف عن مدى عمق الأزمة التي كانت تمر بها إيران، والأخطار التي قد تواجهها إذا ما استمرت في سياسة العداء والقطيعة مع الولايات المتحدة، وأن المصلحة الإيرانية والحفاظ على ما حققته من إنجازات يفترضان ويستدعيان من القيادة اتخاذ قرارات مصيرية وجوهرية تعيد فتح الطريق أمام التفاوض المباشر من أجل الحفاظ على المصالح القومية والاستراتيجية وعدم الدخول في دائرة العقوبات المشددة.

ما حذر منه رفسنجاني لم يتأخر، إذ انفجرت أزمة جديدة من نوع آخر مع إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب انتهت بإعلان انسحابه من الاتفاق الموقع عام 2015 بين إيران والسداسية الدولية (مجموعة دول 5+1) عام 2018، ومن ثم العودة لسياسة العقوبات الاقتصادية المشددة والخانقة التي خفضت صادرات إيران من ثلاثة ملايين برميل يومياً إلى أقل من 400 ألف برميل، وتسببت بانفجار أزمة اقتصادية ومعيشية حادة في البلاد، لم تنفع معها كل المكتسبات التي حققها النظام من كسر طوق العقوبات مرحلياً، من خلال الاتفاق النووي والجلوس مع الجانب الأميركي إلى الطاولة نفسها، ومن ثم التوسع في هذه الطاولة للجلوس والتحاور المباشر (جون كيري ومحمد جواد ظريف).

مع انتهاء رئاسة الديمقراطيين واقتراب موعد خروج الرئيس جو بايدن وفريقه من البيت الأبيض والإدارة الأميركية، بخاصة من وزارة الخارجية (أنتوني بلينكن) والأمن القومي (جايك سوليفان) ووكالة الاستخبارات (ويليم بيرنز) الذين واكبوا وشاركوا في صياغة اتفاق عام 2015، وفشل القيادة الإيرانية في إحداث خرق في موقف واشنطن حول شروط العودة إلى الاتفاق وإنهاء العقوبات الاقتصادية، فإن عودة ترمب، الجديد إلى البيت الأبيض، تضع هذه القيادة في طهران للتفكير ملياً في الخطوات التي قد يتخذها الرئيس العائد، وأخطار العودة لدائرة العقوبات، بخاصة أن طهران، وخلال رئاسة ترمب الأولى ورئاسة بايدن، عاشت حالاً تشبه ما عاشه العراق، وطبّق عليها برنامج “النفط مقابل الغذاء والدواء” في كل المفاوضات التي جرت من أجل الحصول على عائدات بيع النفط، عندما وضعت الإدارة الأميركية شروطاً على استخدامها على إيران والدول المدينة.

هذه المخاوف التي عادت إلى الواجهة مع عودة ترمب، تزامنت مع وصول الرئيس مسعود بزشكيان إلى رئاسة الجمهورية والسلطة التشريعية الذي رفع شعار انفتاحه على الحوار مع الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة تحت سقف يضمن المصالح القومية والوطنية والاستراتيجية لإيران، ومن منطلق الاحترام المتبادل والندية، فضلاً عن التأسيس لمسار إعادة بناء الثقة بين الطرفين.

الخطاب الذي قدّمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والذي علّل فيه أسباب قبول حكومته بقرار وقف إطلاق النار في الحرب التي يقودها ضد لبنان، شدد على استمرار سياساته في مواجهة إيران ومنعها من الوصول إلى السلاح النووي، وهو موقف يستبق أن يحاول وضع شروط على طاولة التفاوض المرتقبة التي ستستضيفها مدينة جنيف السويسرية بعد غد الجمعة بين إيران والترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، وما أدرج على جدول أعمالها من مواضيع لا تقتصر على الأزمة النووية، بل تشمل الأوضاع في الشرق الأوسط، تحديداً الأزمتين اللبنانية والفلسطينية.

القرار الإيراني بالذهاب إلى طاولة التفاوض، أو ما تسميه طهران “مفاوضات إلغاء العقوبات وإعادة إحياء الاتفاق النووي”، جاء مفاجئاً في ظاهره، بخاصة بعد رصد المواقف والأحداث التي سبقت هذه الخطوة، من الناحية الأوروبية سواء لجهة حزمة العقوبات التي أقرتها هذه الترويكا ضد شخصيات ومؤسسات اقتصادية، أو لجهة القرار الذي أقره مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمبادرة من هذه الدول، وإدانته إيران واتهامها بخرق الاتفاق، لكنه أجّل آلية إحالة الملف إلى مجلس الأمن إلى الربيع المقبل، وما يعنيه ذلك من أن الإجراء الأوروبي يشكل نصف خطوة على طريق التصعيد المؤجل.

زر الذهاب إلى الأعلى