الحرب تواكب الانتخابات الأميركية وتنتظر نتائجها
طوني فرنسيس

يمكن، بل يُتوقع أن يستمر الوضع الحالي في غزة وعلى جبهات مساندتها إلى أمد طويل، أقله حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية يوم الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والأصح حتى الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025 عندما ينهي الرئيس جو بايدن ولايته ويسلم المنصب إلى خلفه الفائز أو الفائزة ظهر ذلك اليوم بتوقيت شرق أميركا، الخامسة بالتوقيت العالمي (غرينتش).

ربط التطورات في المنطقة وأنحاء أخرى بالعالم بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية ليس أمراً طارئاً. في الشرق الأوسط خصوصاً اعتاد قادة وسياسيون ربط مصائر بلدانهم بما يجري على ضفاف البوتوماك، وفي تجربة العام الأخير من الصراع قدمت الولايات المتحدة ما يكفي لإثبات حضورها ودورها مما يبرر لجميع الأطراف المحليين المنخرطين في الصدام القول إن كثيراً من مآلات المعركة الدائرة يرتبط بنتائج الاقتراع الأميركي.

ولا يقتصر انتظار النتائج الأميركية على مجريات حروب المنطقة. ففي أوروبا تدور حرب كبرى بين روسيا وأوكرانيا تنخرط فيها أميركا والغرب دفاعاً عن أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، وبعيداً إلى الشرق تتواجه الصين والولايات المتحدة في حرب مصالح اقتصادية وجيوسياسية قد تتحول تايوان فيها إلى صاعق يفجر عالماً بأكمله.

صحيح أن مسائل داخلية اقتصادية واجتماعية تطغى على الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، لكن موقع الدولة الإمبراطورية في العالم يشكل هاجساً للمتنافسين.

قد لا ينتظر أحد مفاجآت من كامالا هاريس الديمقراطية في حال فوزها، والأرجح أن تواصل ما بدأته مع الرئيس بايدن في ما يتعلق بالسياسة الخارجية لبلادها المتعلقة بالمشرق، سعي لاحتواء ومنع نزاع واسع تشارك فيه إيران، ودعم مستمر لإسرائيل مع تكثيف لخطاب التسوية والدولتين في فلسطين، وضبط لـ”حزب الله” في لبنان على قاعدة تسوية مرجعيتها في قرار مجلس الأمن 1701 الخاص بترتيبات الأمن في الجنوب بعد حرب 2006.

سياسة “الاحتواء المزدوج” هذه أتاحت للولايات المتحدة حتى الآن ضبط حركة الإيرانيين وأذرعتهم تحت سقف قواعد اشتباك تمنع الانزلاق نحو حرب شاملة، وضبطت في المقابل حركة الحكومة الإسرائيلية خصوصاً في الجبهة الشمالية، إذ منعت تل أبيب من شن هجوم واسع على لبنان، وسمحت لها ولـ”حزب الله” بتبادل الضربات في معركة سمحت لإسرائيل باصطياد نحو 500 مسؤول وعسكري في هذا الحزب، ووفرت له في المقابل فرصة الرد “المدروس” والقول إنه يواصل مساندة “حماس” في غزة من دون الالتفات إلى أية مصلحة لبنانية في المعركة.

لم تسمح أميركا بحرب كبرى على الحدود اللبنانية على رغم تدمير قرى الشريط اللبناني المحاذي وتهجير سكان المستوطنات المقابلة. وطوال ما يقارب عاماً بقيت أولوية الإدارة التوصل إلى اتفاق في غزة يمهد للهدوء على المحاور المفتوحة الأخرى. ولا ينتظر من هاريس أن تبدل في أولويات سياسة بايدن إلا في حال نشوء وقائع أخرى.

في المقابل لم يخف الرئيس السابق المرشح دونالد ترمب اختلاف وجهة نظره عن وجهة نظر منافسته. هو أطلق كلاماً كبيراً في شأن النزاعات والحروب القائمة، وقال إنه لو كان رئيساً لما سمح بحصول “طوفان الأقصى”، وفي إطلالة أخيرة حذر من اختفاء إسرائيل خلال عامين.

فوز ترمب قد ينهي قواعد الاشتباك القائمة، ليس بالضرورة عبر الدفع إلى حرب مفتوحة مع إيران بل ربما بالعودة إلى صيغة “الضغوط القصوى” التي مارسها سابقاً ضد طهران، والتي “خربها” بايدن بإفراجه عن مليارات من الدولارات استفادت منها إيران لتمويل “حماس” ومعها “محور المقاومة” في الحرب ضد إسرائيل، كما يقول المرشح الجمهوري.

سيفضل النظام الإيراني وهو يتابع بدقة ما يجري في أميركا استمرار التعامل مع إدارة منحته الاتفاق النووي خلال عام 2015 وسمحت له بتوسيع نفوذه إلى أربع عواصم عربية، وهي الآن تمارس أقصى ضغوطها لمنع إسرائيل من شن حرب مباشرة ضده.
في المقابل لا تخفي القيادة الإسرائيلية انجذابها نحو إدارة يترأسها ترمب قامت سابقاً بالاعتراف بضم الجولان وعدت القدس عاصمة لإسرائيل. لكن إسرائيل كما إيران لن تتخليا عن سياستهما، الأولى لن تجازف في هز التحالف الصلب مع أميركا والأخيرة ستواصل خطاب إيقاع الهزيمة بها مع الالتزام بالضوابط.

لم ترد طهران على اغتيال إسماعيل هنية حتى الآن، ولم يحصل ذلك اعتباطاً. إنه جزء من ترتيبات تشرف عليها إدارة بايدن عبر مسقط والدوحة تتضمن استمرار التهديد وإرجاء التنفيذ. التحليل الإيراني كان قاسياً في شأن رد “حزب الله” على اغتيال رئيس أركانه فؤاد شكر عشية اغتيال هنية.

قال معلقون إن عملية “حزب الله” المضادة “لم تحقق الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي كان يتوقع أو يرغب في تحقيقها” (موقع جادة إيران)، أما عن الرد الخاص بإيران فلا يزال في حوزة “الصبر الاستراتيجي” مع أنه “قادم لا ريب فيه” على قول القائد في الحرس الثوري الجنرال محمد رضا نقدي بعد مرور شهر ونصف الشهر على اغتيال هنية.

لقد منعت الإدارة الأميركية نتنياهو من توسيع الحرب ضد إيران إلا أنها لم تمنعه من شمول حربه فلسطين كلها في غزة والضفة، ولم تمارس عليه ضغطاً يسفر عن نهاية لمعركة غزة وعن انخراط فعلي في عملية سلام تقود إلى قيام دولة فلسطينية تحدث عنها بايدن ومرشحته كامالا هاريس.

وسيواصل نتنياهو طريقه في تحطيم احتمالات سلام عملي مستعيناً بالبعبع الإيراني ومتبادلاً معه خدمات اقتسام المشرق ما دامت الإدارات الأميركية تمارس السياسات نفسها في حماية الدولة العبرية وتتبنى نهجها.

ويعول إسرائيليون كثر على ضغوط أميركية “تعيد نتنياهو إلى جادة الصواب” لكنهم يبدون فاقدي الأمل. ويقول كبير مستشاري الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، نمرود نوفيك “الإدارة الأميركية مخيبة للغاية. إنهم يهمسون لكن الهمس لا يسمع. إذا كنت تريد أن يسمعك الإسرائيليون قم بالتعبير عن نفسك”.

ويضيف المستشار الإسرائيلي الكبير أنه “لم تكن هناك أية خطة لإنهاء الحرب في غزة وإعادة الرهائن وتغيير دينامية المنطقة”.

الوقائع تؤكد ذلك. لا وجود لخطة سلام أميركية أو إسرائيلية حتى الآن ونحن على مقربة من نهاية عام كامل من القتال والخراب والمجازر، ومشروع الصفقة الذي طرحه بايدن وأقره مجلس الأمن دخل موته السريري، فيما الاستعداد لمعركة الرئاسة الأميركية في أوجه.

استناداً إلى مجريات أشهر الصدام المستمر يمكن توقع نمط أنواع القتال المرتقب على وقع منافسة واشنطن الكبرى حتى موعد الرابع من نوفمبر المقبل. والأسئلة المهمة ستطرح بعد ذلك التاريخ. إذا فاز ترمب كيف سيتصرف بايدن في المهلة الممتدة حتى نهاية ولايته خلال الـ20 من يناير 2025، وإذا فازت هاريس كيف سيكون عليه سلوك الرئيس المنتهية ولايته تجاه المنطقة ومشكلاتها.

في الحالتين ليس في مصلحة بايدن ألا يحاول تسجيل إنجاز معين في نهاية عهده كائناً من يكون الفائز. وسيكون لذلك أهمية إضافية إذا فازت هاريس لتبدأ ولايتها متخففة من أثقال عام حافل.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بسلوك بايدن في شهريه الأخيرين، إذ إن فوز ترمب قد يطلق العنان لمغامري وأصوليي الشرق الأوسط من تل أبيب إلى طهران لخوض حروبهم، وعندها ستدخل هذه المنطقة في مسارات لا يعرف أحد نهاياتها. شهرا الانتقال في واشنطن سيلقيان بظلالهما هنا وفي العالم كله.

زر الذهاب إلى الأعلى