عندما يكون القاموس السياسي اللبناني هو الأغنى..

بقلم فرنسيس عزيز فرنسيس – بيروت

 

أما بعد،

يبدو أنّ القاموس السياسي اللبناني هو الأغنى، فلكلّ موضوع أو ظرف يطرأ تتمّ تغذيته بمفردات سياسيّة جديدة من بعض السياسيّين أو وسائل الإعلام وآخرها الوحي. فالوحي يا سادة يُنعم به الله على الرُسل والأنبياء والقديسين والأبرار. أما نحن فنتلمَّس طريقنا بتوجياتٍ إن لم نقُل تعليمات تتوالى صعوداً أو نزولاً تبعاً للمتغيّرات المُتأتيّة من دُولٍ قدّمت مُساعدات ماليَّة أو هِبات وتبرُّعات لمؤسّسات خيريّة، كما رَعَت مؤتمرات سياسيَّة لإطفاء الحرائق التي كانت تشتعل بفعل المسلّحين الغُرباء أو المحتلّين، وأيضاً من دولٍ دعمت وساندت المُقاومة اللبنانية التي نجحت بدحر العدوّ الإسرائيلي فأخرجتهُ مهزوما،ً بعدما عجزت أنظمة ودول عن استرداد ما داستهُ أقدامه إلا بمُعاهدات واتّفاقات تمّت تحت الطاولة أو فوقها، وأكثرها بشاعة من أصحاب الأرض، وبقيَ البعض يستنفد الشعارات والمهاترات الإعلاميَّة.

إنّ التحرير هو مصدرُ فخرٍ لكلّ لبنانيّ، مع إيقافه المُزايدات التي كانت تنهال على الدولة اللبنانيَّة مع سَوق الُتهم الباطلة.

أمّا بعد،

المرجو من تلك الدول المشكورة، أن ترتقي إلى مستوى الوطن بحيثُ تُصبح إشاراتها إيجابيَّة، لأننا لن يُمكننا تحمّل يزيداً آخراً ولا شماتة أو استهتاراً من الذين صلبوا المسيح واستباحوا كافّةً المُقدّسات الإسلاميّة والمسيحيَّة، فمُؤامراتهم أصبحت مكشوفة لدى الجميع، وهدفهم تفتيتُ المنطقة بزرعِ بذور الفتن المذهبيَّة بين شعوبها.

أمّا بعد

لا شكّ أن مسؤوليَّة حفظِ الأوطان تقع بالدرجة الأولى على عاتق الأبناءِ الأوفياء والمخلصين، وصاحب القرار الأوّل في لبنان قدّم التضحيات الواحدة تلوَ الأخرى لإبقاء الوطن موحّداً، وحضَّ على الجهاد والقتال بهدف إخراج المحتلّين، فسقط الشهداء الذين يهتفون من حيثُ هم ب “يا شعب لبنان العظيم”، أمَّا من عاشوا تلك المحطّات والمراحل ما زالوا يرفعون شعار “التغيير والإصلاح”.

أنتم اليوم أبٌ لكلّ اللبنانيين على السواء، فلتكن عاطفتكم الأبويّة التي تغمر الجميع خيمةً تنتشر وتُغطّي الوطن بأكمله وليجتمعْ تحتها المُعارض قبلَ الموالي لوضعِ استراتيجيّةٍ تهدف إلى تعزيز النظام الديمقراطي، وتشمل المشاريع الإنمائية والإقتصاديَّة والتربويَّة والإجتماعيّة كذلك القدرات العسكريَّة لتنهض بالبلد من كَبَواته وتستقيم أوضاعه وتُعيد ثقةً داخليّةًّ وخارجيّةً أصبحت مفقودة، وتُطمئنُ الجيل الجديد، جيل المُستقبل بغدٍ أفضل.

أمّا بعد،

سنُطلقُها صريحةً وواضحةً لدولة الرئيس المُكلَف، حامل الإرث السياسي لوالده الشهيد رحمه الله، الذي تطوَّع للإنقاذ بحيثُ أعاد وصل شرايين الوطن التي مزّقتها حروب الآخرين والأزمات الداخليّة والاحتلالات، ووحَّد المُؤسسات العسكريّة والمدنيّة والنقابيّة بعدما كانت صادرتها الميليشيات والأحزاب، أما إعادة الإعمار فانطلقت من ترميم الحجر المُفتّت إلى تنفيذ مشاريع جديدة أُنجزت للعودة بلبنان إلى ازدهاره السابق وإبقائه واحةً خضراء في مُحيطه، نعم كلّ هذا حصل بتفاهم كامل مع رئيس الجمهوريّة بالرغم من وجودِ البندقيّة العسكريّة السوريّة إن لم نقُل أكثر. وأبى رحمه الله أن يتطرَّق إلى أيّة مُشكلة حول الصلاحيّات وحبر الطائف لم يكن قد جفّ بعد.

أمّا تلكَ الأصوات المُتطرّفة التي تناهت إلى سمع اللبنانيين وأُمعِن في إعلائها ونذكر على سبيل المثال رؤساء حكومات سابقين، نسألهم فقط لماذا لم يَطرحوا ذلك إبان تولّيهم المسؤوليّة؟ إنما يبدو المطلوب إضافة أزمات على ما نعيشه لزرع الفتن بين المذاهب.

وفاتنا أنّ دولة الرئيس الشهيد قد ضاق صدره وطفح به الكيل من مُمارساتٍ الاحتلال وحاول جاهداً تخفيف تلك الضغوط، لكنّ دماءه سالت وروت الأرض التي أنبتت وروداً حملها كلّ لبنانيّ مُخلص إلى ساحة الشهداء وانطلقت المُظاهرات المليونيَّة التي هزّت العالم، حينها استراح في قبره.

أنتم اليوم رئيس حكومة كل لبنان، فلتطلقها صرخةً مدويّة بوجهِ المُعارضين ونداءً للمؤيّدين بأنّ من قدّم الدم على مذبح الوطن يستطيع تقديم أيّة تسهيلات منه ومن حُلفائه، وماذا تُشكِّل التنازلات مقابل ضريبة الدم التي سُدِّدت لنُبقي الوطن متعافياً.

إنّ اجتماعاً مع فخامة الرئيس بنوايا صافية بهدف منع امتداد أيّ حريقٍ مشتعلٍ في المنطقة أن يمتدّ إلى لبنان مع دعوة دولة الرئيس برّي وبالتأكيد سيحضر ويُشارك إنطلاقاً من أصالتِهِ اللبنانيّة ومِن كونِه مُؤتَمناً على مُتابعة مسيرة الإمام المغيَّب، الإمام الذي اعتلى منابر الكنائس قبل الحُسينيَّات والجوامع، داعياً لوطنٍ واحدٍ ولعيشٍ مُشترك.

إنَّ لقاءً كما قدَمنا، نتيجتُه الحتميّة دخاناً أبيض يتصاعدُ من نوافذ القصر الجمهوري، لتشكيل حكومةٍ مُتوازنة من رجال اختصاص وخبرة وليست حِصصاً مذهبيَةً كما يُنادي بعض الزعماء الذين يُحاولون احتكار التمثيل المذهبي، ولم يبقَ سوى رسم خرائط الكانتونات على الأرض.

أمّا بعد،

أين رؤساء الطوائف من كلّ ما يجري؟ المُرتجى منهم بيانٌ مُشترك بدعوة المؤمنين للنزول إلى ساحة الشهداء وهم في مُقدّمتهم لتلاوة الصلاة كلّ على إيمانه ليُلهم الله زُعماءَ الوطن مراعاة مصلحته صوناً لحقوق أبنائه وليطلقوا بعدها بمسيراتٍ باتجاه مجلس النوّاب والقصر الحكومي والقصر الجمهوري داعين الجميع إلى قمع الفتن المذهبيَّة والاتهامات والكلام البذيء والمُشين المُتبادل بين بعض الفُرقاء.

أمّا بعد،

إنّ شعباً كالشعب اللبناني الذي قاوم كافّة الاحتلالات وتصدّى على الدوام للتدخّلات الخارجيّة يستحقّ التقدير على الأقل من قادته بالتوافق على إصدار قرار بتحديد موعدٍ سنوي لأسبوع التحرير يُصار فيه إلى تكريم كافة الشهداء الذين سقطوا على امتداد الوطن وبُمواكبةٍ من عائلاتهم التي تحمَّلت مصابها بصبرٍ وأناة كما يُنظَّم شريط فيديو يتضمّن الإنتصارات التي تحقّقت على أن تُلزَم المُؤسسات الإعلاميّة المرئيّة والمسموعة بعرضه قبل نشرات الأخبار عوضاً عن أوراق نعي الوطن التي نشاهدها ونسمعها وتُبثّ مطلعَ كلّ نشرة.

أمّا بعد،

اخلعوا عنكم عباءة رجل السياسة المُماحك وارتدوا عباءة رجل الدولة المسؤول عن وطن وشعب ليسجّل التاريخ مآثركم، ولتنزعوا الخوف من قلوب اللبنانيين. إنّ اللبناني خائف.

 

زر الذهاب إلى الأعلى