رحلة الى القدس… مدينة السلام

القدس – غادة دحلان   ااا

من منا لم يحلم بزيارة مدينة القدس…زهرة المدائن مدينة السلام ملتقى الأديان السماوية…من منا لم يذب شوقا لدخول  المدينة المقدسة وخصوصا عند سماع أغنية فيروز الرائعة ” يا قدس ” وكأن عيوننا اليها ترحل كل يوم تزور شوارعها الضيقة وكنائسها ومساجدها القديمة  كلما غنت وشدت فيروز في وصفها واحساسها بمدينة القدس وروحانيتها .

شد الرحال الى مدينة القدس.

مشاعر مختلطة انتابتني عندما قررت أن أزور القدس…تراوحت بين الشوق والرغبة وبين الغضب والاحساس بالعجز كونها ما زالت محتلة وتخضع لهيمنة وغطرسة الاحتلال الاسرائيلي.ولكن زيارة القدس وتخطي حواجز الاحتلال هو حلم كل فلسطيني يعيش في الشتات أو داخل فلسطين وغير مسموح له بزيارة القدس الا بتصريح مسبق من قبل سلطات الاحتلال.وهي أيضا  أمنية كل عربي حلم بزيارة مهد الديانات وأرض الاسراء والمعراج.

الرحلة من مدينة رام الله الى القدس

بالرغم من أن المسافة بين رام الله والقدس تبلغ 11 كيلومترا مربعا وتقطع في سبعة دقائق تقريبا في الظروف الطبيعية الا ان هذه الرحلة مليئة بالمخاطر والمنغصات….للذهاب الى مدينة القدس.يتوجب على كل زائر ومن غير حملة الهوية المقدسية  أن يستقل الحافلة من مركز الحافلات في مدينة رام الله متوجها الى معبر قلنديا ويطلق عليه الفلسطينيون معبر العذاب.معبر قلنديا يربط  مدينة رام الله بمدينة القدس وهو المعبر الوحيد الذي يسمح لحاملي هوية الضفة الغربية بالدخول الى مدينة القدس ضم شروط محددة تفرضها سلطة الاحتلال الاسرائيلي والي من أشدها قساوة عدم السماح لمن هم دون الخمسين عاما من النساء ولمن هم دون الستون عاما بدخول المدينة دون تصريح مسبق .

معبر قلنديا

ويسمى حاجز قلنديا ويعد أكبر الحواجز العسكرية التي أقامها جيش الاحتلال الاسرائيلي عقب انتفاضه سنة 2000 في الضفة الغربية.

ويقع الحاجز جنوب مدينة رام الله بمحاذاة بلدة قلنديا والتي تقع على مسافة 4 كيلومترا منها..يصف الكثير من الفلسطينين المعبر بكونه معبر الاذلال وصدرا لمعاناتهم وخاصة العمال ال1ين يتنقلون من القدس المحتله واليها.بالاضافة الى تعطيله الحركة الاقتصادية وعزل مدينة القدس عن باقي المدن الفلسطينية..

يبدو المعبر للوهلة الاولى وكانه ثكنة عسكرية فهو محاط بأسلاك شائكة ومناطق عازلة وحواجز الكترونية بالاضافة  الى بوابات وكاميرات تمنع دخول الافراد الا من خلال ممرات حديدية أشبه بالاقفاص.. وعملية فتح البوابات

الحديدية تخضع بالدرجة الاولى لمزاج وأهواء جنود الاحتلال…مشهد حزين يتكرر كل يوم حيث يتجمع العشرات من الفلسطينين بانتظار السماح لهم بعبور الحاجز ودخول المدينة المقدسة. 

باب العامود

يقع باب العامود في الجدار الشمالي لسور القدس حيث يعتبر الباب الرئيس  للدخول الى زهرة المدائن القدس ويتميز هذا الباب عن جميع أبواب القدس بالجمال والثراء المعماري.  وقد نقش على الباب كلمات عربية بنقوش  الميلادي ويكتسب باب العامود أهميته كونه المدخل الرئيسي للـمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط البراق، ومنه يدخل الزائرون من مختلف الاديان والجنسيات إلى سوق تجاري ويسمى سوق باب خان الزيت ومنه يتفرع إلى أسواق عدة منها سوق العطارين وسوق اللحامين وسوق القطانين وسوق الصاغة وسوق الحصر متفرعا   إلى الحي  المسيحي والمسمى حارة النصارى من الجهة اليمنى والحي الإسلامي إلى اليسار والأمام. ويعد سوق باب خان الزيت هو الشارع الرئيسي الذي يقطع البلدة القديمة ومن وسطها تقريبا من الشمال ويتجه نحو الجنوب، وبه نشاط تجاري  كبير يزدحم بمئات الزوار من كافة بفاع العالم. والعالم وتكاد تجد كل ما تشتهي داخل أسواقه.

داخل الاسواق العتيقة..و سحر المدينة المقدسة.

تطالعك لوحة جميلة وان  تقف على مدخل السوق.. كل درجة من درجات السوق تسطر حكاية من حكايات

اهل المدينة…تشم عبق التاريخ والحضارات منذ لحظة نزولك درجات باب العامود. على يمين وشمال الدرجات تجلس مجموعه من بائعات الخبيزة والزعتر الأخضر وما يلفت النظر رائحة الخضار الطيبة التي تملأ الدرجات ولوهلة  يخيل اليك انك في رحلة ريفية تقطع السهول الفلسطينية المزروعة بأطيب الخضار والفواكه الطازجة ولا تقدر أن تقاوم  من شراء منقوشة الزعترالطازجة والتي تشم رائحة خبيزها عند دخولك السوق .

تستفيق من خيالك على أصوات الباعة وهم يتغنون بالفراولة الطازجة والخبيزة البلدية في محاولة لجذبك الى بضائعهم…صخب وضجيج يدخلك في تجربة رائعه….جاذبية المكان وخصوصيته.. تصهرك وتذيبك داخل السوق.

لا أبالغ بوصفي انك تمشي مسحورا وانت داخل الاسواق القديمة لهذه المدينة سحر من نوع اخر. وانت تنقل عيناك بين الدكاكين الصغيرة و الأزقة  وانت تمشي في الحارات الضيقة.. تتسارع الأفكار والأسئلة في رأسك!!! كيف حافظت هذه المدينة على أصالتها وخصوصيتها الدينية والتاريخيه عبر الاف السنين؟

بائعة الخضار                     

ام محمد سيدة في الستين من العمر تبيع البقدونس والنعنع في بسطتها( مجموعة من الكراتين  توضع عليه الخضار بترتيب جميل) …تكاد تشم رائحة النعنع والبقدونس من أعلى الدرج….تحدثك ببساطة القرويات بأنها بالرغم من انها تاتي من قرية قريبة من مدينة مدينة بيت لحم الا انها تشعربالانتماء لباب العامود وسوق خان الزيت وتعودت أن تاتي لتبيع في هذا السوق منذ تسعة سنين بالرغم من صعوبة المواصلات ومضايقات جنود الاحتلال لها عند عبورها بالرغم من كونها فوق الخمسين عاما حسب القانون الاسرائيلي.

أسواق القدس العتيقة

سوق باب خان الزيت تعد من أجمل أسواق مدينة القدس داخل الأسواروهو أول سوق يواجهك حين دخولك من باب العامود. ويعزى اسمه الى تخصصه في استخراج الزيت وبيعه. ثم اشتهرت بسوق خان الزيت و على جانبيه  الكثيرمن المحلات القديمة و يمتد هذا السوق من اول درجات باب العامود الى نهاية طريق كنيسة القيامة. وهو امتداد لسوق العطارين

سوق العطارين

سرعان ما تشم روائح الاعشاب والبخور وتعرف  انك في سوق العطارين ويبهرك طريقه ترتيب البهارات والعطور مزيجها يضفي على المكان نوعا من السحر والجمال  .في العصور السابقه اقتصر السوق على بيع  البهارات والعطور أما في الوقت الحالي فقد تنوعت المحلات المليئة بمختلف أنواع  البضائع.التقينا   شاب يبيع في محل للعطارة ويظهر في أسلوب بيعه الخبرة وشطارة التجار . أخبرنا انه قد توارث مهنة العطارة عن أجداده منذ بدأت عائلته بيع البهارات قبل أربعمائة عاما .  وصف لنا(أ) السوق كما يذكره منذ كان طفلا حيث كان يأتي مع والده فقال ان السوق كان كثير  الحركةالازدحام مقارنة بالأيام  الحالية وعزا ذلك للصعوبات التي يفرضها الاحتلال على حركة المواطنين ومنعهم من دخول المدينة المقدسة الا بتصاريح عملية اصدارها معقدة وشبه مستحيلة   وقد أثر ذلك سلبيا على الوضع الأقتصادي لكل التجار.وبالرغم من دراسته في الولايات المتحدة لعلم الحاسوب والتسويق الا أن شغفه بهذه المهنة دفعه الى العودة لبلده والعمل بمهنة أجداده. ويعد محل المؤقت للعطارة من أشهر محلات العطارة في سوق العطارين.

سوق اللحامين

عرف بهذا الاسم لوجود كثير من محلات بيع اللحوم الطازجة والاسماك حيث يتوافد اهل المدينة لشراء حاجياتهم من اللحوم من هذا السوق ,وهو موازي لسوق العطارين. وأكد الكثير من مشتري اللحوم الذين صادفناهم منهم من يأتي من مدينة رام الله أو مدن أخرى في الضفة الغربية أن  اللحوم في القدس مذاقها أطيب من اللحوم في مدنهم.

سوق الدباغة      

كان هذا السوق يمتاز عن غيره من الاسواق في القدس القديمة لوجود كثير من الحرفيين الذين كانوا يعملون في مجال دباغة وتصنيع الجلود وكان هذا في العهد العثماني اما اليوم فالسوق يمتاز بمحلات بيع البضائع التقليدية والتراثية للاجانب ويقع هذا السوق قرب كنيسة القيامة ويوجد في وسطه اثار وتماثيل جميلة تعود للعصور السابقة.

سوق حاره النصارى

ويقع في قلب الحي المسيحي في البلدة القديمة وبه كثير من الاديرة والكنائس المسيحية وكذلك جامع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الموقع الذي صلى به عند زيارة كنيسة القيامة  وتمتاز حوانيت هذا السوق ببيع البخور  للكنائس وكذلك الشمع المقدس وكثير من التحف السياحية.  يمتاز السوق اليوم بمحلاته التي تقوم ببيع التحف التقليدية للسواح الأجانب.

وهناك اسواق أخرى داخل أسوار المدينة مثل سوق القطانين الذي يشتهر ببيع الأقمشه القطنية والحرائر وسوق السلسلة وسُمي بهذا الاسم نسبة إلى باب السلسلة أحد أبواب المسجد الأقصى، وهو امتداد لهذا الباب. ويوجد بهذا السوق بعض من المعالم الإسلامية مثل: المكتبة الخالدية.

الاهمية الدينية للقدس

القُدْس مدينة لها قداستها للمسلمين والمسيحيين واليهود ، فلليهود تعود أهميّتها بعد فتح الملك داود عليه السلام وجعلها عاصمة مملكته وهذا منذ عام 1000 ق.م، ثمّ قيام ابنه الملك سليمان عليه السلام ببناء الهيكل،   يتخذ اليهود ذريعة البحث عن هذا الهيكل لهدم الكثير من المباني المهمة للتنقيب تحته. ومن الآثار التي يعتبرها اليهود خاصّة بهم حائط البراق الّذي سمّوه حائط المبكى. أمّا للمسيحين  فالمدينة أيضاً مُقدّسة؛ حيث إنّ المسيح صلب على أحد تلالها المسمّاة «جلجثة» في عام 30 للميلاد،  ومن الآثار  المسيحيّة المهمة كنيسة القيامة والتي بنيت فوق صخرة الصلب الّتي صُلب عليها المسيح ويحج لكنيسة القيامة الاف المسيحين من مختلف بلاد العالم.

داخل المسجد الأقصى

الصلاة في المسجد الأقصى كان  يعد من أكبرالمعجزات فقد كنا نشاهد المسجد الأقصى في نشرات الأخبار أبان الاقتحامات الصهيونية وأخبار فلسطين ضمن المستجدات على الساحة الفلسطينية..أما أن تتحقق هذه المعجزة ونصلي في المسجد الاقصى ومسجد قبة الصخره…كان شيئا يفوق الخيال.

أهمية المسجد الأقصى للمسلمين

للمسلمين نظرة خاصّة للقدس؛ حيث تعد المكان الأقدس بعد مكّة المكرمة والمدينة المنورة؛ فهي أوّل وجهة توجّه لها المسلمون في صلاتهم ، وفيها  الصخرة المقدّسة ،  وتتجلّى أهميّة القدس في قصة الإسراء والمعراج، عندما أسري بالرسول الكريم محمّد عليه الصلاة والسلام إلى القدس، فأمَّ الصلاة بكل الرسل والأنبياء، وبعد معجزة الأسراء والمعراج فرضت الصلاة وكانت القُدْس قبلتها، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

كان لا بد لنا من لقاء الشيخ الاستاذ عمر الكسواني مدير المسجد الـقصى المبارك حيث تفضل سماحة الشيخ ووضح لنا دور مديرية الأوقاف الفلسطينية تحت رعاية واشراف الأوقاف الأردنية  منذ عام 1920 لحين مرحلة ما بعد احتلال القدس عام 1967.  فالأتقاقات الدولية و قرارات الامم المتحدة  أوصت بأن تؤول رعاية شئون المسجد الاقصى بكل مساحاته ال144 دونم  الى الأوقاف الأردنية بالأضافة الى عمليات الترميم  الي بدها الملك حسين وترميم الفسيفساء التي استغرقت ثمانية أعوام………وكانت تلك أول عملية ترميم للمسجد الأقصى منذ ثمانمائةعام.

ودعا الشيخ عمر كافة المسلمين في العالم الى زيارة المسجد الأقصى وشد أزر أهل القدس ودعم صمودهم  واقتصادهم عملا بالحديث الشريف الذي قال فيه الرسول صل الله عليه  وسلم (لا تشد الرحال الا لثلاثة المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) وأكد  أن مسؤلية المسجد الأقصى هي مسؤلية مليار وسبعمائة مسلم.

كنيسة القيامة

كنيسة القيامة أو كنيسة القبر المقدس هي كنيسة داخل أسوار البلدة القديمة في القدس. بنيت الكنيسة فوق الجلجلة أو الجلجثة وهي مكان الصخرة التي يعتقد ان المسيح صلب عليها سيدنا عيسى عليه السلام ومن هنا فقد نالت هذه الكنيسة الحظ الأكبر من القدسية عند المسيحيين شرقاً وغرباً وفي كافة أرجاء الأرض. كما ويعتقد أنّ رُفات السيّد المسيح موجود في القبر وزار خليفة المسلمين عمر بن الخطاب كنيسة القيامة أثناء زيارته للقدس.  وأمّن المسيحين على أنفسهم وممتلكاتهم.

العودة لمدينة رام الله

كل النهايات في العادة تكون حزينة ….ولكن نهاية الرحلة و  مغادرة القدس هو بالتأكيد أكثرها حزنا …لأنك سرعان ما تألف الشوارع الضيقة والأبنية العتيقة…الأسواق الصاخبة وجوه أهل المدينة ولهجتهم المحببة….تتجه الى موقف الحافلات ويعود صوت فيروز داخل رأسك ووجدانك  وتفكر متى سيكون موعد زيارتك الثانية لمدينة القدس..

مغامرة رحلة العودة

فيالطريق الى معبر قلنديا حاجز عبورنا الى مدينة رام الله..فاجأتنا دورية من جنود الاحتلال واستوقفت الحافلة وصعد اثنين من الجنود الى الحافلة لفحص الهويات وتصاريح دخول القدس، في العادة لا يحدث هذا الشيئ أثناء مغادرة مدينة القدس ومن المتوقع حدوثه عند  دخول الحافلات الى  المدينة  .   ويحدث أن يصاب الركاب بالتوتر والقلق لأن جنود الاحتلال متغطرسين جدا ويتعمدون مضايقة وتهديد الفلسطينين، وما زاد الامر غرابة أن يطلب مني الجندي مغادرة الحافلة..علما بأني دخلت القدس بصورة قانونية وعبر أكبر حاجز للمدينة  كان لا بد أن أنصاع للأوامر العسكرية حتى لا أعرض نفسي أو الركاب لأي أذى.

كان الأمر مرعبا لكونها تجربتي الأولى في الاحتكاك المباشر مع جنود الاحتلال بالطبع حاولت أن اشرح لهم بأن دخولي قانوني ولكنهم رفضوا الاستماع وطلبوا مني الصمت لأنهم سيستخدموا كلامي ضدي .وانني استيطع الكلام فقط في مركز الشرطة. وجدت نفسي في سيارة مدرعة تابعة للجيش يقودها جندي صهيوني داخل مستوطنة اسرائيلية  ..شعرت بالذعر الشديد . عند وصولنا مركز الشرطة رجل الجندي وطلب مني المكوث بالمركبة حتى يتحقق من قانونية دخولي الى القدس وكأنها مدينتهم   وليست مدينتي !        وبعد خمسة عشرة دقيقة من القلق والخوف…خرج قائلا أن وضعي قانوني وأنا حرة بالذهاب  وسلمني هويتي وقال هيا اذهبي. تابعت طريقي لأقرب مدينة عربية في القدس  وركبت الحافلة في طريقي الى رام الله وشعور بالغضب والحنق من غطرسة الاحتلال وجبروته يرافقني أنساني يومي الجميل في القدس العتيقة

زر الذهاب إلى الأعلى