هل يقترب العالم من توديع عصر “الفائدة السالبة”؟
هذا النمط من السياسة يهدف لدفع البنوك إلى إقراض الأموال بحرية أكبر
النشرة الدولية –
بعد سنوات من تطبيق معدلات الفائدة السالبة في عدد من البنوك المركزية بالاقتصاديات المتقدمة كالمركزي الأوروبي والياباني والسويدي وسويسرا، يبدو أن تلك الفترة شارفت على الانتهاء.
وإلى جانب عزم المركزي الأوروبي لوقف شراء السندات بدءًا من العام المقبل وهي الخطة التي تعد أهم ما يميز الفترة التي صاحبت المعدلات السالبة لأسعار الفائدة، فإن المركزي السويدي أعلن أن رفع سعر الفائدة أصبح وشيكاً.
ما هي معدلات الفائدة السلبة ومتى تُطبق؟
معدلات الفائدة السالبة على الاقتراض هي طريقة غير تقليدية للسياسة النقدية، ومقصود بها أن معدلات الفائدة تحدد بقيم سالبة أي أدنى صفر.
والمقصود من تنفيذ تلك السياسة أن المركزي وكذلك البنوك الخاصة يمكنها تقديم معدلات سالبة على الاقتراض أي بدلاً من تسلم أموال على الودائع فإن الموديعين عليهم الدفع بانتظام للإبقاء على أموالهم داخل البنك.
ويهدف هذا النمط من السياسة لدفع البنوك إلى إقراض الأموال بحرية أكبر، وأن يتجه الأفراد والشركات نحو الاستثمار وإنفاق الأموال بدلاً من دفع رسوم لحفظها آمنة في المصارف.
ويُستخدم هذا النمط من السياسة النقدية أوقات الانكماش، حيث أن غالباً ما يلجأ الأفراد والشركات نحو تكديس الأموال بدلاً من إنفاقها واستثمارها، وتصبح النتيجة في النهاية انهيار في الطلب الكلي وانخفاض الأسعار بشكل أكبر وتباطؤ أو توقف الإنتاج الحقيقي وزيادة معدل البطالة.
وكانت المرة الأولى التي تشهد تطبيق فائدة سالبة في المصارف المركزية بعد الأزمة المالية العالمية، حيث كانت النظرية الاقتصادية تفترض قبلها إن الحد الأقصى لمعدل الفائدة المنخفضة هو “صفر”، بينما أي هبوط أدنى ذلك سيعني اتجاه المودعين لسحب كامل أموالهم من البنوك.
وتُعرف تلك السياسة بأنها سياسة توسعية أو فضفاضة يتم استخدامها في فترات الركود الاقتصادي، ومع ذلك إذا كانت القوة الانكماشية قوية بشكل كافي فإن خفض معدلات الفائدة عند النطاق السلبي من المحتمل ألا يكون كافي لتحفيز الاقتراض والإيداع.
كيف تُطبق؟
يتم اللجوء إلى معدلات الفائدة السالبة كحل أخير في مواجهة الانكماش الاقتصادي والسعي نحو النمو، أي بمعنى آخر هو الطريق الذي يتم الاستعانة به حينما تثبت أنماط السياسة التقليدية الأخرى عدم فاعليتها أو فشلها.
ومن الناحية النظرية فإن تطبيق معدلات فائدة سالبة يخفض تكاليف الاقتراض للشركات والأسر ما يؤدي إلى تحفيز الاستثمار والانفاق الاستهلاكي.
والبنوك المركزية تقرض نظيرتها التجارية، وحين تنخفض معدلات الفائدة أدنى مستوى صفر فإن ذلك يعني أن البنوك المركزية يمكنها أن تجعل البنوك التجارية تدفع فوائد من أجل إبقاء أموالها في حوزة المركزي.
والبنوك التجارية في الوقت نفسه يمكنها خفض معدلات الفائدة التي تُحصلها من المستهلكين بالكمية نفسها وتسترد أموالها.
نتائج الفائدة السالبة
الهدف الرئيس لأي اقتصاد من معدلات الفائدة السالبة هو زيادة النشاط الاقتصادي وتحفيز التضخم من مستوياته المنخفضة أو حتى الانكماش.
ويمكن تحقيق ذلك عبر قيام البنوك بإقراض المزيد للأسر والشركات بدلاً من الاحتفاظ بالمال، كما أن الشركات يمكنها الاستثمار أكثر عبر تمويل الاستثمارات التي أصبحت الآن أرخص.
كما أن الفائدة السالبة تؤدي إلى انخفاض قيمة مدخرات الأسر أو الاقتراض والإنفاق بشكل أكبر.
وقد تؤدي إلى انخفاض الطلب على العملة الذي بموجبه يؤدي إلى زيادة أسعار السلع المستوردة وتزايد الطلب على صادرات البلاد الرخيصة الآن.
وتستهدف سويسرا من خفض معدل الفائدة عند النطاق السالب أن تتلافى تكالب المستثمرين على عملتها المحلية (الفرنك) والذي يعد عملة ملاذ آمن، حيث أن ارتفاع قيمتها يؤثر سلباً على الاقتصاد المعتمد على الصادرات.
ما هي البنوك التي تطبق معدلات الفائدة السالبة؟
البنك المركزي في السويد كان أول البنوك التي طبقت استخدام معدلات الفائدة السلبية وذلك في يوليو 2009 وذلك حينما خفض معدلات الفائدة على الاقتراض عند مستوى -0.25%.
وفي 2012 سلك المركزي في الدنمارك الطريق نفسه، أما في 2014 فعدد من البنوك المركزية مثل سويسرا إلى جانب المركزي الأوروبي طبقوا تلك السياسة.
وفي 2016 قام المركزي الياباني بخفض معدلات الفائدة عند النطاق السلبي حيث أن هذا النمط لايزال مستخدم هناك حتى الآن.
وجاء تطبيق تلك السياسة النقدية بسبب مشاكل اقتصادية أبرزها تراجع حاد في معدل التضخم وانكماش اقتصادي، وجميع تلك البنوك لايزال ملتزم بمعدلات الفائدة السلبية حتى الآن.
ولكن أعلن البنك المركزي في السويد خلال الأسبوع الماضي نيته رفع معدل الفائدة مجدداً، في حين يتوقع المركزي الأوروبي أن يبدأ في زيادة الفائدة بعد صيف عام 2019.
مخاطر الفائدة السالبة
أكبر خطر يتعلق بمعدلات الفائدة السالبة هو أنه غير معروف عند أي نقطة سيرغب الأشخاص والشركات والمعاهد المالية في بيع كافة سنداتهم وسحب إيداعتهم والمطالبة بالمال عوضاً عن ذلك.
كما أنه مع تطبيق هذا النمط يصبح من غير المعروف أين يوجد الحد الأدنى وقد يؤدي الوصول إلى هذه النقطة عن غير قصد إلى الثقة بالنظام المالي وتشغيله بسلاسة.
وهناك العديد من الأدوات والطرق التي يمكن عن طريقها الحد من المخاطر، فالبنك المركزي يمكنه أن يبقى مستعداً لمساعدة البنوك التي تفقد إيداعتها والبنوك المركزية يمكنها أن تحد من توزيع النقد لكن تلك الأفكار لديها مشاكل سياسية ومثيرة للجدل.
وعلى أقل تقدير فمن المحتمل أن يؤدي الوصول إلى الحد الأدنى إلى دفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى.
كما أن هناك مخاطر أخرى متعلقة بطول فترة الإبقاء على معدلات الفائدة المنخفضة بدلاً من المعدلات الطبيعية، فالمعدلات السلبية للفائدة يمكن على المدى الطويل أن تشوه الأسواق المالية وتزيد من مخاطر عدم الاستقرار المالي.