إغلاق القنصلية الأميركية في القدس.. ماذا يعني؟

د. جيمس زغبي د. جيمس زغبي

جائزة هذا الشهر عن التحركات الخطيرة والنشرات الصحافية الخادعة تستحقها وزارة الخارجية لإعلانها في 18 أكتوبر 2018، عن «دمج سفارة الولايات المتحدة في القدس والقنصلية الأميركية العامة في القدس». جاء الإعلان على لسان وزير الخارجية مايكل بومبيو عن إغلاق القنصلية الأميركية في القدس الشرقية ونقل مهامها إلى السفارة الأميركية في القدس – وهذا هو الجزء الخطير من الإعلان. كان الجزء المخادع هو ادعاء وزير الخارجية بأن هذه الخطوة ليس لها معنى سياسي، لأنها كانت مجرد إجراء لتقليص النفقات.

قال بومبيو ان «الدافع وراء هذا القرار هو لتحسين كفاءة وفعالية عملياتنا. ولا يشكل اي تغيير في سياسة الولايات المتحدة بشأن القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة. كما أعلن الرئيس في ديسمبر من العام الماضي، ولا تزال الولايات المتحدة لا تتخذ موقفاً من قضايا الوضع النهائي، بما في ذلك الحدود، وتخضع حدود السيادة الإسرائيلية في القدس لمفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين».

هناك الكثير من الأمور الخاطئة والمضللة مع هذا الإعلان لأنني بالكاد أعرف من أين نبدأ في نقدها. ولكن اسمحوا لي أن أبدأ مع الادعاء بأن هذا هو مجرد إجراء «لتحسين كفاءة وفعالية عملياتنا».

يجب أن يعرف الوزير أن قنصلية القدس ليست مجرد مكتب قنصلي آخر. أما بالنسبة «للوظائف» الموصوفة في البيان، فقد غاب عنها الدور التاريخي الذي لعبه القنصل العام كنقطة اتصال رسمية بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وبين الحكومة الأميركية. لقد تعاملت السفارة الأميركية في تل أبيب مع إسرائيل والشؤون الإسرائيلية، في حين كانت القنصلية بمنزلة «سفارة الأمر الواقع لدى الفلسطينيين». وحتى في الأوقات الصعبة، بقي القنصل الأميركي العام والقنصلية مفتوحة لاستقبال الفلسطينيين والاستماع إلى مخاوفهم. لقد كانت نقطة الاتصال الوحيدة مع الفلسطينيين (ومع الأميركيين من أصل فلسطيني الذين يزورون الاراضي المحتلة) وقد يطلبون المساعدة من الحكومة الأميركية. الآن ليست لدى الفلسطينيين وسيلة اتصال مع واشنطن سوى السفارة الأميركية في إسرائيل.

لقد كان من الصعب على الفلسطينيين الحصول على تصريح من سلطة الاحتلال الإسرائيلي يسمح لهم بالوصول إلى موقع القنصلية الحالي في القدس الشرقية، فكيف بزيارة السفارة في القدس الغربية؟ وهذا يضمن أن الفلسطينيين العاديين لن يكونوا على اتصال مع الممثلين الرسميين للولايات المتحدة. وعلى ضوء ذلك، فإن هذه الخطوة الاميركية أكبر وأخطر من مجرد «رفع الكفاءة». فلو كان هذا هو الهدف، فلماذا لم تغلق الولايات المتحدة قنصليتها في حيفا؟

إن إغلاق قنصلية شرق القدس ونقل «وظائفها» إلى السفارة الأميركية في إسرائيل يخبر الفلسطينيين بأن الولايات المتحدة لم تعد تنظر إليهم على أنهم شعب مستقل يستحق التواصل المباشر مع الولايات المتحدة. وهذا يتماشى مع مجموعة من التحركات الأميركية الأخيرة التي تضاف إلى حرمان الفلسطينيين من استقلالهم وتقرير مصيرهم للفلسطينيين. [وتشمل هذه الإجراءات الأميركية: التشكيك في «شرعية» اللاجئين الفلسطينيين وقطع كل المساعدات عنهم، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن ، والقبول بقانون «الدولة اليهودية» الإسرائيلي الذي ينص على أن الشعب اليهودي هو الوحيد الذي يحق له تقرير المصير في «أرض إسرائيل»]. ان اغلاق القنصلية في القدس الشرقية يعني بالنسبة للفلسطينيين أنه لا ينظر إليهم من قبل الولايات المتحدة كشعب منفصل، بل «مجتمع أقلية» مصالحهم ذات أهمية ثانوية مقارنة بإسرائيل.

كما أنه من غير المقبول أن يدعي الوزير أن هذه الخطوة «لا تعني تغيير سياسة الولايات المتحدة بشأن القدس.. «أو» الحدود المحددة للسيادة الإسرائيلية في القدس». فعلى مدى عقود، زعمت الولايات المتحدة أنه من خلال الاحتفاظ بقنصلية في القدس الشرقية، كانت تبعث برسالة مفادها أنها تواصل الاعتراف بأن جزءًا من المدينة كان أرضًا محتلة. ومن المهم أن نلاحظ أن السفير فريدمان هو الذي يصوغ سياسة الولايات المتحدة في هذه المسألة منذ أن تولى منصبه. وأمر بأن لا يُشار إلى الأراضي الفلسطينية على أنها «محتلة». وتعكس الكتب الرسمية الأخيرة الصادرة عن وزارة الخارجية مثل هذا التوجه. ومن المهم ايضاً، ان البيانات حول هذه الخطوة لم تذكر القدس الشرقية، وكأن المدينة في قاموس فريدمان ووزارة الخارجية، واحدة وإسرائيلية الهوية.

ومن المغالطات أيضاً أن يدعي الوزير أن الولايات المتحدة «لا تتخذ موقفاً من الحدود»، لأنها، نتيجة الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة وإهمالها، سمحت لإسرائيل بتحديد شكل خريطة القدس وبقية الاراضي المحتلة. وقطعت جميع المساعدات الأميركية عن المستشفيات الفلسطينية وغيرها من المؤسسات في القدس الشرقية، واستجابت لطلب إسرائيل بحظر أي لقاءات بين المسؤولين الأميركيين والمسؤولين الفلسطينيين في القدس الشرقية، فضلاً عن الصمت الأميركي حيال السياسات الإسرائيلية في القدس وحولها «مثل بناء الجدار الذي حرم الفلسطينيين من الوصول إلى المدينة، وهدم منازل الفلسطينيين، وبناء المستوطنات الإسرائيلية». لقد أسهم ذلك في إعطاء إسرائيل تفويضا مطلقا لتشكيل حدود المدينة في المستقبل.

لقد ظل مؤيدو حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يحذرون منذ سنوات، من أننا «في الدقائق الخمس الأخيرة من منتصف الليل» في ما يتعلق بحل الدولتين. لكن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إدارة ترامب بثبات جعلتنا ما بعد منتصف الليل.

ولكي نكون صادقين تماماً، فإن على الولايات المتحدة أن تضع على باب سفارتها في القدس لافتة يكتب عليها «مرحباً بكم في حل الدولة الواحدة» – لأن هذا هو ما لدينا الآن. وبالمناسبة، إنها دولة فصل عنصري كامل (أبارثايد)، ذلك الحل الذي ساعدت الولايات المتحدة وحرضت على الوصول إليه.

د. جيمس زغبي/رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن

زر الذهاب إلى الأعلى