خسائر حادة تُعيد ذكريات انهيار الأسهم الأمريكية

يقصد ب "Stock Market Crash" تراجع سريع وغير متوقع في الغالب بأسعار الأسهم

النشرة الدولية –

شهر أكتوبر بالنسبة للمستثمرين في الولايات المتحدة يثير ذكريات سيئة بشأن انهيار وخسائر حادة في أسواق الأسهم، نظراً لحالات الهبوط الشهيرة التي تكرر حدوثها في هذه الفترة على مدى سنوات مختلفة.

وعلى الرغم من العدد المنخفض لحالات الهبوط الحاد لأسواق الأسهم في شهر أكتوبر مقارنة بأشهر أخرى، إلا أن “السمعة السيئة” لازمت الشهر بسبب شهرة وقوة الخسائر المسجلة.

ومقارنة مع الحالات الثلاثة الشهيرة بشأن انهيار أسواق الأسهم في ذاكرة التاريخ الحديث، فإن شهر أكتوبر من هذا العام شهد موجة بيعية حادة دفعت “وول ستريت” في اتجاه تسجيل خسائر شهرية هو الأكبر في عدة أشهر.

وعلى النقيض تماماً من السمعة التي يكتسبها أكتوبر، فإن متوسط النسبة المئوية للتغيرات الشهرية لمؤشر “داو جونز” الصناعي على سبيل المثال خلال شهر أكتوبر كانت إيجابية بنحو 0.4% خلال القرن الماضي.

يقصد بانهيار سوق الأسهم أو Stock Market Crash تراجع سريع وغير متوقع في الغالب بأسعار الأسهم.

ومن المحتمل أن يكون انهيار أسواق الأسهم عبارة عن آثر جانبي لأحداث كارثية كبرى أو أزمة اقتصادية أو انهيار فقاعة مضاربة طويلة الآجل.

وربما يرجع انهيار أسواق الأسهم إلى الذعر بشأن انهيار البورصات، حيث أثبت التاريخ أن تدهور الأوضاع في أحد القطاعات يقود الخسائر في الجهات الأخرى كذلك.

وبشكل عام، فإن انهيار سوق الأسهم في 29 أكتوبر عام 1929 هو أسوأ تراجع في الأسواق في تاريخ الولايات المتحدة، حيث خسر 30 مليار دولار في القيمة السوقية آنذاك وهو ما يعادل 396 مليار دولار في عام 2018.

واكتسب أكتوبر سمعته المخيفة كونه أكثر الأشهر تقلباً في تقويم العام، بعد الثلاثاء الأسود (29 أكتوبر) والذي شهد الانهيار الحاد للأسهم في عام 1929 وبعد الإثنين الأسود (19 أكتوبر) بخسائر 23% في يوم واحد عام 1987.

كما أن خسائر أسواق الأسهم كانت ملحوظة خلال الأزمة المالية العالمية، ليكون أسوأ انخفاض أسبوعي هو الأسبوع المنتهي في 10 أكتوبر 2008 عندما خسر مؤشر “داو جونز” نحو 18.2% أو ما يوازي 1884 نقطة.

3 انهيارات سيئة السمعة

يعتبر الانهيار الذي حدث 29 أكتوبر 1929 بمثابة ترجمة للتراجع الاقتصادي والبيع المفاجئ الذي أثار الكساد العظيم.

وبلغت خسائر “داو جونز” خلال يومي 28 و29 أكتوبر في ذاك العام حوالي 25% من قيمته.

وكان مؤشر “داو جونز” صعد خلال الفترة من عام 1921 وحتى سبتمبر 1929 من 63 إلى 381 نقطة، وهي فترة نمو غير مسبوقة.

ومن المفارقات، أن انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 1929 جاء في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة حالة من التفاؤل الاقتصادي في أعقاب فترة الحرب العالمية الأولى.

وعلى صعيد موازٍ، ينظر إلى الهبوط الحاد في مؤشرات الأسهم خلال ما يعرف بـ”الإثنين الأسود” يوم 19 أكتوبر 1987 على أنه تعبير عن الذعر الجماعي.

وفي ذاك اليوم، تراجع مؤشر “داو جونز” بنحو 22.6% أو ما يعادل 507.99 نقطة لكن هذا الهبوط من حيث النسبة المئوية يعني اليوم خسائر 5735.86 نقطة.

ويأتي الانهيار الذي حدث في أواخر الثمانينيات بالتزامن مع تحذيرات تشير لتباطؤ النمو الاقتصادي وبدء تسارع التضخم إضافة للخلافات الجيوسياسية بشأن العملة بين الولايات المتحدة وألمانيا.

كما يشير آخرون إلى أن الشائعات المتعلقة بشأن توجه بنك الاحتياطي الفيدرالي لزيادة معدل الفائدة كانت أحد المسببات وراء الهبوط في أسواق الأسهم حينذاك إضافة للتقييم المرتفع للأسهم مقارنة مع أرباح الشركات أو التوقعات.

وفي 5 فبراير الماضي، فقد “داو جونز” 1175.21 نقطة بأسوأ أداء يومي لكن هذا الهبوط كان أقل من 5%.

وصاحب انهيار بنك ليمان براذر الذي كان بمثابة اشتعال لفتيل الأزمة المالية العالمية، موجة بيعية كثيفة في أسواق الأسهم خلال أكتوبر 2008.

وتسببت الأزمة العالمية الناجمة في الأساس عن أزمة الرهون العقارية، في حالة من الذعر بين المستثمرين دفعتهم للتكالب على عملية سحب أموالهم في أسواق المال الخطرة في آن واحد خوفاً من تكبد خسائر أكبر لاحقاً.

ماذا عن أكتوبر 2018؟

بدا الوضع أقل حدة في أكتوبر الجاري، رغم أن “وول ستريت” تتجه لحصد خسائر ملحوظة مع شكوك حول نمو الاقتصاد العالمي بعد خفض التقديرات المتوقعة من قبل صندوق النقد الدولي إضافة إلى تكهنات بتباطؤ نمو أرباح الشركات وتأثير قطاع التكنولوجيا على الأسواق.

ويتجه مؤشر “داو جونز” لتسجيل خسائر بنحو 6.7% هذا الشهر حتى نهاية تعاملات الجمعة الماضية، وهو قد ما قد يكون أكبر وتيرة هبوط شهرية منذ أغسطس 2015.

كما فقد مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” نحو 8.8% من قيمته في حين وصلت خسائر “ناسداك” إلى 10.9% بالفترة نفسها، متجهاً لأسوأ أداء شهري منذ نوفمبر 2008 عندما تراجع 11% وذلك بفعل الموجة البيعية في أسهم قطاع التكنولوجيا.

وبلغت خسائر القيمة السوقية للبورصة الأمريكية حوالي 2.8 تريليون دولار في أكتوبر الجاري وحتى إغلاق جلسة الجمعة 27 أكتوبر، ليصل إجمالي الهبوط في الأسواق العالمية بالفترة ذاتها إلى 5.5 تريليون دولار، وفقاً لتقديرات “ستاندرد آند بورز داو جونز إنديكس”.

هل هناك انهيار قادم؟

من أجل فهم المخاطر المحتملة، يجب النظر إلى نقاط الضعف الأساسية الخفية وراء المكاسب الكبيرة في السوق الحالية.

ويرى بحث جديد من “إيه.جيه بيل” للأبحاث، أن هناك إشارة محتملة على الانهيار المقبل في سوق الأسهم، والتي تتمثل في دخل الأسر الأمريكية.

وتجاوز صافي ثروة الأسر الأمريكية في الربع الأول من العام الحالي 100 تريليون دولار للمرة الأولى في التاريخ لكن مع ذلك فإن الدخل الفعلي لتلك الأسر صعد فقط في الآونة الأخيرة إلى المستويات التي شهدها عام 2007 قبل الأزمة المالية.

ويؤدي التشديد النقدي الذي يمارسه بنك الاحتياطي الفيدرالي عبر رفع معدلات الفائدة استجابةً لتسارع التضخم لمخاطر متزايدة من احتمالية “تأثير الدومنيو” ما سيؤدي لانخفاض قيمة الأسهم والسلع.

ويتبع المركزي الأمريكي نهجاً متشدداً للغاية منذ بداية العام الحالي من أجل تطبيع سياسته النقدية من برامج التحفيز النقدي التي لجأ إليها في أعقاب الأزمة المالية العالمية وسط انتقادات حادة ومتكررة من جانب الرئيس دونالد ترامب، وهو ما يعتبر بمثابة تدخل نادر.

ويحذر آخرون من الارتفاع الحاد في أسعار الأسهم، حيث يرى صندوق النقد الدولي أن المستثمرين يتجاهلون خطر احتمالية تشديد الأوضاع المالية بشكل حاد.

وكانت “وول ستريت” سجلت أطول فترة سوق صاعد في تاريخ الولايات المتحدة بعد أن واصلت “سوق الثيران” التي بدأت في 9 مارس 2009، التداول دون هبوط مؤشر “ستاندرد آند بورز” 20% أو أكثر.

وفي بداية العام الحالي، ذكر الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل “روبرت شيللر” أن أسواق الأسهم قد تواصل الارتفاع خلال 2018 لكنه توقع حدوث عملية تصحيح في أيّ وقت وبدون تحذير.

كما وجه “ساكسو بنك” الدنماركي رسالة للمستثمرين في “وول ستريت” نصها “خفضوا التعرض للأسهم الأمريكية” مؤكداً على حقيقة أن السوق مبالغ في تقييمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button