تفجير تونس.. استجابة للبغدادي أم انتقام للغزلاني؟ (تحليل)

تونس / عادل الثابتي

رجح خبيران تونسيان أن يكون التفجير الانتحاري الذي استهدف قبل أيام قليلة، دورية أمنية بقلب العاصمة التونسية، يهدف لتأكيد وجود “داعش”، والانتقام لمقتل أحد عناصر التنظيم.

والاثنين الماضي، أصيب 20 شخصا، 15 من عناصر الأمن و5 مدنيين، في تفجير انتحاري نفذته فتاة قرب دورية أمنية قارة بشارع “الحبيب بورقيبة”.

التفجير قد يحمل بصمات “داعش” سعيا لتأكيد وجوده بتونس 

مع أنه لا جهة أعلنت بعد مسؤوليتها عن التفجير، إلا أن طارق الكحلاوي الرئيس السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (حكومي)، رجح أن تكون العملية من تنفيذ “داعش” الإرهابي.

وفي حديث للأناضول قال الكحلاوي: “الأقرب في تنفيذ التفجير هي أن يكون من تنفيذ ‘داعش’، ذلك أن تنظيم ‘القاعدة’ يركز عملياته هذه الفترة في الجبال، من خلال استهداف واضح للقوات الحاملة لسلاح (الجيش والدرك على وجه الخصوص)”.

وأضاف أن “التفجير الانتحاري بشارع بورقيبة استبطن مجازفة بضرب المدنيين، وهي عملية غير مدروسة، كما أن العبوة غير كبيرة”.

واعتبر الكحلاوي أن “داعش في حالة تخبط، وعناصره ليست في وضعية هجومية، كما أنه لا أفق سياسية لها”.

أما “تنظيم القاعدة فلا تقاليد له في تكليف امرأة للقيام بهجمات انتحارية، بعكس داعش الذي تعتبر مشاركة النساء في معاركه وعملياته هامة وقوية”.

طرح أيده الخبير الأمني التونسي يسري الدالي، والذي رأى أن العملية الإرهابية بقلب العاصمة كانت “ضعيفة” و”غير محترفة”.

وقال الدالي، وهو أستاذ جامعي في اختصاص علم النفس الاجتماعي، بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس (حكومي): “لو كانت المتفجرات قوية لدمرت كامل الشارع وبلغ مداها المنطقة المحيطة به”، مؤكدا أن العبوة كانت “ضعيفة”، ومن الواضح أيضا أن منفذ العملية “هاو”.

** “غير معروفة”

الداخلية التونسية أعلنت في بيان أصدرته إثر التفجير الانتحاري، أن الفتاة التي فجرت نفسها “غير معروفة لدى المصالح الأمنية بالتطرف”.

ووفق معلومات حصلت عليها الأناضول، تبلغ الانتحارية، واسمها مْنا قبلة، 30 عاما، وهي حاصلة على الإجازة في اللغة الإنجليزية (اختصاص إنجليزية أعمال)، وتنحدر من منطقة ريفية تسمى “زردة” تابعة لمدينة “سيدي علوان” بمحافظة المهدية (شرق).

الكحلاوي عاد ليؤكد أن اختيار “داعش” (بناء على فرضيته بأن التنظيم هو من يقف وراء العملية) فتاة غير مسجلة في قاعدة بيانات الشرطة للمتطرفين أو المشتبه بتطرفهم، لم يكن عبثيا، وإنما بهدف ألا تثير الفتاة الانتباه.

وبقبول الفتاة تنفيذ التفجير، خلص الخبير إلى أن التنظيم لا يزال قادرا على التجنيد عن بعد باستخدام الإنترنت، رغم الرقابة الأمنية للشبكة.

ويفسر الكحلاوي أن بروفايل “مْنا” “يوضح أنها منعزلة عن محيطها، وشهادة جيرانها تفيد بأنها تميل للوحدة، ولا تتردد مثلا على المسجد.

ويوافقه يسري الدالي في تفسير طريقة الاستقطاب بالقول، إن “مْنا طالبة موجودة في ريف ‘سيدي علوان’، وقد تعرفت على شخص عبر الإنترنت لمدة أشهر، ثم قدمت إلى العاصمة (على بعد نحو 200 كلم)، ويقع دمغجتها (أدلجتها)، دون أن يتفطن إليها أحد”.

إلا أن الدالي اعتبر أن عدم تفطن أجهزة الأمن لها يطرح إشكالا، إذ “لا يعقل ألا تكون مدرجة في قوائم الأمن”، مشيرا أن في ذلك “ضعفا استخباراتيا”.

** إعلان وجود لداعش؟

الكحلاوي رأى أن التفجير الانتحاري الأخير يبدو استجابة لخطاب زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي.

وفي أغسطس / آب الماضي، دعا البغدادي في تسجيل صوتي بُث على حسابات موالية للتنظيم الإرهابي عبر تطبيق “تلغرام”، أنصاره إلى “عدم التخلي عن دينهم وصبرهم وجهاد عدوهم”، وذلك إثر الهزائم الكثيرة التي مني بها التنظيم في سوريا والعراق.

ولا يستبعد الكحلاوي أن عناصر التنظيم المتبقية بجيوبه في سوريا هي التي تقف وراء التفجير.

وأكد الخبير أن في العملية الإرهابية محاولة من “داعش” لإثبات وجودها في تونس، في ظل سيطرة كتيبة “عقبة بن نافع” التابعة لتنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي” على جبال بالبلاد.

وبالنسبة إليه، فإن التفجير يرمي لإثبات أن “داعش” لا يزال موجودا أكثر منه تحقيق أهداف أخرى، مرجحا أن يكون فشل العملية في إحداث ضحايا وراء عدم إعلان التنظيم مسؤوليته عنها.

هل داعش ينتقم لمقتل أحد قياداته على يد الأمن التونسي

في المقابل، يرفض الدالي تبني فرضية إثبات الوجود لـ “داعش”، معتبرا أنها عملية انتقامية من مقتل القيادي بتنظيم “داعش” مراد الغزلاني، على يد الأمن التونسي.

وفي 22 أكتوبر / تشرين الأول الماضي، أعلنت الداخلية التونسية في بيان، “القضاء على الإرهابي الخطير مراد الغزلاني، في كمين بمحافظة القصرين” (غرب).

وقال الدالي: “برأيي، فإن التفجير الانتحاري يمثل انتقاما لقتل الداعشي مراد الغزلاني” الذي ينتمي إلى “كتيبة جند الخلافة” التابعة لتنظيم “داعش”، عقب انشقاقها عن كتيبة “عقبة بن نافع” (تابعة لـ “القاعدة”)، وفق تقارير رسمية وإعلامية.

وتنشط عناصر من “جند الخلافة” التابعة لداعش والمنشقة عن كتيبة “عقبة بن نافع” منذ عام 2014، في جبال “سمامة” بمحافظة سيدي بوزيد (وسط)، و”المغيلة” الفاصل بين القصرين والمحافظة المذكورة.

فيما تتمركز “كتيبة عقبة بن نافع” في مرتفعات الشعانبي والسلوم بمحافظة القصرين على الحدود مع الجزائر، بحسب معطيات رسمية.

وبحسب الدالي، فإنه “لولا الفراغ السياسي المهول الموجود، والخصومات والعراك على الساحة السياسية في تونس، ما كان الإرهاب ليجد فجوة للقيام بعملية إرهابية ناجحة رغم فشلها في إسقاط قتلى”.

ويعتبر الدالي أن “رمزية المكان والزمان (شارع الحبيب بورقيبة على بعد أمتار قليلة من وزارة الداخلية) تؤكد نجاح العملية التي طرحت تحديا صارخا على الدولة”، رغم أن العملية الإرهابية كانت “ضعيفة” و”غير محترفة” ومن الواضح أن منفذها من “الهوا”، ويرجح أن تكون الانتحارية قد يكون جرى استقطابها عبر الإنترنت من قبل تنظيمات إرهابية.

ومنذ مايو / أيار 2011، شهدت تونس هجمات إرهابية أدت إلى مقتل عشرات العسكريين والأمنيين والمدنيين من سائحين أجانب.

زر الذهاب إلى الأعلى