كيف عادت نوكيا للحياة من جديد؟

بلغت القيمة السوقية للشركة أدنى مستوياتها على الإطلاق في 2012

النشرة الدولية –

لمساعدة الشركة التي كانت يومًا رائدة وقاطرة لصناعة الجوالات بأكملها، في العثور على استراتيجية جديدة كليًا، اضطلع مجلس إدارة “نوكيا” بدور فريد من نوعه، ليجنب صانعة الهواتف النقالة مصير الاختفاء النهائي من على خريطة الأعمال، بحسب تقرير لموقع “إنسياد نولدج” التابع لكلية إدارة الأعمال “إنسياد”.

لقد أصبحت قصة سقوط أعمال “نوكيا” للجوال -من شركة تستحوذ على 40% من السوق إلى قرب الإفلاس خلال سنوات قليلة- مثالًا تحذيريًا  حول مخاطر اضطراب الصناعات، لكن القصة الأقل شهرة هي كيف نجت الشركة الفنلندية من هاوية الهلاك وشقت طريقها مجددًا إلى الحياة.

منذ بلغت القيمة السوقية للشركة أدنى مستوياتها على الإطلاق في 2012، بدأت الأمور في التعافي، ورغم أنها لم تعد إلى مستوى الذروة الذي سجلته قبيل عصر الجوالات الذكية، لكن قيمتها زادت بأكثر من خمسة أمثال ما كانت عليه عند القاع.

وجاء هذا الانتعاش نتيجة التحول الاستراتيجي الشامل نحو أعمال شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، والذي توج باستحواذها على أعمال “ألكاتل لوسنت” عام 2016 مقابل 16.6 مليار دولار، ونادرًا ما تمكنت أي شركة كبيرة بإعادة توجيه وتشكيل نفسها بهذه السرعة وبهذا التحول الجذري.

 

لكن قبل إنجاز هذا التحول الاستراتيجي، كانت الشركة بحاجة إلى إصلاح المشاكل الثقافية العميقة، وقد ثبت أن مجلس إدارة الشركة الذي تم تجديده مع تعيين رئيس جديد له في 2012، جزء لا يتجزأ من هذا المجهود الكبير والتوجه السديد.

من عام 2012 إلى 2017، أجرى خبراء الإدارة في “إنسياد” مقابلات متعمقة مع 120 موظفا ومسؤولا في “نوكيا”، تراوحت مناصبهم بين الطبقة الوسطى من المديرين إلى أعضاء مجلس الإدارة وقادة الشركة التنفيذيين.

شملت اللقاءات أشخاصًا شهدوا رحلة انحدار نوكيا، الذين وصفوا كيف أضرت الديناميكيات العاطفية السلبية في المستويات العليا بالتواصل وعمليات اتخاذ القرارات الاستراتيجية، حيث سادت ثقافة استبدادية قائمة على الخوف، مما أدى إلى تفشي مفاهيم الإلقاء باللوم على عوامل غير المتسببة في التدهور واتخاذ وضعية دفاعية أغلب الوقت.

خوفًا على وظائفهم، بقي المديرون هادئين، عندما تشبث قادة الشركة بخياراتهم الاستراتيجية الخاسرة، مثل نظام التشغيل “سيمبيان” رغم مشاكله التقنية الخطيرة، فظلت حركة “نوكيا” مشلولة تقريبًا مع تدهور الأداء، إلى أن استقال رئيسها التنفيذي عام 2010.

مع تعيين “ستيفن إلوب” قائدًا جديدًا للشركة، كان على “نوكيا” اختيار نظام تشغيل خارجي ليحل محل “سيمبيان”، وكان “ويندوز” و”أندرويد” المرشحين الرئيسيين آنذاك، لكن القرار المشؤوم بُني في النهاية على عاملين عاطفيين رجحا كفة “ويندوز” (بخلاف مشورة استشاريي “ماكينزي”).

كان العامل الأول هو الخوف؛ فبما أن المدير التنفيذي الجديد كان يعمل سابقًا لدى “مايكروسوفت”، فقد افترض بعض المديرين أن الرأي الوحيد المهم قد حسم بالفعل، وأنهم إذا خالفوه فسيتم استهدافهم.

أما العامل الثاني؛ فهو الطريقة التي حاول بها كبار المديرين تجنب التأقلم مع فداحة القرار، وذلك عن طريق الترويج داخليًا له باعتباره إجراء مؤقتا لوقف تدهور الأوضاع، لكن بالطبع ساءت الأوضاع أكثر بعد إعلان التحالف مع “مايكروسوفت” وانخفضت القيمة السوقية لـ”نوكيا” 50% خلال الفترة من 2011 إلى 2012.

في عام 2012، استبدلت “نوكيا” رئيس مجلس الإدارة وثلاثة من الأعضاء، ومنذ البداية ركز الرئيس الجديد “ريستو سيلاسما” على تحسين العلاقة العاطفية بين المجلس والإدارة، حيث أدرك سريعًا أن ركود الشركة الاستراتيجي كان مرتبطًا بانعدام الانفتاح فيها.

قال “سيلاسما”: إذا كان مجلس الإدارة مكانًا يرتاده المديرون وهو يرتعشون خوفًا، فسيكون لديهم حل واحد في أذهانهم دائمًا، أنهم بحاجة إلى الخداع، ولن يكون هناك أي مجال لمساهمة المجلس.

تمكن المجلس من إقناع المديرين المهووسين بالحذر والدفاع عن الذات بالتخلي عن انطوائيتهم وترك هذا السلوك نهائيًا، عبر إرساء مبادئ مثل “لا أخبار سيئة” و”الأخبار السيئة هي أخبار جيدة على أي حال” و”الخبر السار هو عدم وجود أخبار”، ومنذ ذلك الحين، بنيت المحادثات بين جميع الأطراف على الصراحة والعمق.

أدرك المجلس الجديد أن الارتباط العاطفي للمديرين باستراتيجية “ويندوز” قد يمنعهم من التفكير  في خيارات أخرى، وبدلًا من إعادة تقييم الوضع وخلق خيارات جديدة، كانوا عرضة لخطر التصرف بشكل دفاعي وتجنب القضية الأساسية برمتها.

سعى المديرون بعد ذلك إلى تبديد الفزع من خلال التحدث علانية عن احتمالات الفشل، ووضعوا مسارات عمل متفق عليها في حالة استمرار ضعف أداء “ويندوز فون”، ومن خلال ربط الإجراءات المستقبلية ببيانات الأداء، قل التحيز العاطفي في التخطيط للخطوات الاستراتيجية التالية.

هذا النهج أجبر المديرين على البدء في وضع خطط طوارئ، حيث كان هناك إصرار من قبل الإدارة العليا على رؤية مجموعة من السيناريوهات المتوقعة وفقًا لعملية منظمة، وبفضل إرشادات مجلس الإدارة، استطاع المديرون إجراء تقييم أكثر دقة للخيارات المختلفة.

نتيجة ذلك، لم يكونوا قادرين على تصور الاحتمالات الاستراتيجية الجديدة فحسب، بل تمكنوا أيضًا من توقع النتائج سواء جيدة أو سيئة.

في الوقت الذي أجرت خلاله الشركة صفقة شراء “مايكروسوفت” لأعمال الجوال المثيرة للجدل، كانت تندفع بقوة في أعمال الشبكات عن طريق إعادة شراء المشروع المشترك “نوكيا سيمنز نتوركس”.

رغم أن التخلي عن أعمال الجوال حطم هوية “نوكيا” القديمة، فإن عاطفة كبار المديرين تبدلت خلال عملية التحول وأيدت الاستراتيجية الجديدة في النهاية.

زر الذهاب إلى الأعلى