العلاقات الايرانية-السعودية.. عقود من الصراع والتنافس

       بقلم الكاتب وليد بليلة من المغرب

 

تحتل العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية مكانة هامة لدى المحللين و الخبراء في العلاقات الدولية في معظم تحليلاتهم، وخاصة المتصلة منها بالشرق الأوسط “الأكثر إثارة للجدل في العالم”، حيث العلاقات بين هاتين الدولتين، إختزل ورائها تاريخا ممتدا من التوتر و الصراع، عكس بتأثيراته و تداعياته الخطيرة على المنطقة برمتها.

ورغم تأرجح هذا الصراع و الإختلاف الظاهر بين هاتين الدولتين ما بين مد وجزر، إلا أن ذلك لا يعني غياب عناصر التشابه بينهما، ويمكن التطرق لبعض أوجه هذا التشابهة من خلال مقاربة قمت بإجرائها حول تاريخ العلاقات بين البلدين و مختلف المحطات التي انفردت و تميزت بها.

ما قبل الثورة الإيرانية

يعود تاريخ أول اتفاقية رسمية بين البلدين إلى سنة 1929، عندما وقع الطرفين على اتفاقية صداقة بينهما وتوجت بافتتاح أول سفارة ايرانية بمدينة جدة، ومن ثم تلتها زيارة لوفد سعودي برئاسة الامير فيصل إلى طهران، وذلك رغبة من الملك السعودي آنذاك في توطيد علاقة بلاده مع ايران و التحالف معها. إلا أن هذه المبادرة السعودية مُنيت بالإخفاق عند أول إصطدام لها بعدم رغبة الشاه رضا بهلوي في ذلك.

وتوالت بعد ذلك التوترات في علاقات البلدين، ولا سيما إثر إعدام السلطات السعودية لحاج ايراني سنة 1943 بتهمة رمي القاذورات على الكعبة و شتم النبي و الصحابة، و هو ما أثار احتقانا كبيرا لدى الايرانيين و غضبا شعبيا سرعان ما تحول إلى قطيعة دبلوماسية بين البلدين دام فترة عامين.

وتواصل بعد ذلك التوتر بين البلدين في فترة الخمسينيات، إثر اعتراف ايران باسرائيل كدولة و هو ما شكل خلافا جديدا مع السعودية، الامر الذي دفع بالشاه الإيراني إلى محاولة تبرير موقف طهران.

هذا ومع مرور السنوات وفي إطار الدبلوماسية الناعمة، عاد التوافق بين البلدين تدريحيا، وفي نهاية الخمسينيات تعززت العلاقات السعودية – الإيرانية بالتزامن مع نجاح ثورة الضباط الاحرار في مصر ووصول الرئيس الراحل عبد الناصر إلى السلطة، وقيامه بمساعي لتصدير ثورته لدول المنطقة والقضاء على الملكيات المجاورة.

و اعتبر سقوط الملكية المتوكلية في اليمن عام 1962م، بمثابة إنذارا بقرب زحف الثورة نحو المماليك المتواجدة في المنطقة، وعلى أثره تحالفت إيران مع السعودية من أجل تعزبز التعاون المشترك، وعليه أرسلت طهران قواتا إيرانية لحماية الحدود السعودية بعد إجتياح الجبش المصري لليمن وقصفه الجوي لمواقع يمنية استراتيجية.

و من أجل تعزيز التحالف المشترك ضد عبد الناصر، طلب الشاه بهلوي أنذاك الدعم من الأردنيين و إستطاع اقناعهم بالانضمام للتحالف.

لقد كان تواجد الملك فيصل على عرش الملكية السعودية، دافعا كبيرا لتوطيد علاقات بلاده مع ايران، وقد ترجمت توجهاته تلك بزياراته المتعددة إلى طهران، أهمها كانت عام 1965، التي سعى سعى خلالها إلى ضمان إستمرار التنسيق و التعاون العسكري مع السلطات الايرانية للقضاء على زحف قوات عبد الناصر.

و تعزز هذا التنسيق مع زيارة وفد ايراني للرياض عام 1966 للوقوف على آخر التطورات بالمنطقة و تقوية التفاهم المشترك حول القضايا التي تهم البلدين. وقد أثمرت هذه المحادثات الثنائية بإيجاد تعاونا مشتركا شكل تطورا لافتا في تاريخ العلاقات الإيرانية – السعودية، وقد أسهم في انسحاب القوات المصرية من اليمن سنة 1967 بعد ما تكبده خسائر فادحة .

و في ديسمبر من نفس العام زار الملك فيصل، طهران رغبة منه في توثيق العلاقات بين البلدين، و ألقى خطابا في البرلمان الإيراني دعى فيه إلى تعميق التعاون و الترابط بين البلدين، و إتفق الطرفان على قيام شاه ايران بزيارة مماثلة إلى الرياض.

إلا أن سرعان ما عاد التوتر بين البلدين مع انسحاب القوات البريطانية من البحرين سنة 1968، و استقبال الرياض للشيخ عيسى آل خليفة، و هو ما اعتبرته طهران اعترافا سعوديا بالمملكة البحرينية الجديدة. وقد  تطور هذا الأمر إلى مستوى قامت فيه إيران بالتهديد باجتياح البحرين و اعتبارها تابعة لسيادتها، إلا أن الرد السعودي جاء شديد اللهجة، حذر خلاله الملك فيصل إيران بالرد العسكري القوي على أي هجوم قد تقدم به على البحرين.

 

وعلى خلفية هذه الأزمة، أُلغيت زيارة شاه إيران التي كانت مقررة الى الرياض، و تبادل مسؤولي البلدين الاتهامات فيما بينهما، إلا أن العلاقات تم إعادة ترميمها مجددا قُبيل نهاية العام بوساطة مغربية، وقد أسهمت هذه الخطوة بتراجع محمد رضا بهلوي عن موقفه ضد المملكة، وعلى اثرها قام بزيارة الرياض وإعادة إنعاش التعاون الثنائي بين البلدين.

وإستمرت العلاقات الإيجابية بين البلدين الى أواخر السبعينيات، حيث انهيار النظام الملكي في ايران وبداية وصول قادة  الثورة الخمينية للسلطة والإعلان عن قيام النظام الجمهوري الاسلامي سنة 1979 م.

ما بعد الثورة الإسلامية الإيرانية

كانت سنة 1979 حاسمة في تاريخ العلاقات السعودية – الايرانية، حيث وبالرغم من تذبذب العلاقات الثنائية قُبيل سيطرة الثورة، الا أن هذه العلاقة تعرضت لمزيد من التوترات والتصعيد والقطيعة الدبلوماسية في أغلب مراحلها، جراء تحول نظام الحكم في إيران إلى نظام جمهوري، يستند على المرجعية الدينية الشيعية كأيديولوجية للحكم في البلاد، مما شكل تحديا للنظام القائم في السعودية المستند على المرجعية السلفية الوهابية، وأدى إلى قطيعة دبلوماسية مستمرة، وخصوصا مع رغبة قادة الثورة الايرانية لنشر الفكر الخميني والإطاحة بالملكيات الخليجية، وأدي بالتبعية إلى تعمق الصراع تدريجيا مع توالي خطابات المرشد الايراني آية الله الخميني التحريضية ضد آل سعود و حلفائهم. ومنذ ذلك الوقت وقغت عدد من الأزمات المفتعلة المتكررة بين البلدين خلال مواسم الحج، لا سيما خلال أعوام 1986 و 1987 و 1988 و آخرها حادثة “تدافع منى” في عام 2015.

ومع بداية سنة 2016 م ، شهدت العلاقات الثنائية تصعيدا غير مسبوق في التوتر و الصراع، حينما أقدمت السلطات السعودية في يناير على اعدام 47 شخصا من بينهم 4 سعوديين شيعة ابرزهم عالم الدين الشيعي المعارض للنظام السعودي نمر النمر، وقد أحدث هذا الإجراء غضبا واسعا في أوساط الشيعة في الشرق الاوسط و ايران على وجه الخصوص، قام على إثرها محتجون ايرانيون بالإعتداء على مقر السفارة السعودية بطهران، كما أدانت الحكومة الايرانية عملية الاعدام. و لم يمضي وقت طويل حتى أعلنت الرياض قطع علاقاتها الدبلوماسية مع ايران، و شهد التوتر أوجه من خلال الاتهامات و التهديدات المتبادلة بين البلدين، إنعكست أبعادها على ساحات الصراع في كل من اليمن و سوريا.

ومع هذه التطورات أصبح الشرق الأوسط رقعة صراع بين القوتين الإقليميتين عبر التدخل العسكري في شوؤن دول تعيش فوضى و حروب أهلية كما هو الشأن لدى العراق و سوريا و اليمن و قبلهم لبنان ، زيادة على تمويل الميليشيات و الجماعات المتحالفة مع كلا الدولتين و هو ما أضحى يسميه المحللون الإستراتيجيون بحرب “الوكالة” .

وخلاصة القول، إن وطأة الصراع المؤسفة بين البلدين، عكست بكل أبعادها السلبية على مسألتي الأمن والإستقرار المنطقة، ويبقى السؤال.. هل حان الوقت لعكس إتجاه هذا الصراع نحو إيجاد تحالف ثنائي إيجابي بديلا للعالم الإسلامي بعيدا عن كل سياسات التفرقة و الإنقسام و المعاداة؟

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى