مسعود بواكرن: ارتباط السينما الامازيغية بالكاميرا بمعزل عن القلم ساهم بعزلتها

الرباط – مليكة أقستور / مراسلة النشرة الدولية

ارتباط السينما الامازيغية بالكاميرا بمعزل عن القلم، ساهم بشكل كبير بعزلتها.. هذا ما أكد عليه المخرج السينمائي والكاتب الامازيغي.. عاشق الأدب و الفن والسينما، مسعود بوكرن، خلال لقاء خاص اجرته معه “النشرة الدولية”.

يقول بوكران صاحب الفيلم الامازيغي التاريخي ”للا تاوعلات” و كاتب كتاب “السينما الامازيغية.. وشم الذاكرة وسؤال الذات”، أن السينما الأمازيغية تفتقر لأبسط حقوقها في الكتابة عنها، الأمر الذي يتطلب تعزيز تمثيلها ولا سيما عبر تطوير الإنتاج السينمائي الأمازيغية إنطلاقا من هويتها القومية الأصيلة ولغتها المتميزة.

أنت مخرج وباحث في مجال السينما والتراث المغربي، وصاحب أول فيلم أمازيغي تاريخي ديني، ولكم كتاب بعنوان “السينما الامازيغية وشم الذاكرة وسؤال الذات” ما هي دوافع إنجازكم لهذا الكتاب؟

أولا شكرا لكم على هذه الاستضافة، دوافع الكتابة في السينما الأمازيغية، مقترنة بدوافع الاشتغال على أي مجال من مجالات المنظومة الأمازيغية بصفة عامة، وغالبا ما أجد نفسي بين هاجس التأسيس في ميدان لا يزال خصبا، وبين دافع التطوير والتأثيث، خاصة وأن الكتابة حول انتاجات الافلام الأمازيغية رغم وفرتها تعد على رؤوس الأصابع، وكل محاولة ترى النور، تدخل في خانة التأسيس لمرحلة الكتابة النقدية بشكل من الاشكال. ولعل أيضا مساهمتنا في إثراء حقل الكتابة السينمائية جاء نتيجة صدى البكاء على أطلال النقد السينمائي الأمازيغي من قبل النقاد والمهتمين الذين نجد معظمهم يتأسفون على عدم وجود مراجع سينمائية، والتي غالبا ما يتم اجترارها بأساليب شبه غربية، تحمل الكثير من المفاهيم التائهة والغارقة في ذات الآخر الذي تفصلنا عنه سنوات بيئية واجتماعية واقتصادية.
وفي الوقت الذي يتجاهلون دورهم الحقيقي المرتبط بالذات والأرض. فإن دور التأسيس لهذه المرحلة بتكثيف الكتابة عن منتوجاتنا التي تعتبر مسيرتها كمسيرة سفينة بلا ربان، مما أدى إلى ظهور حالات من التوتر والقلق المتفاقمين في الساحة الفنية، بل وساعد أيضا على اتساع الرتق بشكل غير عادي.

ما هي الرسالة التي أردت إيصالها؟

عندما تعلمين سيدتي بأن السينما الأمازيغية تفتقر لحد الآن لأبسط حقوقها في الكتابة عنها، وتفتقر لدليل شامل يدل عليها وعلى طاقمها الفني من ممثلين وتقنيين وكتاب سيناريو ومنتجين، وتفتقر أيضا لتقييمٍ لأهم ما أنتجته خلال ربع قرن من مسيرتها، وللمهرجانات الخاصة بها، وما هي مساحتها في التحاليل الإعلامية، وما موقع إعرابها في الساحة الوطنية والعالمية، وما هو الرقم المتصل بجوائزها، ستدركين أن الأمر في غاية الخطورة، وستكتشفين بكل سهولة أننا عالة على المجال، وأننا في مسيس الحاجة إلى إعادة تركيب مرحلة التأسيس التي كنا قبل سنوات نعتقد أننا تجاوزناها.
إن ارتباطنا بالكاميرا بمعزل عن القلم، ساهم بشكل كبير في عزلتنا، وحولنا إلى أقليات غير فاعلة بالمفهوم الدينامي، ولعل هذا بعض ما توخيت إيصاله بشكل عام، وبشكل خاص حاولت الغوص في الذات لأكتشف في النهاية بأن المشكلة لا تكمن في الدعم وأعمال القرصنة إنما هو نابعة من الذات، وهو داخلي أكثر مما هو خارجي. وفي اعتقادي أن هذه المشكلة إن بقيت كما هي دون معالجة فلن يُصلح الدعم الذي ممكن أن يقدم لها مهما بلغت أرقامه، ولا أحد يستطيع النهوض بنا إن لم ننهض نحن بأنفسنا، بدءا بتغيير دواخلنا، وتقييم ماضينا، وتجديد رؤيتنا للقطاع، والعمل على تبديد ومحاربة قرصنة الأفكار المزيفة، والنظر إلى الفن من زواياه الفنية الواسعة، بدل زاويته المادية الضيقة.

من بين محاور كتابك محور “السينما اللغة والهوية” ما العلاقة التي تجمع بين هذا الثلاثي؟

الأمر هنا يتعلق باللغة المحكية وليس اللغة السينمائية، وعادة ما ترتبط السينما بلغتها الخاصة التي توحد كل سينمائي العالم، إلا أن الأمر يختلف شيئا ما عندما نربط السينما بالهوية، ونحن نريد أن نتمثل عبر إنتاجنا السينمائي وارتباطنا بهويتنا انطلاقا من اللغة، وليس هذا بالشيء الصعب، فالحفاظ على اللغة، أو إيصالُها بمنابعها الأصيلة يعد جزء من هذا الارتباط، لذلك من الصعب الحديث عن هوية حقيقية وسط ركاكة لغوية، ومادامت اللغة في إنتاجنا السينمائي لا تتبرأ من الدخيل عليها، وتتعامل معه تعامل الند للند، ولا تعتبر غزوه جريمة في حقها، فإن الحديث عن الهوية يعتبر مجرد تسلية. وعليه فإننا عندما نطمئن إلى إيصال ثقافتنا بجميع اللغات للعالم، فإن الوضع يختلف مع الكاميرا، ففي هذه الحالة نريد إيصال ثقافتنا بلغتنا الأم الصافية والنقية، بواسطة اللغة السينمائية التي تقرؤها العيون، ويعرفها العالم.

كتبت عن الإنتاج السوسي كنموذج، والإنتاجات السوسية كما نعلم يطغى عليها الجانب الفكاهي، كيف تفسر ذلك؟

لذلك عدة تفسيرات منطلقها بيئة الاشتغال التي تحكمها ظروف خاصة واستثنائية ربما، وسنلاحظ أن الإنتاجات السوسية أقامت قواعدها على أسس درامية، ثم واصلت مسيرتها أسطوريا، ومنه إلى تناول الحكاية في شقها الترفيهي، وبعد ذلك بدأت الفكاهة تمتزج بالمواقف الساخرة، إلى أن مالت كل الميل نحو السخرية المجانية، وجاء هذا التحول مصاحبا لمرحلة انتقال التعامل مع الإنتاجات من الأشرطة إلى الأقراص، هذا التحول الخطير الذي شهد ميلاد عدد كبير من شركات الإنتاج، مما صعب مسؤولية العاملين في الحقل الدرامي بعد تسريب عدد كبير من السكيتشات الهزلية ذات الميزانيات الهزيلة إلى الجمهور الأمازيغي.

تناولت موضوع السينما والأدب، فما هو تقييمك لواقع الأدب الأمازيغي اليوم؟

في الحقيقة لم أطلع على الأدب الأمازيغي بشقيه الشعري والروائي مما يصعب عملية تقييمي، إلا أن كل ما تناولته في هذا المحور هو نتائج عدم استفادة السينما الامازيغية من الادب بشكل عام، ومن الاقتباس السينمائي، فنحن نأسف لعدم اقتحامنا لعالم الأدب سينمائيا.

ناقشت كذلك السينما والمرأة، ما هي العلاقة التي تكمن بين الإثنين؟ وما هي صورة المرأة في السينما الأمازيغية؟

السينما الأمازيغية لها علاقة بالمرأة من زاويتين، الأولى أن كلمة الأمازيغية توحي من الأساس إلى المرأة الأمازيغية شكلا ومضمونا، وثانيا فإن أول عمل أمازيغي حمل اسمها ويدور حول تجلياتها ودورها في الحياة، فحظيت بشرف التأسيس، وهذا بطبيعة الحال ساهم في الدفع بالمرأة الأمازيغية إلى اقتحام الميدان بكل حرية وسلاسة، ومكنها من مواكبة المسير إلى النهاية إلى جانب الرجل، فقد أدت المرأة الأمازيغية جميع الأدوار المنوطة بها، والأهم من ذلك أنها حافظت على سماتها الأصلية دون أن تتأثر بالنماذج الخارجة عن محيطها، وهذا ساعدها كثيرا على الحفاظ على صورتها كامرأة وكفنانة، وأعتقد أن الحظ لو حالفها بفرص أكثر لحظيت بتميز أكبر.

هل في نظرك المنتوج الأمازيغي في تقدم وتحسن أم في تراجع؟

قبل قرابة عشر سنوات مضت، كنا نتحدث عن الإنتاجات الأمازيغية ونعني بها الإنتاجات السوسية التي يقتنيها المشاهد في أسواق السينما، فلم يكم هناك بالسابق حديث عن الإنتاجات التلفازية، أما اليوم فالجميع ينتظر موسم العمل التلفزي، ويستجدون عطف هذا الموسم السنوي الوحيد، وفي هذه الحالة من الصعب الحديث عن التقدم بعد أن تراجعت الإنتاجات الأمازيغية بنسبة 100%، وأغلقت الشركات أبوابها، وكأننا خضنا معركة قتالية فاز فيها من فاز، وانهزم من انهزم، لتبدأ مرحلة الآهات من جديد.

ولكن كيف يمكن تفسير أقوال الذين يعتقدون بأن القرصنة هي التي ساهمت في تراجع الإنتاجات الأمازيغية؟ وهذا يعني أنه إذا وجد حل للقرصنة ستعود الأمور كما كانت.

في نظري المتواضع وكما قلت لك سابقا، موضوع القرصنة ليس هو المشكلة الحقيقية لتراجع الإنتاجات الأمازيغية، فالمشكلة تكمن في ما يتعرض له جسد الفن السينمائي الأمازيغي من نخر داخلي، هذا فضلا عن أن الإنتاجات التي تستفيد من الدعم ليست أحسن حالا من الإنتاجات الأمازيغية المستقلة، بل هي الأخرى تحاول إرضاء جمهورها بمقاسات الكم دون الكيف، وهذا يفسير مدى الخلل الذي يغوص في أعماق منظومتنا الفنية برمتها قبل خارجها.

كلمة أخيرة
أرجو أن يكون للسينما الأمازيغية نصيبها في تنمية بلادنا، والحفاظ على ثوابته، ونصيبها في المشاركة الفعالة باعتبارها مكونا من مكونات هذا البلد، وجزء لا يتجزأ من وحدته، لا أقلية بين أقلياته، أو أنشودة من أناشيد الماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button