أدب اليافعين في العالم العربي.. رعاية جيل بالخيال والكلمة
السالمي: نشر الكتب الخاصة باليافعين لا يثير اهتمام إلا القليل من الناشرين في العالم العربي
النشرة الدولية –
استلهاما للطفرة التي عرفها الأدب الموجه لليافعين في الغرب، انفتح العالم العربي خلال السنوات الأخيرة على تجارب حققت تراكما أوليا في هذا المجال، جسدته روايات لكتاب وكاتبات من المغرب والمشرق.
وشجعت أدب اليافعين جوائز كبرى، على غرار جائزة “كتارا”، التي أحدثت منذ دورتها الثالثة في 2017 فئة جديدة تعنى بروايات الفتيان غير المنشورة، التي تستهدف جمهورا تتراوح أعماره بين 12 و20 عاما.
وترى الكاتبة والأكاديمية الأردنية سناء شعلان الكتابة للفتيان “حرفة مشاركة في بناء النشء الذي يعوّل عليه في القادم المشرق، ولذلك لا أستطيع أن أمنع نفسي من أن أمدّ يدي للمشاركة في بناء الإنسان عبر الكتابة لليافعين”.
وتسجل الروائية الفائزة بجائزة كتارا 2018 بأسف أن هذا الجنس الأدبي التربوي لا يزال فنا يشق دربه بصعوبة وتعثر في المشهد الأدبي العربي، وسط حالة من الفوضى والتأخر في إدراك أهمية هذا الفن، وقلة الخبرة فيه، وتخبط التجارب، “لا سيما أن الكثير ممن يدخلون هذا البحر لا يملكون من مهارات الكتابة فيه أكثر من رغبتهم في هذا الحقل لاعتقادهم المغلوط بأنّ الكتابة في هذا الجنس سهلة ومغفورة الزلّات، ولا تحتاج إلى الكثير من الملكات والأدوات والخبرات”.
وفي مقاربتها لخصوصية هذه الكتابة على مستوى الأسلوب والمواضيع، تشدد سناء شعلان -صاحبة رواية “أصدقاء ديمة” الفائزة بجائزة كتارا، إلى جانب أربعة كتاب آخرين- على أن هذا الفن يحتاج إلى مبدع مدجج بالمعرفة والثقافة العامة والخاصة، التي تؤهله للدخول في عوالم الطفل بأبعادها جميعاً، مع القدرة على التعاطي معها بذكاء وحرفية، مع وجود خطة تربوية وأخلاقية وجمالية واضحة ومتسقة.
وتؤمن أستاذة الأدب الحديث بالجامعة الأردنية بأن تشجيع هذا النوع من الأدب يحتاج ابتداءً إلى خطط وطنية ومؤسساتية من أجل خلق ذراع ناشرة لهذا الأدب، ومن ثم تسويقه وترويجه، إلى جانب تنشيط المؤسسة التربوية والأسرية لتبدي اهتمامها بتقديم هذا الأدب للطفل واليافع، وتوفيره له في المدرسة والبيت والمكتبات والأسواق، بما يلفت نظره، وينال اهتمامه.
من جهته، يرى الناقد والجامعي ابراهيم الحجري أن رواية اليافعين، أو السرد الخاص بهذه الفئة العمرية، تأخذ سماتها من مجموعة الميزات التي تخص مرحلة من السن مفصلية، ومن الصعب القبض عليها؛ فاليافع حساس جدا، وتكون حاجته إلى التقدير والاعتبار مفرطة، فهو في مرحلة بينية تجعل وضعه التصنيفي متأرجحا بين الطفل والراشد؛ فيكون أحوج إلى إثبات ذاته، ولو من خلال كسر المعتاد، والتهجم على النظم الثابتة.
يرى أن هذا النوع من الكتابة أصعب أنواع الإبداع، باعتبار أنها توجّه للمراهقين، وتزداد صعوبتها بتعقد طبيعة الجيل الجديد المدمن على الويب، العازف عن القراءة.
يقول الحجري إن هذا النوع من الكتابة السردية لم يحظ بالعناية اللازمة، كما أن عدد المتعاطين لها والمتخصصين فيها يحصون على رؤوس الأصابع، وتلاقي أعمالهم جفاء في سوق التداول لغياب أفق قرائي ومدرسي محفز على المطالعة الحرة.
لذلك، يرى أنه في غياب دعم مؤسسي يشجع الكتاب، ويدعم نشر أعمالهم وقراءتها، وتكوين فرق متخصصة في مجال المراهقة؛ في أبعادها الاجتماعية والنفسية، لمراجعة هذه الأعمال، وتدقيق نظامها اللغوي والقيمي والسيكولوجي، ودفع المنظومات التربوية لإقحام مثل هاته الأنشطة ضمن المقررات والبرامج الدراسية؛ ستبقى جهود هؤلاء الكتاب معزولة.
وفي المغرب، تقدم الكاتبة والناشرة نادية السالمي تجربتها في دار النشر “يوماد” التي تكاد تكون الوحيدة المتخصصة في إصدار كتب خاصة باليافعين، بينما يفترض أن تكون مثل هذه الدور بالعشرات -على حد قولها- قياسا بالأغلبية الشابة للمجتمع المغربي.
وبالنسبة لها، فإن النهوض بأدب اليافعين لا ينفصل عن الحاجة إلى سياسة اجتماعية حقيقية تنبثق من وعي جاد لدى المسؤولين السياسيين بأهمية تقريب الكتاب لليافعين، كما تضع الأصبع على دور ومسؤولية الإعلام، خصوصا العمومي منه، داعية إلى تطوير برامج ثقافية تنمي خيال الشباب وتعزز علاقتهم بالأدب والكتاب بوجه عام، بدل هيمنة “برامج الاستبلاد والسطحية”.
وتلاحظ السالمي أن نشر الكتب الخاصة باليافعين لا يثير اهتمام إلا القليل من الناشرين في العالم العربي الذي لا ينتج إلا قدرا لا يذكر من هذه الإصدارات قياسا إلى الوضع العالمي، وهو ما يضاف إلى مؤشرات أخرى تكرس الوضع الهامشي لليافعين في الفضاء العام.
وتخلص السالمي إلى ضرورة تأهيل النظام التعليمي كقاعدة لأي تطور اجتماعي وذاتي، تضع الكتاب ضمن الانشغالات اليومية لليافع. والتلفزيون واجهة أساسية لتفعيل مشروع من هذا النوع، على اعتبار أنه يدخل كافة البيوت.