جوائز أدب الطفل بين انحيازات لجان التحكيم وتجاهل الدولة
سيبحث الجمال الذي نكتبه عن أناس يصل إليهم
سيبحث الجمال الذي نكتبه عن أناس يصل إليهم
النشرة الدولية –
لكل كاتب حكاية فوز لا ينساها أبدًا، منهم من يذكر تكريم عبدالناصر له وسط احتفاء شعبي كبير، وكاتبة وصلها إعلان الفوز ولم تقرأه إلا بعد أيام طويلة بعد أن ظنت عدم حصولها على الجائزة، وكاتب آخر يحكي عن أسباب استلام اللجنة لعمله بعد انتهاء المدة المحددة، ثم إعلان فوزه.
الجوائز هي حكايات كثيرة ذكر أصحابها ما أسعدهم فيها، وحتى ما انتظروه ولم يجدوه منها، ذلك في ندوة “جوائز أدب الطفل.. فائزون وتجارب”، التي أقامتها شعبة أدب الأطفال باتحاد الكتاب ضمن فاعليتها الشهرية بنوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ما هو دور الجوائز في الوطن العربي ومعاييرها، ومدى كفايتها، هذه هي بعض الأسئلة التي تم طرحها في ندوة “جوائز أدب الطفل.. فائزون وتجارب”، والتي شارك فيها كل من يعقوب الشاروني، صفاء البيلي، هجرة الصاوي، أحمد قرني، عزة أنور، نورا أحمد، عبدالله المرشدي، أحمد عبدالنعيم، وأحمد عبدالعظيم وأدارها د. أشرف قادوس.
هناك بعض المعايير التي تظلم العمل أمام لجنة التحكيم، مثل أن تكون بعض الأعمال جيدة إخراجيًا من ناحية حجم الغلاف وسمك الورق والألوان، فتؤثر تلك الإمكانيات على قرار اللجنة بصرف النظر عن جودة العمل
عن أجواء لجان التحكيم ومعايرها تحدث الكاتب الكبير يعقوب الشاروني، من وحي مشاركته لسنوات في لجان التحكيم بالإضافة لفوزه بعديد من الجوائز الكبرى. ويرى الشاروني: “أن الجائزة تجعلك تعرف أين أنت على خريطة المبدعين. فأنا كنت قاضيًا ونائب رئيس محكمة، والجوائز هي التي جذبتني إلى عالم القصة حينما أعلن عبدالناصر عن مجلس أعلى للفنون والآداب وجائزة كبرى، لأنه كان مؤمنًا بالقوة الناعمة، فتقدمت للمسابقة لأتأكد من موهبتي وقيمتها وسط الآخرين. وفوجئت بفوزي وباحتفال حاشد ملأت فيه الجماهير ميدان المنصورة لأن عبدالناصر كان قادمًا بنفسه لتسليم شهادات الفائزين”.
تحدث الشاروني أيضًا عن بعض أخطاء التحكيم، مثل أن تقام المسابقة لاختيار أفضل عمل، فتفاضل لجنة التحكيم بين عدد من الأنواع الأدبية، وتقارن بين الرواية والمسرحية والشعر والمجموعة القصصية في مسابقة واحدة، رغم اختلاف كل نوع أدبي ومعاييره. وأوصى الشاروني بالفصل بين كل نوع أدبي وإقامة المسابقة لنوع واحد محدد.
وتطرَّق الشاروني لفكرة تخصيص درجة من التقييم لسلامة اللغة، وهو ما يدعو أحيانًا لوجود متخصصين في اللغة العربية بلجنة التحكيم فينحازوا إلى اللغة الرصينة القوية بصرف النظر عن مناسبتها إبداعيًا للنص. بينما يجب أن تمنح الدرجات للعمل الذي أجادت لغته التعبير عن شخصيات العمل وتحدثت بلسانها.
وذكر الشاروني أن هناك خلطا بين النص والرسم في مسابقات أدب الطفل قائلاً: “أحيانًا يأتي تصويت لجنة التحكيم لصالح نصوص ضعيفة لمجرد أن رسومها رائعة وهذا غير عادل. كما أن هناك جوائز تشترط تخصيص 20 في المئة من الدرجة لتقييم رسوم العمل، رغم أن الفائز هو المؤلف وليس الرسام أو دار النشر. وهناك نماذج لتفادي ذلك في جائزة هانز أندرسون العالمية للطفل والتي ترسل صورة من النص وحده إلى المحكمين لكي لا يتأثر المحكمون بمستوى الرسم ولا مستوى الإخراج. وتقوم مسابقات أخرى بعمل توازن، مثل جائزة معرض بولونيا الدولي لكتب الطفل، والتي تضم لجنة تحكيمها بالتساوي أعضاء متخصصين في الكتابة للطفل وأعضاء متخصصين في الرسوم والجرافيك ليتمكنوا من تقييم الكتاب كله”.
وطالب يعقوب الشاروني بوجود جائزة قومية لأدب الطفل، لأن الجوائز فرصة لتكتشف مبدعين من كل نواحي مصر: “وقد حكّمت في جائزة سوزان مبارك من بدايتها وحتى 2011، ووجدت مواهب كثيرة، مثل محمد فريد معوض صاحب الموهبة العبقرية وهو من قرية بقرى المحلة. وهذا أحد الأدوار المهمة للجوائز أن نصل للموهوبين في أصغر قرية من قرى مصر”.
عن الأثر المهم الذي تتركه أول جائزة تحدثت عزة أنور قائلة: “قمت بالكتابة للطفل عام 1997، وحصلت على أول جائزة في أدب الطفل عام 2001 ما شجعني لمواصلة الكتابة للطفل، بعد أن بدأت طريقي بالكتابة للكبار. أحببت الكتابة للطفل لأنني أردت الكتابة عن الحياة وجمالها ونبضها، وبذلك لم أختر الكتابة للطفل لكنها هي التي اختارتني”.
وأكدت عزة: “أننا سنظل نكتب بحب وعمق حتى لو لم يعرفنا أحد، وحينما نموت سيبحث الجمال الذي نكتبه عن أناس يصل إليهم”.
أما الكاتبة هجرة الصاوي فقد نالت عددًا من الجوائز، آخرها جائزة ربيع مفتاح في المسرح، وعنها تروي: “الجائزة كانت مفاجأة لي، لأن مسرح الطفل مظلوم جدًا في الجوائز وفي قيام السلاسل بنشره. والمسرحية التي فزت بها عبارة عن مسرح غرفة تحكي فيه عروسة المولد أشياء من هويتنا المصرية والتراث، فتبدأ بمقاطع لأغاني تراثية مثل الدبة وقعت ف البير أو أغنية يا مطرة رخي رخي، ثم تكمل بموضوع أخاطب الأولاد به. وهذا هو مشروعي الإبداعي لربط الطفل بهويته من خلال كتاباتي”.
ولاحظت هجرة الصاوي أن بعض الجوائز تفقد مصداقيتها لأنها تمنح الجائزة لأعمال مقلدة من أعمال فنية أخرى أو منقولة عن أعمال أجنبية بالعنوان وبصورة الغلاف نفسه. كما طالبت هجرة بوجود جوائز مصرية قيِّمة لمبدعي أدب الأطفال.
ذكر أحمد عبدالعظيم تجربة فوزه بإحدى الجوائز العربية، فقد اكتشف بعد إرسال العمل أن الرسالة فشلت ولم تصل وكان ذلك بعد إغلاق باب التقدم للمسابقة. فحاول بكل الطرق الوصول للقائمين على الجائزة وأرسل لهم صورة من الإيميل الذي أرسله إليهم ولم يصل. فوافقوا استثناءً على استلام العمل منه بعد انتهاء مدة التقديم، وفوجئ بعدها بفوزه لتكون تلك أول جائزة محلية ودولية يفوز بها. ويقول عبدالعظيم: “أكتب وأنتظر أن تحقق الكتابة لي شيئًا أنتظره”.
وقالت نورا أحمد أنها حصلت على تقدير وموافقة من الإذاعة بقبول أعمالها للطفل لإنتاجها، وكان هذا بمثابة تشجيع لها في أول طريقها. وتتمنى أن يدعم اتحاد كتاب مصر قيام الإذاعة والتليفزيون بإنتاج أعمال جديدة وقيِّمة للطفل، في ظل إهمال الأعمال الفنية للطفل وتراجع عددها بعد أن كانت قد ازدهرت في سنوات ماضية سابقة.
تمنح الجائزة مزيدًا من الحماس للكتابة وفقًا لما قالته صفاء البيلي، وهي التي بدأت بكتابة الشعر للطفل ثم المسرح، وحصلت على جائزة الهيئة العربية لمسرح الطفل. وذكرت صفاء أن أدب الطفل يواجه عددًا من المشاكل، قائلة: “للأسف يقع أدب الطفل بين براثن شقين، الأول وضع النقد المتدني له، بالإضافة إلى تراجع الدور المؤسسي عن دوره لمنح جوائز لأدب الطفل في مصر. وبصرف النظر عن المسميات فقد مثلت جائزة سوزان مبارك أحد الجوائز المهمة التي احتفت بأدب الطفل، وأرجو رجوع جائزة مماثلة للأعمال الإبداعية للطفل. كما أن مسألة تحديد السن في الجوائز التشجيعية عند سن الأربعين تحد فرصنا في الفوز، لأن الكاتب لا ينضج إلا بعد الأربعين، ويجعلنا ذلك غير ملائمين لشروط الجائزة، وفي الوقت نفسه لم نصل بعد لجائزة الدولة التقديرية. وكثيرًا ما يُنظر لأدب الطفل نظرة متدنية فتصبح قيمة جوائز فرع أدب الطفل أقل من جائزة فرع الكبار”. وتمنت صفاء البيلي أن تتوافر جوائز مصرية بعائد مادي يضمن للكاتب أسباب الحياة والكتابة.
حصل أحمد قرني على جائزة المركز القومي لثقافة الطفل، وجائزة سوزان مبارك، الهيئة العربية للمسرح، جوائز مكتب التربية العربي، كتارا، وأحمد عزوز. ويرى قرني أن من حق المبدع السعي إلى الجوائز التي تلفت النقاد إلى أعماله وترفع المبيعات وتوجه الأضواء الإعلامية إليه، خاصة وأن جوائز الوطن العربي تحتفي بالمبدع المصري.
وأشار قرني إلى ما تعانيه بعض الجوائز في مصر من عثرات مثل طريقة الاحتفاء بالكتاب، فيقدم المبدع طلبًا رسميًا لكي يحصل على شهادة التقدير. وتمنى أحمد قرني أن يحصل الفائزون على الاهتمام الإعلامي والاحتفاء الذي يليق بهم.
تحدث الرسام أحمد عبدالنعيم عن بعض المعايير التي تظلم العمل أمام لجنة التحكيم، مثل أن تكون بعض الأعمال جيدة إخراجيًا من ناحية حجم الغلاف وسمك الورق والألوان، فتؤثر تلك الإمكانيات على قرار اللجنة بصرف النظر عن جودة العمل، لذلك رأي عبدالنعيم ضرورة تقسيم الجوائز لأحسن نص وأحسن رسم وأحسن إخراج فني. وتمنى أن يضغط أدباء الأطفال حتى يحصلوا على الجوائز التي يستحقونها من دولتهم. كما أكد على ضرورة إيجاد حل لمسالة العائد المتدني للمبدعين عن أعمالهم وديمومة عقود النشر التي لا تحمي حقوقهم، وتبدو كأنها تحصل على حق استغلال أعمالهم إلى الأبد.
وطالب الكاتب عبدالله المرشدي بوجود قاعدة بيانات لمبدعي أدب الطفل، وعمل قوائم بالأعمال الفائزة لتكريم أصحابها ودراستها كأعمال مهمة يجب قراءتها والوقوف على مناطق الابتكار والتجديد والقوة فيها.
يذكر أن ندوة “جوائز أدب الطفل.. فائزون وتجارب” هي واحدة من الندوات الشهرية التي تقيمها شعبة أدب الأطفال برئاسة عبده الزراع في اتحاد كتاب مصر.