“نخلة التنين”… مقهى “زياد الرحباني” في أبي سمراء

نسرين مرعب – 

“في قهوة عالمفرق في موقدة وفي نار”.. هي قهوة خرجت من خلف ستار مسرحية زياد الرحباني، “سهرية”، لتشرّع أبوابها في منطقة أبي سمراء – طرابلس، حاملة الإسم نفسه الذي أطلقه الرحباني على قهوته الفنية وهو “نخلة التنين”.

عند دخولك المقهى الطرابلسي، تعود في ثوانٍ معدودة إلى حقبة قديمة، إلى ذاك “الزمن الجميل”: آلات موسيقية في كل مكان، تحف قديمة متنوعة تزين الجدران، فيما صور فيروز وابنها “زياد”، ترحب بزائريه. في “نخلة التنين”، هناك كسر للصور النمطية التي استحدثتها المقاهي الحديثة، حتى في طريقة الجلوس، إذ لا كراسي ولا طاولات بالمعنى المتعارف عليه وإنّما هناك مجموعة من المقاعد المفروشة التي تضفي على المكان “حميمية”.

لا فارق “فنيّاً” بين المقهى المسرحي، والمقهى الذي أعاد لطرابلس طابعها الموسيقى، هذا الطابع الذي رسم أجواء الفيحاء قديماً، وأجواء منازلها وسهرات الأجداد والجدات حول موقد الفحم أو على الشرفات، هي سهرات موسيقية على وقع الطرب القديم بأصوات لم تكتشف في برامج الهواة وإنّما تركت لتغني لهواء المدينة العطرة. ففي “نخلة التنين” يلتقي صوت العود، الدربكة، والعديد من الآلات الموسيقية مع أصوات الشباب التي تجتمع معاً لدندنة أغانٍ، لم تنسَها الذاكرة، هي أغاني الأبيض والأسود، يلونها شبّان يبحثون عن هويتهم الموسيقية في مدينة ظُلمت لأعوام.

المقهى الذي افتتح منذ عام ونصف العام، هو وليدة فكرة شبابية، ترجمتها مجموعة من الشبّان ملّت من المقاهي التقليدية.. وفي رحلة البحث عن الهوية والموسيقى، كانت “نخلة التنين”، في أبي سمراء، افتتاح المقهى – المختلط في منطقة “محافظة” لم يكن مرحباً به في البداية، ولكن مع الوقت تأقلم المحيطون مع الأجواء لاسيما وأنّ أصحاب المقهى كما الروّاد تفّهموا طبيعة المنطقة، فهم لا يزعجون أحداً كما أنّ الزجاج العازل يمنع الضجيج عن المباني المحيطة، والمقهى بكل الأحوال يغلق أبوابه عند الواحدة ما بعد منتصف الليل، على ما يؤكده علاءوهو صاحب المقهى لـ”لبنان 24″.

علاء الذي “تقمّص” في مقهاه شخصية الفنان “جوزيف صقر”، وهو “معلم” المقهى المسرحي، يعزف على عدد من الآلات، منها العود الذي يدوزنه على مزاج الأمسيات، فلا ينكر أنّ “تحفته” الطرابلسية، هي صورة من تلك المسرحية التي تأثر بها وتعلّق بسلمها الموسيقي.

زائرو “نخلة التنين” على “شاكلتها”، كما يقول “علاء”، فالساهرون هم الذين يتماشون والأجواء الموسيقية، أما الغناء والعزف فهما متاحان لكل من يملك الموهبة، كما أنّ تعلّم موسيقى هو من الميزات التي يقدمها المقهى.

من الموسيقى، والفن والكاريوكي، وصولاً إلى الرسم، والسحر و دورات الشطرنج، تقدم “نخلة التنين” واحة ثقافية – ترفيهية، فيما يطمح القيمون عليها لجعلها أكثر انسجاماً مع الرواد، فها هم يستعدون لافتتاح مسرح في الطابق السفلي، ومساحة خاصة لأولئك الذي لا يهوون رائحة الدخان فيبحثون عن القليل من الهدوء لإنجاز أعمالهم.

في المقهى هناك أيضاً “مكتبة”، لهواة القراءة، وشاشة كبيرة لمشاهدة الأفلام، أما الاجتماع الموسيقي الذي ينقلنا بين الأزمنة الفنية فهو شبه يومي.. ولا يحتاج لتنسيق كل ما يتطلبه صوت جميل وعزف مبدع، بهذه البساطة يلخص علاء الصورة.

“نخلة التنين” هي صورة مصغرة عن هوية طرابلس، صورة موسيقية لم ولن تغيب عن المدينة، مهما حاولت يد الظلام شيطنتها بالعزف الهجين.

المصدر: لبنان 24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button