إكودار أو المخازن الجماعية.. أقدم بنوك العالم
المغرب – وليد بليلة
ربما قد تتفاجئ حينما تقرأ أن أحد أقدم البنوك في العالم شيد هنا بتخوم المناطق الأمازيغية الوعرة التضاريس. بهندسة معمارية فريدة من نوعها، وإتقان شديد، وبساطة في البناء، يمكن أن نعتبر “إكودار” واحدة من المعالم الحضارية التي تؤرخ لحضارة الإنسان الأمازيغي الشمال إفريقي وما شيده من مآثر معمارية فريدة ومتميزة.
ما هو “إڭودار”
“إڭودار” هو اسم أمازيغي مفرده “أڭادير” ويعني باللغة العربية المخازن الجماعية، وهو بناء واسع يستعمل في تخزين المؤن والممتلكات الخاصة ويستخدم أيضا كمأوى للحماية من طرف السكان خلال الحروب والصراعات، ويشيد غالبا على نقطة مرتفعة يصعب الوصول إليها، تتواجد هذه البنايات بمنطقة سوس الأمازيغية خصوصا في قبائلها ذات التضاريس الجبلية.
يصعب تحديد تاريخ بناء هذه المنشآت، إلا أن الباحثين والمهتمين يربطون بناء هذه المخازن الجماعية بسياق تاريخي عرف بالاضطراب واللا استقرار، ويشير معظمهم إلى أن القبائل المغربية المنشئة لهذا النمط من العمران كانت تسعى إلى أن تساعدها هذه البنايات في التأقلم مع طبيعة نمط عيشهم ونشاطهم الاقتصادي.
تؤرخ هذه المعالم التاريخية لمرحلة عرفت بالاستقلال القبلي وسيادة نظام المؤسسات القبلية (الأمغار – الجماعة – انفلاس) والمقصود هنا ذلك النظام الذي يحتكم إلى القوانين العرفية في تنظيم شؤون القبيلة المختلفة في زمن الحرب والسلم، بما في ذلك إنشاء وتدبير مخازن جماعية تؤمن حاجيات السكان في أوقات الشدة والرخاء لتحقيق الأمن الغذائي من جهة، وتؤمن الممتلكات الخاصة لأفراد القبيلة من جهة أخرى.
مواد البناء
جميع المواد المستخدمة في البناء محلية، من أحجار وقصب وأخشاب وطوب وماء وطين وجير، تحمل على ظهر الدواب والعمال والحرفيين، وبحكم أن أغلب الأماكن التي تشيد عليها هذه البنايات تكون مرتفعة فإن على العمال والحرفيين وسكان المنطقة تحمل وعورة التضاريس لبناء واستخدام البنايات، ودائما ما يعمد سكان القبائل إلى اتخاذ تلك الأماكن الوعرة والمرتفعة والصعبة الوصول مواقعا لمنشآتهم ذات الأهداف الأمنية والمراقباتية.
معظم المخازن الجماعية تبنى بجدران من تراب مدكوك وآجور مجفف عادة ما تكون مزدوجة من الخارج تملأ وسطها برمال تنذر ساكنيها بخطر الحفر كلما تعرضت لذلك من الأعداء مع مراعاة لون البناية الذي يجب أن ينسجم مع لون تربة المنطقة ضمانا لعنصر التمويه.
لماذا بني “إكودار” أو المخازن الجماعية
توحي لنا طبيعة هذه البنايات إلى أنها بنيت لأسباب أمنية حيث تمت مراعاتها أثناء عمليات التشييد والبناء حيث أبراج المراقبة، منافذ للأسلحة وأبواب وحصون منيعة وألواح تابوت من طين لا يوضع في الألواح إلا بعد مدة طويلة قد تصل إلى شهر أو أكثر تختلط فيه الحصى والأتربة والتبن والجير حتى تختمر لتحقق درجة عالية من التماسك في الجدران.
وتستخدم أيضا كأداة لتوفير الأمن الغذائي وحماية المؤن والمواد الغذائية، وتقسم عادة إلى غرف مقفلة توزع بالقرعة بعد بنائها على أرباب الأسر الذين يعتبرون المخاطب الوحيد مع بواب المعروف أمازيغيا باسم «أدواب» الذي يعتبر الحارس الأمين على ممتلكات القبيلة وذخائرها النفيسة بدءا من مواد غذائية كالحبوب والقطاني والزيت والسمن واللحوم الجافة والخضر والفواكه الجافة والصوف والأفرشة.
يتم اختيار البواب ”المسؤول” في إطار توافق جماعي يحظى من خلاله بثقة الجميع وعادة ما يختار بالتناوب بين عناصر القبيلة بشكل سنوي، ويشترط عليه أن لا يتعامل إلا مع أرباب الأسر وأن يملك المفتاح الرئيسي لـ”إيكودار”، ولا يحق لأي أجنبي الولوج إليه إلا بإذن منه، وتوفر له الوسائل المناسبة للدفاع وحماية المنشئة من أهل عملية نهب أو سرقة.
تجسد إكودار أو المخازن الجماعية معلمة تاريخية تراثية ذات بعد حضاري وعمراني كبير متميز، إلا أنها لم تحظى بالاهتمام الذي تستحقه وظلت رهينة التهميش والنسيان إلا من بعض المحاولات والمبادرات التي قادها باحثون ومهتمون بهذا التراث الحضاري.
ويمكن اعتبارها بناية معمارية ذات ثقل تاريخي كبير حيث أنها بمثابة بداية لمرحلة التحول لدى القبائل الأمازيغية من حياة الترحال إلى حياة أنصاف الرحل وضمنت لهم حياة الاستقرار، كما تحمل بين ثناياها العمرانية دلالات ثقافية ومعاني كثيرة تدل على التعاون والتضامن والتماسك الاجتماعي، إضافة إلى كونها أداة لتحقيق أمن القبيلة في جوانب مختلفة خاصة الأمن الغذائي وأمن الأشخاص والممتلكات الرمزية ذات الصلة بنمط عيشها آنذاك.