الحقوق الفردية .. للشجعان فقط* سيماء المزوغي

النشرة الدولية –

عادة يحتمي الفرد بالجماعة كي يطمئن لرأي يصدح به.. وفِي الحقيقة عندما يصدح وسط الجماعة لايصدح إلا بما يطمئنها.. ولأن أيضا من يحتمي بها لن يخرج عن جلبابها.. الشجاع وحده من يصدح برأيه عاليا.. ولا يهمه سلطة الجماعة ولا أحكامها .. ولأن الجماعة التي اعتادت ألوان النفاق الاجتماعي لا تأبه بالحقوق الفردية لأنه يعرّي نفاقها ويخلخل نواميسها ويكسر مسارا كاملا من طقوسها وأحكامها وشروطها واملاءاتها ويسقط كل أنواع أقنعتها.. فالحقوق الفردية لا يصدح ولا ينادي بها الا الشجعان .. ولا يدافع عنها الا الشجعان كذلك.. سيمرّ مشروع المساواة في الميراث دون شك وربما هذه هي شعرة معاوية المتبقية التي ستقطع الحبل مع أحكام الشريعة التي بقيت منثورة في أحكام المواريث .. غير ان مسألة الحريات الفردية تبقى نقطة استفهام كبرى.. لان الانتكاسة يمكن ان تحدث هنا وهناك.. لأننا في واقع متحرك .. ولا استقرار فيه أبدا..

مادامت المخاطر مازلت تحدق بالنموذج المجتمعي التونسي .. نموذج الاجتهاد والتحديث والانفتاح .. وتريد سحبه لمربع أسود يحكمه التيوقراطيون..فهجمات الردة لا ولَم تيأس ولن يهدأ لها بال حتى ترّكع النموذج التونسي لتجعله محافظا رجعيا ماضويا .. لن يهدأ لها بال حتى تجعل التونسي يرتكب جريمة غسل العار .. وتعيد سطوة الشريعة في تفاصيل حياة الناس.. مادامت النماذج التيوقراطية تحاول أقحام نفسها في حياة التونسيين عسى ان تكسر شوكة هذا التونسي الذي تجرأ على شريعتهم وهدد نموذجهم وفتح اعين شعوبهم الحالمة .. ومع ان اكتساب الحقوق وممارسة الحريات الفردية خاصة تبقى رهينة الوعي الفردي والجمعي أيضا ، الا اننا لا يمكن ان نطمئن إلا إذا أدرك المواطن أنه مهدد كنموذج كي يبقى العين الساهرة لحماية مُواطَنَته تشريعا وممارسة. ولان الدولة ليست مجالا للصراع.. ولأن الحديث عن الاسلام يطول، فالاسلام السياسي ماض في ابتلاع الاسلام كمعطى حضاري وثقافي، ولأنّ أبواق الاسلام السياسي خاصة تلخّص الاسلام في نقطة واحدة وهي الشريعة : حلال وحرام.. نختصر خلاصة القضية من خلال الإجابة عن سؤال: عن أي إسلام نتحدث؟ لا إجابة عن هذا السؤال في زمننا هذا غير عقلنة المجتمع والسياسة.. حماية للدولة والمجتمع وللإسلام نفسه.

آن الأوان أن نفك أحجية الحقوق والحريات الفردية.. فالمواطنة أشمل من جماعة “موش وقتو”، وإخوانهم من جماعة “شرع ربي” وكل من يتفرع عنها من نظريات وشنفريات وكلاميات وبهلوانيات ومرجعيات واهية.. المواطنة هي الحريات العامة وأيضا الحريات الفردية.. وهي حريات مواطنية بحتة ولا تُطرح من زاوية الهيمنة الثقافية الامبريالية.. فمن يؤمن قولا وفعلا بمبادئ الجمهورية وبعلوية القانون.. ومن يُؤْمن أن الحرية في النهاية ليست إلا حقك في أن تكون مختلفا.. الحرية لا تكون كذلك إلا بحرية الضمير وحرية الجسد..وبالمساواة التامة.. لقد آن الأوان أن ننزع أقنعة النفاق، أن نتصرف كبشر راشدين لا كأوصياء على البشر، أن نتصالح مع المختلفين، أن نلجم مفردات النفاق الاجتماعي إلى الأبد.. آن الأوان أن نقاوم غرورنا وتضخم أنواتنا وأن ننسى صراعاتنا السياسية ونتحد حول حقوقنا الفردية.. فاليوم أو غدا سننالها.. فلماذا لا نتحد حولها دون مزايدات وتلاعب؟ فالحقوق الفردية لا يصدح بها إلا الشجعان.. الشجعان جدا في هذه الغوغاء التي تعلو.. آن الأوان أن نفهم حرية الجسد التي لا تعني أساسا الحرية الجنسية فقط، إنما تعني حرية الفرد في جسده.. ومن هذا المنطلق ظلّ الجسد رهينا للأحكام الأخلاقية، وللعقوبات المعنوية والمادية، فالجماعة ومن ورائها القوانين العالقة تطمس تلك العلاقات بين الراشدين وتحاكمها.. عار أن يحاكم الفرد لاختياراته الجنسية.. عار أن تقتل الجماعة جسده معنويا ومجتمعيا و”أخلاقيا”.. عار أيضا أن يحاكم أو ينبذ الفرد باسم المعتقد والضمير في الأخير إن الحرية هي نتاج النظام، والمواطنة المتساوية هي لبنة أساسية من لبنات النظام والسلم الاجتماعي والنفسي وحتى الإستراتيجي، وكما أنّ ثمن الحرية هو اليقظة الدائمة، فلا بدّ لنا أن لا ننام أمام حقوقنا الانسانية الكونية… لا بد أن نحترم إنسانية الانسان وكرامته .. مازالت المعركة مستمرة..

زر الذهاب إلى الأعلى