فايننشال تايمز: «وول ستريت» تعيش أسوأ نهاية عام منذ 1931… ستاندارد آند بورز 500 انخفض 12.5% هذا الشهر وحده
النشرة الدولية –
بما أننا نقترب من نهاية دورة اقتصادية، تكون الميزانيات العمومية في هذا الوقت ذات أهمية قصوى. فهي تفسر لماذا أصبح المستثمرون قلقين بشأن مستوى ديون الشركات المتراكمة على مدى العقد الماضي.
لكن في الوقت الحالي هناك ميزانيات عمومية واحدة متقلصة تخيم على النظام المالي بأكمله، هي ميزانية الاحتياطي الفيدرالي. أهمية المخزونات الضخمة من السندات لدى الاحتياطي الفيدرالي التي يسمح لها بالتناقص بوتيرة تبدو متواضعة تبلغ 50 مليار دولار شهريا، زادت الأسبوع الماضي عندما تحدث جاي باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، عن هذا الموضوع في مؤتمر صحافي.
بعد أن رفع أسعار الفائدة لليلة واحدة وخفض التوقعات بشأن سرعة التشديد في عام 2019، أثار باول رد فعل سلبي للغاية في أسواق الأسهم والائتمان عندما أكد أن وتيرة الانكماش الشهري البالغة 50 مليار دولار كانت “تحدث تلقائيا”.
المنطق الذي يقوم عليه موقف البنك المركزي هو أن الرسالة المتناسقة في الميزانية العمومية، التي تضخمت بفضل برنامج التسهيل الكمي الذي أطلقه الاحتياطي الفيدرالي، مفيدة للمستثمرين. لكنها تشير أيضا إلى أنه حتى إذا كانت سوق السندات قد أصابت في قرارها المتمثل في عدم وجود زيادات في أسعار الفائدة العام المقبل، إلا أن وجود ميزانية عمومية منكمشة يعني أن المستثمرين ما زالوا يواجهون خسارة السيولة السهلة. أكثر من ذلك، عندما يخبر رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأسواق بأن قرارات البنك المركزي تعتمد على البيانات، لكنه بعد ذلك يلتزم بالخطة الحالية في الميزانية العمومية، فإنه يعاني مشكلة كبيرة في التواصل.
اتفقت آراء المستثمرين على أن قمع عائدات السندات الحكومية عبر التسهيل الكمي أعطى دفعة للأصول الخطرة مثل الأسهم والائتمان. مع تفكيك الاحتياطي الفيدرالي ميزانيته العمومية وإنهاء البنك المركزي الأوروبي برنامج شراء السندات الخاصة به هذا العام، يقدر محللون في “تي إس لومبارد” أن “صافي السيولة المتاحة من المصارف المركزية الأربعة الكبرى سيبدأ في التقلص مع بداية العام المقبل”.
مع تسارع وتيرة التشديد الكمي، فإن إعادة التسعير الموجع للأسهم والائتمان أمر لا مفر منه. خلال معظم أيام السنة، تعاملت وول ستريت مع هذا بشكل جيد وكانت البورصة الأمريكية، شركات التكنولوجيا، هي الفائز الواضح في وقت عانت فيه الأسواق الناشئة وأسواق الأسهم العالمية المتقدمة الأخرى خلال الصيف.
منذ تشرين الأول (أكتوبر) تقلصت الفجوة بين الأسواق الأمريكية وبقية العالم بدرجة كبيرة وتسارع التقلص مع اقتراب نهاية العام. والوقت الحاضر هو الفترة التي يتجه فيها مديرو الصناديق – الذين يتم الحُكم على أدائهم على مدار العام – إلى تقليص المراكز، وحساب المكاسب والخسائر للعام. مع ذلك، هذا العام السلوك القياسي ضغطت عليه رحلة ضخمة للخروج.
مؤشر ستاندارد آند بورز 500 انخفض 12.5 في المائة في هذا الشهر وحده، في حين انخفض مؤشر فاينانشيال تايمز لجميع الأسهم العالمية “باستثناء الولايات المتحدة” 6 في المائة. ولا يوجد أي إحساس، إلى الآن، بالتخلي عما كان عاما سيئا بالنسبة إلى معظم فئات الأصول. وكون مؤشر ستاندارد آند بورز 500 يواجه أسوأ كانون أول (ديسمبر) منذ عام 1931 ينطق بكثير عن الضغوط في السوق.
أحد التفسيرات لرد الفعل العنيف للأسهم على تعليقات باول عن الميزانية العمومية هو أن المستثمرين يعتقدون أن هذا النهج يزيد من فرص ارتكاب خطأ في السياسة، حيث يشدد البنك المركزي كثيرا وينتهي الاقتصاد في نهاية الأمر إلى حالة ركود.
ما يترتب على ذلك من انخفاض في قيمة الأصول ذات المخاطر العالية يمكن أن يغذي نفسه بنفسه. فالبيع يولد البيع لأن انخفاض الأسهم وأسعار الائتمان يجبر المستثمرين على الاستسلام. بغض النظر عن أن أسعار الأسهم أصبحت أرخص من أي وقت مضى، إلى جانب حقيقة أن الاقتصاد الأمريكي وأرباح الشركات لا يزالان في طريقهما إلى التوسع في العام المقبل، فإن المزاج يتمحور الآن حول الخروج من الأصول ذات المخاطر العالية.
الصعوبة التي يواجهها المستثمرون – الذين ينبغي لهم البحث عن الصفقات وسط الأنقاض – وصانعو السياسة في الاحتياطي الفيدرالي هي محاولة تحديد إلى أي مدى سيستمر تفكيك التداولات والمحافظ التي قامت على الرفع المالي خلال عهد الأموال الرخيصة. هناك شعور عام يغلب على ظن الناس، وهو أن هناك مزيدا، خاصة إذا أدى تمويل سداد الديون في أوائل العام المقبل إلى إجبار مزيد من بيع الأسهم والائتمان.
مثل هذا السيناريو يثير خطر أن ينتقل المزاج السائد في السوق إلى شعور المستهلكين والشركات، وهو خطر تم الإقرار به في البيان الخاص بسياسة الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي، الذي أشار إلى “التطورات المالية” و”آثارها في التوقعات الاقتصادية”.
يغلب على هذه الفصول أن تنتهي بحيث يقوم الاحتياطي الفيدرالي، بعد فترة من المقاومة، بالتراجع وإعطاء السوق الوقت للاستقرار وذلك من أجل حماية الاقتصاد من الأذى. إذا استمرت العاصفة الحالية في السوق تهب خلال عام 2019 – دون أن نرى زخما يذكر بشأن التجارة الصينية ـ الأمريكية أو أي علامات على الضعف في البيانات الاقتصادية الأمريكية – عندها ستحل بسرعة فترة من التوقف المؤقت من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
عندما يعقد باول مؤتمره الصحافي المقبل بعد اجتماع صناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي في أواخر كانون الثاني (يناير)، ينبغي أن نحصل على صورة أوضح حول ما إذا كان القلق القوي السائد حاليا في السوق هو بصفة أساسية مجرد ضجيج، أم أنه أمر أكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى البنك المركزي. حتى ذلك الحين، من المهم التماسك في مواجهة العاصفة.