مصالحة ترامب وأردوغان تقارب جديد يثير الكثير من الأسئلة؟

النشرة الدولية –

بعد أزمات متكررة، انتهى التوتر وحلّت محله الإشادة. ترامب وأردوغان يفتحان صفحة جديدة في علاقاتهما. لكن هناك الكثير من الأسئلة. فمن سيستفيد من سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا؟ وهل يصمد “الصلح” أمام تحديات منطقة مشتعلة؟

بعد شهورٍ عجاف، بدأت العلاقة الأمريكية-التركية في التحسن، والإشارات متكرّرة على ذلك، منها ما كتبه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً، من أن نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، هو “الرجل الذي يستطيع اجتثات ما تبقى من تنظيم داعش في سوريا”، وذلك بعد مكالمة هاتفية بينهما أعلنا فيها الاتفاق على مستقبل التنسيق في سوريا، إثر قرار ترامب سحب القوات الأمريكية، وعلى زيادة التنسيق في قضايا أخرى منها العلاقات التجارية.

ويأتي موسم الود بين الرئيسين بعد أزمات متكررة، كادت تعصف بعلاقة الطرفين، منها احتجاز تركيا للقس الأمريكي أندرو برانسون، وما نجم عن ذلك من عقوبات اقتصادية أمريكية على تركيا، ودعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، وهي الوحدات التي تصفها أنقرة بالإرهابية، وكذا شراء تركيا لأسلحة متطورة من روسيا، الأمر الذي رأته واشنطن تهديداً لحلف شمال الأطلسي.

ويثير هذا التقارب الجديد الكثير من الأسئلة حول أسبابه، وهل يتعلّق الأمر بدفن كلّ الخلافات التي حدثت بين الجانبين؟ أم أنه مجرّد فصل قد ينتهي في علاقة حكمها المد والجزر؟ خاصة مع استحضار وقائع لترامب أعلن فيها مواقف بعينها، ثم ما لبت أن أعلن مواقف أخرى تعاكسها. كما تُطرح أسئلةٌ أخرى حول التداعيات الممكنة لهذا التقارب الجديد، مع ما يكتنفه من تحديات قد تجعل العلاقة على “كف عفريت”.

انسحاب مُريح للطرفين؟

لم يُخفِ أردوغان نظرته الإيجابية لقرار سحب الجنود الأمريكيين من شمال سوريا، إذ أشار إلى أن تركيا مستعدة لدعم “حليفها الأمريكي” في إطار هذا القرار، وهو موقف منتظر من أردوغان، الذي كان يخطّط لشنّ عملية عسكرية واسعة ضد المقاتلين الأكراد في الشمال السوري، وقد كان وجود القوات الأمريكية في هذه المنطقة واحداً من العراقيل في وجه تركيا، التي ترى في استمرار المقاتلين الأكراد على حدودها مع سوريا خطراً على أمنها القومي.

ويرى حسن كاوه، نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد “ايست ويست”، في حديث مع DW عربيه أن أنقرة ترى أن واشنطن أخذت تهديداتها بشأن تنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا على محمل الجد، “لذلك جاء الإعلان التركي عن تأجيل العملية”. وفي المقابل، يقول المحلل السياسي، مصطفى حامد أوغلو، من تركيا، لـDW عربية، إن موقف ترامب يشكّل قراءة جديدة من بلده، عنوانها “التعاون والتنسيق مع تركيا التي تضع ضمن أكبر أولوياتها منع تكوين كيان انفصالي يهدّد وحدة الأراضي السورية والتركية”، في إشارة منه لوحدات حماية الشعب الكردية.

وإن كانت الاستفادة التركية من القرار الأمريكي واضحة، ولو على الأمد القريب، فإن الاستفادة الأمريكية في موضع شك، وهو ما يبرزه كاوه حسن، مشيراً إلى أن جلّ المسؤولين الأمريكين ستكون لديهم إشكالية عميقة مع هذا القرار المفاجئ الذي اتخذه ترامب، خاصة وأن واشنطن ستفقد بهذا الانسحاب ورقة استراتيجية مهمة في الشرق الأوسط، وستفقد معه مصداقيتها كدولة عظمى يمكن الاعتماد عليها، سواء من لدن الأكراد، أو من لدن قوى أخرى في المنطقة، يقول المتحدث.

بيدَ أن أطرافاً أخرى ستستفيد من هذا القرار، منها أساساً التحالف الإيراني-السوري-الروسي، الذي سيجد الساحة خالية بشكل أكبر أمامه لتوسيع نفوذه في البلد، يقول كاوه، لكن المستفيد الأكبر، يستدرك المتحدث، هو “تنظيم داعش الذي سيجد الطريق سالكة أمامه للملمة شتات مقاتليه، في وقت سيكون فيه المقاتلون الأكراد، الخاسر الأكبر، من انسحاب حليفهم الأول”، وهو موقف يتوافق جزئياً مع مواقف قوى دولية اعتبرت أن خطر “داعش” لم ينته بعد في سوريا.

هل يمكن لتركيا التعويل على ترامب؟

أعلن ترامب منذ أشهر أن السبب الرئيسي لوجود قوات بلاده في سوريا هو القضاء على داعش، وهي مهمة قد تمت حسب وجهة نظره، لكن الإدارة الأمريكية كانت تتحدث كذلك عن وجود أسباب أخرى للاستمرار في سوريا، منها مواجهة استخدام الأسلحة الكيماوية ومواجهة إيران. مثل هذه المواقف المتعارضة تكرّرت في فترة ترامب الذي تقلّب كثيراً في تصريحاته، بشكل أثّر حتى على تحالفات بلاده التقليدية.

“هذا القرار يثبت أن شخصية الرئيس الأمريكي ترامب يمكن أن تقوم بأيّ شيء في أيّ لحظة”، يتحدث كاوه حسن، مبرزاً أنه في الوقت الذي يسيطر فيه أردوغان على نفسه ويجنح غالباً نحو قرارات في صالح دولته، فإن ترامب فجائي في مواقفه، بشكل جعل مسؤولين كبار في أمريكا يقتنعون أنه يؤثر على المصالح الاستراتيجية الأمريكية.

لكن مصطفى حامد أوغلو، لا يرى أن قرار ترامب ارتجالي، بل يعدّ امتداداً لوعودٍ مماثلة أطلقها خلال الحملة الانتخابية الرئاسية وتراجع عنها سابقاً بسبب تأثير بعض المقربين منه. ويتابع أوغلو لـDW عربية أن الأتراك مقتنعون بأنه في كل مرة يتواصلون فيها مع ترامب لوحده، يتمكن الرئيس الأمريكي من قراءة الصورة بشكل صحيح في الملفات التي تجمع البلدين.

وما يجعل القرار الجديد قريبا من عقلية ترامب، التي تهتم بحسابات الربح والخسارة، هو اعترافه سابقاً أن بلاده أنفقت مبالغ باهظة في الشرق الأوسط ولم تجن من ذلك شيئاً. ويظهر أن ترامب يحاول الاستفادة من التجربة العراقية، عبر الخروج بأقلّ الأضرار من سوريا، خاصة وأن روسيا استطاعت توسيع نفوذها في البلد ذاته.

تحديات تجعل العلاقة على “كفّ عفريت”؟

توجد العديد من التحديات التي تواجه أيّ تحالف أمريكي-تركي، منها العلاقة المضطربة بين أنقرة وتل أبيب، والتقارب التركي-الروسي، الذي ظهر في شراء أسلحة روسية متطورة وفي تفاهماتٍ داخل الأراضي السورية. لكن حامد أوغلو متفائل بأن جلّ الملفات الثنائية العالقة بين واشنطن وتركيا ستجد حلولاً لها إن جرى حلّ الملف الكردي في شمال سوريا، مستبعداً أيّ تأثيرٍ للتوتر التركي-الإسرائيلي في هذا السياق، لأن واشنطن، حسب نظره، اتخذت قرارًا يهم مصالحها، رغم أنه سيزعج القيادة الإسرائيلية، (يقصد قرار الانسحاب من شمال سوريا).

ويمتد تفاؤل حامد أوغلو إلى مستقبل الحلّ السياسي في سوريا، إذ يقول إن تركيا لم تجد سابقاً خياراً عن التقارب مع روسيا بما أن الأولى ترغب في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، لكن ستتغير المعطيات الآن، ويضيف: “سيساهم التفاهم الأمريكي-التركي في تقوية موقفهما من الأزمة بضرورة رحيل نظام الأسد، وهو موقف لا تشاطره معها روسيا”.

وعموماً تبقى التحالفات “جد مرنة” في منطقة الشرق الأوسط بتعبير حسن كاوه، والتقارب الذي يجري اليوم قد ينتهي غداً ويتحوّل إلى توتر، لا سيما مع جري كل القوى وراء لغة المصالح، ومع التطوّرات المستمرة على الساحة السورية، ومع التحوّلات الجارية في أكثر من بلد، ومنها الولايات المتحدة، التي قد تتغيّر سياستها الخارجية بالكامل في حال وصول شخص آخر، بدلاً من ترامب، إلى سدة الرئاسة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى