خيارين أمام أسواق المال في 2019 إما الركود أو التصحيح القاسي
النشرة الدولية –
مع اقتراب 2018 من نهايته،تتباين توقعات المشهد الاقتصادي للعام الجديد، التي من المرجح أن يكون جزءا كبيرا منها نتائج مرتبطة بالقرارات الاقتصادية للعام المنتهي.
أكثر التوقعات قبولا بين الخبراء والاقتصاديين الدوليين، تظهر في قناعتهم بأن الحرب التجارية التي اندلعت بين الولايات المتحدة والصين، ستظهر نتائجها العام المقبل، وتستمر في إثارة قلق المستثمرين وإصابة الاقتصاد بالتوتر، وجعل بيئة الاستثمار أكثر صعوبة.
ولهذا يتوقع تصاعد الخسائر المالية التي طالت هذا العام بعضا من مؤشرات أسواق المال الرئيسية، إذ قدر بنك أمريكان ميريل لينش بأن الحرب التجارية تتحمل نحو 6 في المائة من الخسائر التي مني بها مؤشر S&P 500 في البورصة الأمريكية، ونحو تريليوني دولار أمريكي خسائر في البورصة الصينية.
وهو ما دفع الخبراء أيضا إلى وضع أسواق المال في العام الجديد أمام خيارين، وهما الركود أو إجراء عمليات تصحيح عنيفة تعيد تشكيل المسار الاقتصادي الكلي للعالم.
من جانبه، يرى الدكتور واد كالفين أستاذ الاقتصاد العالمي في جامعة نيوكسل، أن “الملمح الأساسي للبيئة الاقتصادية الدولية في العام المقبل، يمكن اختصاره في تراجع معدل النمو العالمي، وارتفاع معدلات التضخم، فالمتوقع أن يتباطأ النمو العالمي إلى 2.9 في المائة كحد أدنى، و3.5 في المائة كحد أقصى، وهذا أقل من المعدل المحقق هذا العام، والمتوقع أن يبلغ 3.7 في المائة”.
وبشأن انخفاض النمو، أرجعه كالفين إلى تراجع معدل نمو الناتج المحلي للولايات المتحدة، التي تظل قاطرة الاقتصاد العالمي إلى حدود 2.4 في المائة العام المقبل، حيث ستتلاشى النتائج الإيجابية للإصلاح الضريبي للرئيس ترمب، بينما تواصل أسعار الفائدة ارتفاعها، كما ستبرز النتائج السلبية للحرب التجارية مع الصين بشكل أكثر قوة.
وتشير التوقعات إلى أن تباطؤ النمو الاقتصادي سيمتد إلى منطقة اليورو، وسينخفض في النصف الأول من عام 2019 بشكل أكبر من النصف الثاني، وقد يصل إجمالي النمو إلى 1.9 في المائة، إلا أن تلك النسبة قد ترتفع إلى 2.1 في المائة إذا اتسم خروج بريطانيا باليسر والسلاسة، وفي اليابان سيقف نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأغلب عند حدود 1 في المائة، ولن يتغير كثيرا عن نمو هذا العام.
في المقابل، تبدو الصورة في الأسواق الناشئة مختلطة بعض الشيء، فالصين والاقتصادات الآسيوية ستتعرض على نطاق واسع لضغط التوترات التجارية، وانخفاض الطلب في القطاع التكنولوجي، ولربما يتقلص النمو الصيني من 6.6 في المائة هذا العام إلى 6.2 في المائة العام المقبل.
ومع هذا ستكون بلدان أمريكا الجنوبية النقطة المضيئة في الأسواق الناشئة، حيث يتوقع أن يتحسن أداء الاقتصاد البرازيلي، أكبر اقتصادات القارة، ليرفع من المعدل الكلي لنمو الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا الجنوبية.
لكن المشكلة التي ستواجه الاقتصاد الدولي في العام المقبل، تتركز في التضخم، إذ سيترافق النمو المنخفض مع ارتفاع في معدلات التضخم لتصل إلى 2.9 في المائة نتيجة زيادة صادرات الأسواق الناشئة، بسبب تراجع قيمة عملتها في مواجهة الدولار.
وربما تكون معدلات التضخم المرتفعة واحدة من أبرز مشاكل الاقتصاد الأمريكي تحديدا في عام 2019، إذ يتوقع الخبراء أن تصل إلى حدود 2.7 في المائة.
من جانبه، يقول إل. آر. توماس الباحث في بنك إنجلترا، إن “ارتفاع معدلات التضخم الأمريكية لن تقف أسبابه عند حدود الحرب التجارية، وزيادة الرسوم الجمركية على الواردات، وإنما لأن الاقتصاد الأمريكي يقف عند نهاية مرحلة النمو في الدورة الاقتصادية الحالية”.
وسيترافق هذا المشهد مع ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية والتي ستصل إلى ذروتها في منتصف العام، كما سنشهد ارتفاعا مماثلا في عديد من الاقتصادات المتقدمة، خاصة من قبل المصرف المركزي الأوروبي، الذي سيوقف برنامج شراء الأصول والمعروف بالتيسير الكمي العام المقبل، ويبدأ في رفع أسعار الفائدة في شهر أيلول (سبتمبر) القادم، وتداعيات هذه الخطوة لا يمكن توقعها بشكل تفصيلي الآن، والسبب يعود إلى أن معدلات النمو في منطقة اليورو ستكون أقل من العام الجاري.
وفي هذا السياق، أوضح كالفين أن “الأسواق الناشئة قد تستفيد إذا نجح الرئيس الأمريكي في تطبيق سياسة إضعاف الدولار، فهذا سيخفف الضغوط على الاقتصادات الصاعدة، وتحديدا على العملات المحلية، وفي العام المقبل هناك مجال ملحوظ للاقتصادات الناشئة للاستفادة من تلك البيئة الاقتصادية”.
ويتابع قائلا” العكس تماما سيحدث في منطقة اليورو، فالعملة الأوروبية الموحدة سيناريو أكثر تفضيلا لاقتصادات منطقة اليورو”.
إلا أن السؤال الأهم الآن يتعلق بالتوقعات الاقتصادية لعام 2019، التي تدور في فلك أسواق المال العالمية، حيث شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2018 تقلبات عنيفة في الأسواق، وثار جدل كبير: هل تمثل تلك التقلبات منصة انطلاق جديدة في سوق الأسهم في العام الجديد؟ أم أنها جرس إنذار يدق بشأن وضع سلبي قادم؟
ماثيو جورج المحلل المالي في “بورصة لندن” يميل إلى تبني أفكار تشير إلى إقدام الاقتصاد العالمي في عام 2019 على حالة من الركود، ويؤكد أن علامات التباطؤ الاقتصادي تتراكم.
ويعتقد جورج أن “المؤشرات المتاحة تؤكد أننا نتجه إلى مرحلة من الركود الاقتصادي، فتقلبات سوق الأسهم خلال هذا العام، والقلق من عوائد سندات الخزانة، والتشنجات السياسية والشعبوية في أوروبا، تؤكد أن أسواق المال إذا لم تتجه نحو الركود، فإنها ستقوم بأكثر من عملية تصحيح عنيفة، وستهتز الأسواق في كل مرة بشكل قوي ومؤثر على مجمل المشهد الاقتصادي”.