لاجئون تحت رحمة البرد والصقيع في لبنان
بيروت – إنديرا مطر –
انحسرت العاصفة الثلجية «نورما»، التي ضربت لبنان لثلاثة أيام، ورغم الأضرار الجسيمة التي خلفتها على قسم من اللبنانيين، سواء في ممتلكاتهم الخاصة أو في الممتلكات العامة، والتي بدت أشبه بفضيحة كان يمكن تفاديها لو ان مؤسسات الدولة تقوم بواجباتها، فقد اتجهت الأنظار الى النازحين السوريين المقيمين بمعظمهم في خيام ومنازل من الصفيح والبلاستيك لا تمتلك مقومات الصمود امام غضب الطبيعة.
فالسوريون الذين يتعامل المجتمع الدولي على أنهم اعداد زائدة ويعتبرهم المجتمع اللبناني عبئا اضافيا ينهكه اقتصاديا واجتماعيا، واختبروا سبل الموت الكثيرة في بلادهم ولجأوا الى لبنان كملاذ يحميهم، تضرب لهم الطبيعة موعدا سنويا مع الموت والبرد والعوز وتفاقم معاناتهم المستمرة منذ ثماني سنوات، حيث اصابت العاصفة الاخيرة عشرات مخيمات اللاجئين السوريين، فأغرقتها تحت الثلوج والامطار والسيول، ولولا الصليب الأحمر الذي تولى نقل القسم الأكبر منهم الى عدد من المخيمات البعيدة عن خطر السيول، وإلى بعض المدارس الرسمية، لحصلت كارثة.
عرسال المطمورة
ومخيمات البقاع كانت الأكثر تضررا من العاصفة، وتحديدا بلدة عرسال التي تضم اكبر مخيم للاجئين السوريين بنحو 80 ألف لاجئ، فقد غطت الثلوج والوحول الممرات بين خيم اللاجئين الهشة، وبلغت سماكة الثلج المتساقط نحو متر، وانهارت ثلاثة ارباع الخيم، وتحدثت بعض اللاجئات عن فقدان الغذاء والخبز، واطلق العديد من اللاجئين نداءات استغاثة لانقاذهم من موت محتم. وقالت لاجئة هناك «لقد انهارت خيمتنا، والثلوج عزلتنا عن كل شيء، ولم يعد لنا سوى الله». ووصلت درجة الحرارة في عرسال الى ما دون الصفر، وغطت سماكة الثلوج أغطية الخيم 50 سم، ووصلت بين الخيم إلى المتر.
سيول جارفة في الشمال
ومن البقاع الى الشمال، تحديدا الى بلدة السماقية الحدودية عند الضفة اللبنانية لمجرى النهر الكبير، فقد اجتاحت سيول مياه النهر الكبير المخيم الذي يضم أكثر من 100 عائلة سورية، أي ما يزيد على 500 شخص، وخربت خيمهم.
مفوضية اللاجئين
ووفقا للمتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين في لبنان ليزا أبو خالد، فقد طالت الفيضانات اكثر من 66 مخيما غير رسمي، بينها 15 مخيما غمرتها المياه بشكل كامل او جرفتها. وأضافت ابو خالد «إن المفوضية وشركاءها يعتبرون أن نحو 50 الف لاجئ يعيشون في نحو 850 مخيما غير رسمي مهددون بالفيضانات»، موضحة أن «نحو 300 شخص نقلوا الى امكنة اخرى في الشمال والبقاع».
ورغم تأكيد المفوضية انه لم تسجل اي وفاة في المخيمات، وانها اتخذت اجراءات عاجلة لمواجهة الاحوال الجوية السيئة عبر توزيع الاغطية والفرش وخيم جديدة، فإن حالتي وفاة سجلتا امس، فقد عثر على جثة طفلة سورية تبلغ من العمر 8 سنوات كانت السيول جرفتها في منطقة المنية، من أمام منزلها إلى الوديان القريبة حين كانت تلعب برفقة شقيقتها على الطريق. وكانت طفلة سورية أخرى تدعى فاطمة الزين قد توفيت جراء الصقيع والثلوج فى بلدة عرسال، وقد وصلت الى المستشفى وهي في حالة تجمد، ولم تفلح محاولات الأطباء لإنعاشها.
من جانبه، قال وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي إن المنظمات الأممية والهيئات الإغاثية عملت على تأمين سكن للاجئين الذين تضررت خيمهم بشكل مؤقت، ريثما تنتهي العاصفة ويتم سحب المياه، وإعادة تأهيل المخيمات وحمايتها من السيول.
معاناة سنوية مع الصقيع
بحسب الإحصاءات الرسمية، يعيش على الأراضي اللبنانية، نحو مليون و200 ألف لاجئ سوري، يقيم غالبيتهم في مخيمات عشوائية في مناطق البقاع الشمالي خصوصا، وفي بعض مناطق الشمال المتاخمة للحدود السورية، إضافة الى وجود عدد منهم في منطقة شبعا الجنوبية. في مثل هذا الشهر من العام المنصرم، لقي 12 سوريا بينهم 3 أطفال مصرعهم جراء عاصفة ثلجية ضربت شرق لبنان أثناء محاولتهم التسلل إلى لبنان. وفي يناير 2015، قتل 5 لاجئين سوريين في لبنان، بينهم 3 أطفال، أثناء عبورهم من بلدة بيت جن السورية في ريف دمشق الحدودية مع لبنان، باتجاه بلدة شبعا الحدودية مع سوريا.
لاجئو الركبان والزعتري: البرد أكل من لحمنا
عاش لاجئو مخيم الركبان الحدودي خلال اليومين الماضيين أوضاعاً صعبة جراء الحالة الجوية التي تعصف بالمنطقة والتي أدت إلى تساقط كثيف للأمطار والثلوج، وقال سكان لـ القبس أن طفلة عمرها 3 سنوات توفيت جراء نقص التدفئة. بدوره قال محمد جابر لـ القبس عبر الهاتف: «الرياح العاتية اقتلعت خيامنا من أماكنها والبرد أكل من لحمنا». وتابع: «الكثير من السكان لا يجدون وسائل تدفئة، وفي أحيان كثيرة تتشارك أكثر من عائلة في وسيلة تدفئة واحدة». وأضاف «العالم برمته أدار ظهره لنا.. عشنا خلال اليومين الماضيين ظروفا صعبة للغاية وصلت إلى حد الموت البطيء».
وفي مخيم الزعتري القريب من محافظة المفرق، وللسنة التاسعة على التوالي يمر الشتاء قارسا على قرابة 80 ألف لاجئ يرزحون تحت وطأة ظروف صعبة رغم أن وضعهم أفضل من لاجئي «الركبان»، اذ ان بيوت الزعتري عبارة عن «كرفانات» فيما الركبان عبارة عن خيم.