مسرحية فرنسية للمخرجة فينيسا لاري تفكك فيها دور المرأة الذي اخترعه الرجال.
النشرة الدولية –
مازال فيلم كينج كونج منذ أول نسخة له عام 1933 يثير الجدل الثقافيّ والسياسيّ، بسبب ما يختزنه من متخيلات سينمائيّة تعكس تاريخ الاستعمار الأوروبيّ وسياسات الرجل الأبيض، وبعد أن صدرت نسخة المخرج الأميركي بيتر جاكسون من ذات الفيلم عام 2005، قامت الكاتبة والناشطة الفرنسيّة الحائزة على جائزة الغونكور فيرجيني ديسبانتيس بنشر مقال طويل بعنوان “نظرية كينج كونج”، والذي نقرأ فيه تحليلها للفيلم من وجهة نظر نسويّة، قارئة عبره سياسات الاغتصاب والدعارة والبنية الذكوريّة التي تُبيح الهيمنة الكاملة على الأنثى وتوظيفها في سبيل غواية “الآخر” سواء كان وحشا أو بشرا كما حصل في الفيلم.
وبحسب موقع “العرب” يشهد مسرح الورشة في العاصمة باريس عرضا مسرحيا بعنوان “نظرية كينج كونج” للمخرجة فينيسا لاري التي استندت فيه على مقال ديسبانتيس سابق الذكر، ونشاهد فيه ثلاث ممثلات يحدثننا عن مأساة الدور المؤنث، و”الرجال البيض” الذين فرضوا هذا الدور وجعلوه مناسبا تماما لرغباتهم، وعملوا على خلق نظام عقاب لكل من تخالف هذا الدور.
وهنا يبرز كينج كونج كمجاز عن كائن بلا جنس ولا دور اجتماعيّ يعيش ضمن جزيرة ذات علاقات اجتماعيّة مغايرة لتلك “الحضارية”، أمّا تعلّقه بالفتاة الشقراء فأساسه عاطفيّ، لا جنسيّ، فهو ينتمي إلى ما قبل التقسيمات الثنائيّة للجندر، هذه الخاصيّة استغلها الرجل الأبيض لأسره وتحويله إلى حيوان في السيرك، لخلق الاختلاف بيه وبين “البشري”، وبناء ذكورته عبر توليد حكايات عن “اشتهائه” للمرأة البيضاء الشقراء الغاوية.
يبدأ العرض بتساؤل تطرحه الممثلة عن رغبة بعض النساء بالغواية، وجعل أنفسهن متاحات للرجال، ولا نتحدث هنا عن الاتصال المباشر فقط، بل عن الحضور في الأماكن العامة بين الغرباء، وتبني كلام وثياب وتصرفات من أجل الحصول على “الرجل”، لا على أساس عاطفيّ، بل في محاولة لكسب قوّته المالية والاقتصاديّة التي يختزنها عملها، وكأنها تغوي الدور لا الإنسان، لتحدثنا بعدها الممثلة عن نفسها، بوصفها تلك التي لن يتزوجها أحد، فهي نقيضة كل رغبات الرجال.
يبدأ العرض بتساؤل تطرحه الممثلة عن رغبة بعض النساء بالغواية، وجعل أنفسهن متاحات للرجال، ولا نتحدث هنا عن الاتصال المباشر فقط، بل عن الحضور في الأماكن العامة بين الغرباء، وتبني كلام وثياب وتصرفات من أجل الحصول على “الرجل”، لا على أساس عاطفيّ، بل في محاولة لكسب قوّته المالية والاقتصاديّة
نكتشف لاحقا أن الممثلات الثلاث يؤدين أدوارا مختلفة، ففي البداية المرأة الغاوية، ثم الرافضة للغواية، وذلك لفضح تقنيات التملك التي يفرضها الدور الذي صممه الرجال للنساء، لينتقلن بعدها للحديث عن الثورة الجنسية والتحرر النسويّ الذي لم يُغير من البنية الذكورية وسمح لها بأن تمارس عنفها دون أي مساءلة، وهنا تبدأ الممثلات بتأدية أدوار المغتصبات، في انتقاد للاغتصاب بوصفه مؤسسة سياسية ذكورية تضمن نجاة الرجل.
فالمرأة هي التي تخضع للفحوص الطبيّة، كما عليها إثبات عدم رغبتها بالجنس وعدم محاولتها “جذب” المُغتصب، كذلك نشاهد انتقادا للاتفاق على الصمت المتعلق بالاغتصاب وعدم الرغبة بالحديث عنه، والأثر الذي يتركه على المرأة، والذي يتجلى مسرحيا في الأداء، وفي الدماء التي تلطخ الممثلات الثلاث، لننتقل بعدها إلى انتقاد المتخيل الذي زرعه الرجال في رؤوس النساء، والذي يشير إلى أن هناك احتمالا بالاغتصاب في حال أرادت المرأة أن تمشي وحيدة في الشارع، وكأن هناك طاقة ذكورية في الفضاء العام لا بدّ من التخلص منها في جسد المرأة مهما كان الثمن.
تنتقل بعدها الممثلات إلى أدوار بائعات الهوى في انتقاد شديد للدعارة والشروط القاسية لممارستها، ولا نقصد بها الحاجة الفرديّة للمال، بل الممارسة ذاتها مع الزبون، باعتبار الدعارة فعلا مشابها للاغتصاب، وعبرها يتملّك الرجل كامل جسد الأنثى، ليصبح مطابقا لمتخيله عن الرغبة، وكأن جسد المرأة ماكينة مخصصة لإمتاع الذكور، و”غرض” لا يشعر ولا يمتلك أي كرامة إنسانيّة، وهذا ما نتلمسه من حكايات الزبائن التي يروينها وكيفية ممارستهم لهذا الفعل ومعتقداتهم عنه، فبعض “الرجال” يراه خيانة وآخر يراه تحررا والبعض يرى فيها مجرد وسيلة ميكانيكيّة للتخلص من الشهوة.
تتضاءل قسوة العرض حين الحديث عن البورنوغرافيا مع العلم أنها معادل فج عن الرغبات الذكوريّة، إذ تسخر الممثلات من هذه الصناعة، عبر تبنيّ أداء رديء للممثلات الإباحيات، ويشرن إلى أنه ضمن هذه الصناعة تؤدي النساء بصورة متخيّلة، لا تطابق رغبات المرأة الجنسيّة.