“الإيكونوميست”: كيف سينعكس مصير العملة الأمريكية على الأسواق في 2019؟
النشرة الدولية –
بينما كانت تشهد الأسواق المالية تقلبات حادة خلال العام الماضي، ارتفعت العملة الأمريكية بنسبة 7% أمام سلة من العملات، لكن في سوق العملات فإن إحدى المقولات الأكثر تداولًا بين المستثمرين والمحللين هي “ما يرتفع يجب أن ينخفض في النهاية”، وهو ما يعتقد الكثيرون أنه سيحدث بحسب تقرير لـ”الإيكونوميست”.
تعتمد توقعات هبوط الدولار على تباطؤ ملحوظ لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، والذي تلقى دعمًا قويًا خلال العام الماضي، بفضل التخفيضات الضريبية التي أجراها الرئيس “دونالد ترامب”.
من المرجح أن يتلاشى أثر هذه التخفيضات، وستكون مهمة الفيدرالي لزيادة سعر الفائدة أكثر صعوبة، كما أن أسعار النفط المنخفضة هي عامل آخر قد يسهم في تباطؤ النمو الأمريكي، لأنها تضر بالاستثمار في الحقول الصخرية، رغم أنها تشكل دعمًا للبلدان المستوردة للنفط في أماكن أخرى من العالم.
سوق الأسهم في الولايات المتحدة متماسك نسبيًا، ولا تبدو شركات التكنولوجيا عرضة للخطر بعد الآن، وباختصار، فإن الفترة الاستثنائية للاقتصاد الأمريكي تقترب من نهايتها، ومع حدوث ذلك سيفقد الدولار الكثير من قوته.
لكن التغير المحتمل لن يحدث على وجه السرعة، ووفقًا لمحللي “نات-ويست ماركتس” فهناك ثلاثة شروط للتحول الحاد في قيمة الدولار، وهي توقف الاحتياطي الفيدرالي عن رفع الفائدة، والتوصل إلى اتفاق ينهي النزاع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم، وظهور علامات على انتعاش اقتصاد منطقة اليورو.
الشرط الأول أصبح أكثر احتمالًا الآن، بعدما ألمح رئيس الفيدرالي “جيروم باول” في الرابع من يناير/ كانون الثاني إلى أنه قد يبطئ وتيرة رفع الفائدة، وفيما يخص الحرب التجارية فقد أعلن الجانبان هدنة مدتها 90 يومًا وقاما بمحادثات لإعادة صياغة العلاقات، لكن البيانات الاقتصادية الأوروبية ما زالت ضعيفة.
قد لا ترتفع الفائدة الأمريكية عن مستوياتها الحالية بشكل كبير، بيد أنه حتى هذه المعدلات أعلى من نظيرتها في اليابان ومنطقة اليورو، ما يعني أن امتلاك الدولار لا يزال استثمارًا مجزيًا، لكن كيف ستتغير الأمور إذن؟
هناك سيناريوهان، في الأول ستُبدد غيوم الحرب التجارية، وستبدأ التخفيضات الضريبية والسياسة النقدية المتساهلة في الصين تحفيز إنفاق القطاع الخاص، وهو ما سينعش بدوره الاقتصادات الآسيوية الأخرى التي تدعم النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو، كون الأخير يعتمد بشكل كبير على الطلب في الأسواق الناشئة.
سترتفع عائدات السندات مع توقعات زيادة الفائدة في أوروبا، فيما ستتراجع في الولايات المتحدة، ما يتبعه انخفاض الدولار مقابل اليورو، وستتوصل بريطانيا إلى اتفاق يضمن لها خروجًا ناعمًا من الاتحاد الأوروبي، وستتجه رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة بحثًا عن عائدات أفضل، وستستعيد أسواق الأسهم العالمية صحوتها كما لو أن عام 2017 يعاد مرة أخرى.
في السيناريو الثاني، ستبدأ الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا وبلدان أخرى في التقلص، وسيرجع ذلك بشكل أساسي إلى تباطؤ النمو الامريكي وليس بناءً على بيانات وأداء قوي في هذه البلدان، وسيكون هناك تصعيد للخلاف التجاري.
مع تصدر عدم اليقين للمشهد، لن تكون هناك زيادة للإنفاق الخاص في الصين وبالتبعية لن تحظى الأسواق الناشئة الأخرى على الدعم المأمول في السيناريو الأول، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على اقتصاد منطقة اليورو.
في السيناريو الثاني أيضًا، يبيع المستثمرون الأصول الخطرة على نطاق واسع، وينخفض الدولار بحدة مقابل الين والفرنك السويسري، اللذين يشكلان ملاذًا آمنًا في أوقات الاضطراب، وسيظل اليورو ضعيفًا، ومع نقص عملات الملاذات الآمنة سيرتفع سعر الذهب.
إن مدى توافق الواقع مع أحد السيناريوهين يعتمد إلى حد كبير على ما سيحدث في الصين، فمن شأن أي اتفاق تجاري مع أمريكا أن يعزز عملات الأسواق الناشئة مقابل الدولار، كما هي الحال مع الحوافز المالية الفعالة.
يقول المحلل لدى “سوسيتيه جنرال”، “كيت جاكس”: يعتمد مسار الدولار مقابل عملات الدول الغنية على التباطؤ المحتمل في أمريكا، وإذا حدث ذلك بشكل مفاجئ ستتراجع قيمة العملة الأمريكية أمام الين، أم إذا كان تدريجيًا فستهبط أمام اليورو.
الطريقة التي سيهبط بها الدولار ستتحدد من خلال الأحداث المطروحة في الساحة الآن، وينصح المحللون الاستراتيجيون لدى “جيه بي مورجان” المستثمرين ببعض الإجراءات الاحترازية مثل شراء الين والفرنك السويسري والذهب، وهي أصول يحتمل ارتفاع أسعارها في حالات الذعر.