حافظ البرغوثي.. من رحم القرية الى عواصم العالم
رام الله – غادة دحلان
لم تكن حياة الصحفي والكاتب الناقد حافظ البرغوثي حياة عادية مقارنة بأبناء قريته.. مراحل حياته كانت بترتيب من القدر لم يخطط ايدا ان يكون صحفيا . غادر البلاد حالما بدراسة الطب او الفن في ايطاليا، وسرعان ما تغير مساره التعليمي نتيجة للاعباء الاقتصادية الى دراسة العلوم السياسية، والتي على أثرها اضطر الى تركها لاحقا مرغما نتيجة للظروف السياسية التي مر بها الشعب الفلسطيني و اندلاع حرب ايلول.
يسترجع البرغوثي ذكرياته في ايطاليا، وكيف أثرت معيشته فيها، ليصبح من أشهر الصحفيين في الكويت بداية. مكث في ايطاليا قرابة الثلاث سنوات، وتعلم اللغة الايطالية وقرأ كثيرا في مختلف العلوم والفنون، وكونه محزونا ثمنيا من الثقافة وكانه يعوض الكتب التي تمنى قراءتها في طفولته في زمن كان الكتاب المدرسي هو أقصى ما يمكن الحصول عليه، يقول البرغوثي “بصورة او باخرى قد تحققت نبؤة طفل ايطالي لديه المقدرة على رسم الاشخاص وتصور مستقبلهم.. وكان قد رسمه جالسا على طاولته يكتب.. وهكذا كان”.
القصيدة التي فتحت الابواب
انتهى به المطاف في الكويت بعد محاولات عدة للعثور على عمل في فلسطين المحتلة ولبنان والاردن ولكن اصراره وطموحه لم يتوقف يوما الا ان كتب قصيدة وأرسلها لجريدة الوطن الكويتية، نالت اعجاب رئيس التحرير آنذاك وهي بعنوان السيمفونية الدموية، ففتحت له عالم الصحافة. وتنقل بعدها حاملا قلمه وقضيته بين عواصم عربية وعالمية. وقد تقلد مناصب صجفية عدة وأصبح سكرتيرا للتحرير في جريدة الوطن ثم القبس الكويتية، وبالطبع تعرض لاوقات قاسية بسبب مقالاته ومواقفه، وكان شاهدا وناقدا لكثير من الاحداث السياسية والاجتماعية.
كتب البرغوثي الكثير من المقالات والتحاليل السياسيه، عن الواقع الفلسطيني والعربي، وقد تميز أسلوبه بالبساطة الممزوجة بالسخرية والنقد.. حتى ليكاد القارئ أن يميز كتاباته ان لم يذكر اسم كاتبها.
كتب ومؤلفات
تعددت مؤلفات وروايات حافظ البرغوثي، وكان أبرزها “عصر الانحطاط” في الثمانينيات، “دم الانتفاضة” في عام 1990 وفيه وثَّق حياة عدد من شهداء الانتفاضة الأولى، ” أحوال” ( كتابات أدبية ساخرة) عام 2004، ورواية سعيد الأول، واحدثت رواية “الخوّاص” التي كتبها البرغوثي في عام 2005 واثارت ضجة ادبية كبيرة، نظرا لأنها كانت مغايرة تماما لكتاباته السابقة التي تميزت باسلوب السخرية .
فهي أقرب إلى روايات السيرة والصوفية من وحي التاريخ والشخصيات الكنعانية الفلسطينية والحياة الواقعية، واحداثها مستوحاة من الأساطير والمعتقدات الكنعانية القديمة وحقبات الاستعمار المختلفة في فلسطين.
العودة لمسقط راسه
بعد رحلة حافلة من الإغتراب والكتابة، وتاريخ متوتر بالعمل والترحال.. ومرور بأحداث وأشخاص على مدى ثلاثة عقود وحصيلة كتب وروايات عديدة ….كان قد آن الآوان لحافظ البرغوثي العودة واشباع العشق الدائم للأرض وما تبقى من ذكريات الطفولة، فشارك كغيره في الانتفاضة الاولى ليس بقلمه مؤرخالها ولأحداثها فحسب، وإنما أيضا بجهوده السرية فيها. فلم يتوقف عن العمل الصحفي في الوطن وشغل منصب رئيس تحرير جريدة “الحياة الجديدة”، وتدريبه للعشرات من الكوادر الشبابية الصحفية، الا انه اعتبر ان تلك الفترة قد اعاقت عمله ككاتب وذلك نظرا لكثرة المسؤليات الادارية التي استنزفت طاقته بدلا من التركيز على الكتابة التي طالما أحبها. ولم تنتهي الرحلة فمازال المشوار طويلا بالنسبة لحافظ البرغوثي، وبقيت حكايا وروايات لم تكتب بعد…. جديده رواية عن مدينة القدس التي يعشق وتعرفه أزقتها وحاراتها عندما كان مرابطا في الاقصى زمن الانتفاضة الاولى، وايضا ناقلا وموثقا للاحداث بحكم عمله الصحفي. من يدري قد تكون تحكي الرواية عن بطولات مقاومي القدس أو قد تحكي عن قصة حب منسية ستنتهي تلك التكهنات عند صدور الرواية المنتظرة لحافظ، الذي إعتاد أن يقضي معظم أوقاته يوثق بعيونه قبل عدسته الحياة البريه في أحضان الطبيعة في قريته دير غسانة. المكان الذي يجد فيه ذاته في انحناءة غصن من شجرة زيتون …وتغاريد الطيور .
وأكثر ما لفت أنظارنا، هو تأكيد كاتبنا حافظ البرغوثي على انه وبالرغم من كونه قد جاب الكثير من الدول العربية والاوروبية، الا انه لا يرى اجمل من قريته وجبالها التي اصبحت تغنيه عن الكثير من البشر.