شرط الحياة المشتركة.. الثقة* لمياء المقدم

النشرة الدولية –

الثقة والاحترام هما عمادا الحياة المشتركة، ولا يمكن لأي شراكة أن تقوم من دونهما. الحب شيء مختلف، إذ يمكنك أن تحب شخصا حبا غير مشروط، حتى وإن لم تكن تثق به، وحتى وإن لم تكن تحترمه، لكن من الصعب أن تعيش معه تحت سقف واحد في غياب هذين الشرطين.

البيوت مبنية على فكرة الأمان بالدرجة الأولى. صنع الإنسان الأول البيت لأنه أراد أن يحتمي به من الطبيعة والعواصف والحيوانات المفترسة. البيت للحماية، ولا حماية أو أمان من دون ثقة.

ما هي الثقة وكيف نعثر عليها؟

بغض النظر عن المشاعر التي تجمع بين أفراد البيت الواحد، أو العلاقات التي تربطهم، سواء كانوا أزواجا أو أصدقاء أو إخوة أو أي نوع من الروابط، فهم يحتاجون إلى الثقة ليستطيعوا أن يناموا ويأكلوا ويتحركوا ويتحدثوا مع بعضهم. والثقة هي أن تكون حرا في فعل كل ذلك، دون خوف أو تردد أو شعور بالتهديد. بعض العلاقات تفترض وجود الثقة بالفطرة، فأنت مثلا لا تتوقع أبدا أن يغدر بك ابنك أو ابنتك، رغم أن هذا قد يحدث في الواقع، وحتى إن وقع فإن ثقتك في ابنك أو ابنتك قد تهتز قليلا لكنها سرعان ما تلتئم، لأن الأصل في العلاقات الأبوية أن تكون هناك ثقة بالغة.

وتنشأ الثقة بين الأبناء وآبائهم في مرحلة مبكرة جدا، عندما يكون الرضيع غير قادر على التعبير عن احتياجاته لكن الأم تستجيب لها بشكل غريزي، فتعرف لماذا يبكي وما الذي يحتاجه. واختلال الثقة في هذه المرحلة يترك آثارا سيئة على الطفل، فالطفل يبني من خلال علاقته بأمه أولى علاقاته بالعالم الخارجي وبمن حوله، فإذا اختلت علاقته بأمه اختلت علاقته بكل ما هو سواها.

والثقة أمر معقد للغاية لأنها من أصعب الأمور والاختبارات التي يمر بها الإنسان، فقد تقضي عشرات السنين في بناء جدار الثقة بينك وبين شريكك، لكن سرعان ما ينهد الجدار بمجرد حدث بسيط واحد.

الأمر لا يتوقف فقط على الطرف المقابل ومدى قدرته على جعلنا نصدقه. الثقة في جانبها الأكبر هي داخلنا وشيء يخصنا وخصلة من خصالنا، قبل أن تكون رد فعل على سلوكيات خارجية.

في أحد نقاشاتي مع صديقة أخبرتني أن زوجها لا يمكن أن يشك بها حتى وإن وجدها بين أحضان رجل آخر. سيكذّب عينيه ويشك في قدرته البصرية والعقلية قبل أن يشك بها. هذا طبعه على أي حال، وقد تربى وتأصل على فكرة عدم الشك في الزوجة أو الشريكة لأن ذلك نقيصة في الرجل لا تغتفر.

في المقابل قد نجد من يعجز عن منح الثقة لأنها غير موجودة داخله، أو لأنه تعرض في حياته لما جعله يفقد ثقته بالبشر والمقربين تحديدا. وهؤلاء تكون الحياة معهم صعبة لكنها ليست مستحيلة وقد يحتاجون إلى معاملة خاصة ومعالجة للترسبات داخلهم.

قد تحب شخصا حبا لا حدود له، ولكنك لا تثق به تماما، فالثقة ليست شرطا من شروط الحب، لأن المفترض بالحب أن لا يكون مشروطا بشيء. لكن إذا انتقلت من مرحلة الحب إلى مرحلة بناء حياة مشتركة فأنت مطالب بتنمية جانب الثقة أولا، الذي من دونه لا تستقيم حياة.

وتنمية الثقة ليست فقط في الالتزام بمبدأ الصدق في التعامل مع الآخر، لكن في تقوية إيماننا بأنفسنا وبالآخرين، لأن العلاقات كالبيوت، والشخص الذي نختاره يصبح بيتنا الذي نهرب إليه لنشعر بالحماية والأمان من كل ما يهددنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى