مي منسّى قتلت الوقت لتحيا* نسرين بلوط

النشرة الدولية –

تحفّزت لوثبةٍ أشدّ خطراً من الموت… هي وثبة الحياة الأبدية، حيث يخلّد الرمز لا الجسد. هكذا رحلت مي منسّى، تجترحُ عجائب الحياة وسرّ الموت، بقلمٍ لطالما كتب وحدّث عن الاثنين معاً.

في شخوص رواياتها، تعدّت مي الميثولوجيا المتكرّرة التي تُستخدمُ عادةً في بنية الرواية، ومزجت الواقعية بالألم، فصرّ قلمُها كالريحِ في الأحداث تنهشُ في عقر المجتمع العقيم بتعقيداته ورذائله وتقتلعُ بوهيميّته العالقة في بؤرة التقاليد الدائرة حول نفسها، وحشدت الانفعالات الإنسانية في قالبٍ من الرؤية الجوهريّة لتحفر في صميم الوجع.

مي منسّى سعت إلى الانفلات والانعتاق من عبودية الشرق، واجهت التعسّف حيال المرأة وحقوقها المهدورة، كتبت برزم حروفٍ من الحطب المشتعل توقاً للحريّة، تجاوزت بحبكة رواياتها النصح وشدّدت على العمل من أجل حريّة النفس وانعتاقها، وعاشت بهدوءٍ واثقة من غايتها في الوصول إلى فكر القارئ، لم تسعَ للشهرة رغم أنّ روايتها “أنتعل الغبار وأمشي” قد وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، فقد أدركت أنّ الجائزة الحقيقية في اختراق حجب الليل الطويل، والنيل من أواصر الظلام المطبق في مجتمعٍ متهوّرٍ بالفساد والجهل واللامبالاة.

هذا المنبع العجيب للطاقة من عمل مي منسّى الأديبة والإعلامية والناقدة، هو شغفٌ جارفُ للكتابة والتحليل العميق للبيئة والحياة، لن يزول بحلول العدم في روحها التي انسكبت ضوءًا في عالم البداية، فقد صارعت الماضي والحاضر والمستقبل وورّطت أحداثهم في تأويلٍ ينطبق في إسقاطٍ مبرم على رقبة التاريخ، فقتلت الوقت لتحيا بقلمها وإرادتها الأنثوية المبدعة، فقد حكم القارئ على كتاباتها بالضرورة التي نتجت منها، وهي التي تحكم على أعمال كلّ مبدعٍ كما قال ريلكه: “الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحكم على عمل فني هو الضرورة”. والضرورة في أدب مي قد تمثّل في التنوير والحفر بإزميل النقد والرصد الذي قُدَّ من السخرية والتهكم على وطنٍ يبكي ولا يجد من يبكي عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى