قصائد نازحة* الشاعرة زينب هدّاجي

النشرة الدولية –

نحن الذين جئنا

من خلف اللافتات

التي لا تشير إلينا…

تشير إليهم!

لابد أن أتعثرَ

بساقيّ الظلام،

لأسقط في زرِ قميصكَ…

لأفتح نوافذك

على “شارع باريس”: سيتوقّف المترو

وكل السيّارات

سيصمتُ المارة…

سألوي عنقَ الشارع

وأغرسُ رأسه

في نخلة جاثمة

منذ القدم

في واحات “الحامة”…

النخلة التي تَمشي بلا ساقينِ

ولا تتعثر مثلي.

ذات مظاهرة

تريد إسقاط النظام

يركض صوتي

هاربا من الشّارع الكبير…

يدسّني في قُبلة

سرقت في نهجٍ فرعي…

على بسَاط الرّيح

رمى المخذُولُونَ أحلامَهُم

وعلاء الدّين

تَبتلِعه الغُيوم

كأن الوقت

يبلى

حين تسقط

الوجوه المتعبة

على جدار البيت الذي يسقط

وبحطامه تحلق

أجنحةٌ.

بعيدا عن الضوء،

قلبك مترهل…

عيناك فراغ…

وصوتك مكتوم

في علبة صدئة

ركلتها أرجل الأطفال الحفاة!

في أثر الريح

على بلور القلب،

شقوق شربت

صور الحالمين بالبحر

ودموع العائدين من البحر

وصوت الذين علقوا بطوب الوديان…

ومازال البلور يعتم ولا يشف!

لن نتلقي…

لأن الغربان تسكن عينيك

ولأن الشمس تبيت في كفي

ولأن عطبا في الكلام

لن يصلح…

لتطير الغربان

وتغرب الشمس

المعلمة المهووسة بالبياض،

تهوي على الحائط

بفرشاة الطلاء…

تمحو الأحرف الأولى

من إسمي مراهقين

ظنا أن للطباشير

ذاكرة!

سعيدة لأنك اخترتها:

هي بطاطا مهروسة،

أكلة الذين فقدوا أسنانهم

بعد هزيمة حرب.

وأنا لا أُمْضَغُ أصلاً !

في آخر الليل

يصبح لنا آباء

نحن اللقطاء،

يكنس الرقص أكاذيبنا

وننزلق فوق الزجاج المكسور

بلا دماء…

سأكون خرقاء ومضحكة

حتى تتوقف عن التصرف

بحكمة المقبلين على الموت…

أركض حافية من قلبي وعيناي…

أكنس جفنيك من الحزن…

الخيبة التي تقبض عليها كطفل غاضب

سأركلها بعيدا لتبكي

حتى تجف ذاكرتك

وتحبو نحو نفسك من جديد

أمشِّط صمتك

وأقصِف جنودَهُ

واحدًا

واحدًا

أحرق ما تبقّى من خياناتك:

فكرةُ الحياةِ المثاليّة بلا ألمٍ…

تذكيرُك لي بأنّني جئت متأخرة…

عالمك المدفون في رماد السيجارة الصباحية…

هذه حربي. أخوضها وحدي.

وتلك حربك نخوضها معا:

قُبلٌ لا تقولُ شيئًا؛

تهزمني…

النّازحون يسكنون

أطراف المدينة:

خيط من القلب هنا

يربط الخبز بالنار

وخيط هناك

يتنفّس الزّعتر

ويرعى الخيال!

تمرّ بي الشوارع الكبيرة،

بأرجلها المتعبة من الركض،

وحين تغشى عيناي بغبارها،

يتنفسني موال في حنجرة  الجبال!

أنا الشّعب الذي

صار جلده طبلا

يقرع للسّلطان

حين تدوس قدماه

على عظامه.

ذاكرتي التي ذابت

في ماء زمزم

أو في كأس بيره…

لا أدري أ شربتها

أم باعتني لتجّار الهجرة السريةّ،

لتحتفل برأس العام

وترقص!

لماذا لا أحمل

القرية في كفي؟

لماذا لا أطبخ جراد

حقولكم قدري؟

لأن لا جذور لي

تعلق في اسفلت المدن.

 

منقول عن موقع أنتلجنسيا للثقافة والفكر الحر.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى