نساء بلادي .. دون كيشوت الهواء ! أو البيدق الأكثر تحريكا في تجاذبات اللعبة السياسية العميقة* أصلان بن بن حمودة
النشرة الدولية –
بقيت لمدة سنوات أتحاشى الدخول في نقاشات بيزنطية و الحديث في الشأن العام المتردي لأبعد الحدود، لكن هذه المرة سأكسر الصمت.
الخبر الأكثر تداولا هاته الفترة “مظاهرة نسائية من تنظيم جهة مطالبة بتعدد الزوجات”. هنا يبدو الخبر صادما للمجتمع التونسي الذي بلغ أشواطا متقدمة من الحريّة بعد الثورة . ما بلغ به حدا جعله أرضا خصبة لاطلاق الاشاعات المغرضة و أصبح في مرمى نظر العالم من زاوية نظره الضيقة التي لا تتابع إلا صعود الأسهم و نزولها، أصوات الصرخات في الحروب و المجاعات و فضائح الفنانين و السياسين و الفيديوهات الجنسية و الرياضية.
الخبر أكثر من كونه إشاعة فهو حملة مغرضة الهدف منها صرف نظر الشعب عن القضايا الأهم – قضايا السيادة كتحقيق الموزانة للميزان التجاري و محاربة الفساد المستشري في جسد الوطن المنهك .
الأغرب من ذلك نجد تهجما من فئات نسوية عديدة على هؤلاء لا بل الصادم من بعض الرجال و الذكور الذين لا هم لهم مثل جميع أبناء جنسهم إلا ممارسة الجنس . يخفي في باطنه وحشا نهما للجنس ثم يأتيك على رؤوس الملأ بغير ذلك ! فيمن تنافق يا هذا ؟ هل تظن أني كذكر مثلك سأصدق معارضتك لهذا ؟ احكها لغيري فربما يصدقك . أما هذا الشخص .الذي يكتب لك هذا الآن لن يصدقك .
أما بالنسبة للمظاهرة المزعومة ، ألا يكفي أنها إشاعة ، ألا يكفي أنها حرية تعبير و حق دستوري في التظاهر لغاية لا تتنافى مع ما يمنع قانونا و ما من شأنه تعريض الأمن العام للبلاد إلى الخطر ! ألا تعدو عن كونها حرية شخصية ، لهنّ / لهم المطالبة بما يحلو لهم و لنا الحق في تشريع ما نراه صالحا .
الأغرب من ذلك ما يمكن ملاحظته من كمّية سموم و أحقاد متبادلة بين الطرفين ، لم كلّ هذا البغض و الحقد ! لم كلّ تلك المشاعر و الضغائن الحقدية التي تتطلب جهدا كبيرا من الطاقة لإنتاجها ! لم تصرف هكذا عبثا ؟ ألم يكن الأجدر تحويل تلك الطاقة نحو أشياء أخرى قد تنفع . و الأمرّ من ذلك كمية السباب التي تطلقها مجموعة من الإناث لا وجود لهنّ نحو مجموعة أخرى لا وجود لهنّ / يذكرني الأمر بعادل إمام و حديثه عن القوم الأولين ” لما راحو يقابلو قوم تانين فما لقوش القوم التانين و الاولين” ، استرسالا لجملته “جاموسة راحت تقابل جاموسة .. يا عيني على الجمايس لما تتقابل ” .
ألم نفكر و لو للحظة كون الأمر غير صحيح بالمرة و غير ممكن بتاتا فس ظل طبيعة مجتمعنا الحالية ! و لم منحهم كل هذا الزخم ! هذا إن وجودوا أصلا لأن الأمر إشاعة أطلقها موقع تافه ليتصدر المشهد لا غير.
ثم تصدمك كميّة البذاءة المضمنة في الحقد المتبادل بين النسوة في حد ذاتهن…، تستغرب كيف تقف فتاة تدعي كونها مثقفة و متعلمة لتصف نظيرتها بـ”جارية” و “حيوانة” و “وعاء جنسي” …!
أليس هراء هذا الذي يفعلنه ، فهنّ مثل دون كيشوت الذي يحارب طواحين الهواء ! يحاربن و يسببن أشخاص لا وجود لهنّ ! إتوني بأنثى واحدة تقبل تعدد الزوجات في تونس و آتيكم بمثل وزنها ذهبا ! و لن أفعل لأنه لا وجود لها .
ما يؤسفني حقيقة أعظم من ذلك ، لا يكفي كونها إشاعة ، و حرية تعبير و تظاهر ، و حق دستوري
مقدس و لا يكفي أن تدفع إمرأة مسالمة لسبّ إمرأة مسالمة مثلها بغباء شديد ! و لا يكفي أنهنّ لا يعرفن التحاور بهدوء و إقناعك مثلما فعلتُ في الأعلى ،” و إن وجدوا حقيقة فلهم أن يطالبوا ما يريدوا و لنا أن نشرّع ما نريد ” و بذلك يغلق الملف بهدوء .
خلاصة القول أن أغلبهن قد كشفن عن جهلهن لقضايا أعمق و أهم و بذلك سيظللن البيدق الأسهل في التحريك و التأجيج لما يسقطنه من عواطف على قرارات مصيرية تتطلب التروي ، سيظللن العشبة الأسهل إشعالا في الموقد دون أن يعين ذلك .
ألا يكفيهنّ أنهنّ لا يعرفن كيفية قبول الآخر و إحترامه ، و كيفية المحاورة بهدوء و بسط ضروب الإقناع دون تحقير لغيرها مهما كان جنسه ذكرا او أنثى. فقد سبق و أن تم تحريضها بدوافع سياسية ضد الكائن الذكوري و ذلك رغبة في تشتيت أواصر اللحمة لدى هذا المجتمع الذي يتماسك شأنه بقشة الغريق في البلل ..، ليّتم تجييشها هذه المرة ضد بنات جنسها في خطوة أعمق و أخطر لفك و حل روابط التماسك المجتمعي الباقية و لا تنتبه لذلك كأنثى مثقفة و متعلّمة !
برغم كل ما سبق ذكره و لم يكن مقنعا في نظر البعض ، أليست المظاهرة إشاعة مغرضة ، أليست حرية تظاهر و تعبير ، ألا تعتبر حقا دستوريا ،، ألا يمكن معاملة هاته الفئة و إن وجدت ككل الأقليات التي أطلت علينا بعد الثورة الشعبية ، ألا تستحي مجموعة من الإناث لا حول و لهنّ و لا قوة من سبّ إناث أخريات مثلهن في الوضعية لا حول لهنّ و لا قوة / بيادق سياسية سهلة التلاعب بها ! ألا يكفي جهلهنّ
للمراحل التي تمر بها المطالب الشعبية أو مطالب الأقليات لتصبح قوانين يجب إحترامها و تطبيقها ، ألا يكفي عدم تمكنهنّ من فنون المحاورة و الإقناع ، ألا ينمّ عن عدم قبول للآخر و إحترامه مهما كان مختلفا ، ألا يكفي أنهنّ لا يعرفن كيف يقنعن المستمع بوجهة نظرهنّ و أضعف الإيمان قول ما قلتُ عن لهم المطالبة بما أرادو و لنا التشريع القانوني كما نريد و، ألا يكفيهنّ إستعمالهن بيادق و ورقات سياسية فاشلة و سبب لتجويع شعب على أبواب الإفلاس و الإنبطاح نهائيا لأوامر صندوق النقد الدولي ! ألا يكفيهنّ أنّ كلّ واحدة منهنّ متزوجة أو في علاقة مهما كانت جديتها مع
الرجل الذي لا تشترك فيه مع أية أنثى أخرى .. ألا تعلمين أن هذا الرجل / الرجل الذي تحاربين منذ سنوات ليكون مُلكًا لك وحدك قد إتخذ عليك تسعُ خليلات عملا بالمثل الشعبي “مصوحب عليك تسعة مقاعد بإعتبار السائق”.
هل تعلمين ذلك أم أنك لا تعلمين ؟ أظن أنك لا تعلمين ، و بالتالي فمعاداتك للمظاهرة-الإشاعة من عدمها “حكاية فارغة و زايد منها” لن تغيّر من الواقع شيئا.
و عليه فكل رجل يدعي عكس ذلك – كونه يساند النسوة في رفضهن و لا يقبل بتعدد الزوجات لأي سبب كان فهو كاذب و كذّاب و لذلك أسباب عديدة يبقى أبرزها الجانب الغريزي و هذا ما كنت دونته منذ سنوات في صفحتي هاته في جملة واحدة ” الهمّ الكبير لرجل المدينة مضاجعة إمرأة”.
أنتلجنسيا للثّقافة و الفكر الحرّ