كاسباروف: الحاسوب لن يكون أقوى من الإنسان بمعركة الذكاء الاصطناعي

النشرة الدولية –

“هزيمتي أمام (الأزرق العميق) كانت نصرا للإنسانية”، بهذه العبارة بدأ، جاري كاسباروف، بطل العالم السابق في الشطرنج، طرح أفكاره في ندوة دولية في مدينة لوزان السويسرية تبحث “العلاقة بين الإنسان والآلة”.

وكان كاسباروف، نجم ندوة “الآلات التطبيقية والإنسان” التي ينظمها المعهد التقني العالي في لوزان بغرب سويسرا باعتباره أول إنسان على الكوكب تصرعه الآلة في نزال بالشطرنج خاضه مع حاسوب قبل 22 عاما.

أما “الأزرق العميق” (ديب بلو)، فهو اسم حاسوب “جوجل” العملاق الذي تغلب على كاسباروف في 11 أيار (مايو) 1997.

في آخر تصريح له قبل المباراة، أوضح كاسباروف: “الحاسوب لن يكون أقوى من الإنسان”، لكنه خسر الجولة السادسة لهذه المباراة التي دخلت التاريخ، بعد 19 نقلة فقط.

وجمعت الندوة على مدى أربعة أيام كتابا، وأدباء، ومفكرين، وعلماء، ومبرمجي حواسيب، ومهندسين صناعيين، ورجال أعمال وغيرهم حول “الذكاء الاصطناعي”.

وكان كاسباروف، بمنزلة قائد فرقة موسيقية يسبق العازفين فيما يريدون عزفه، وقدم تحليلا متفائلا جدا حول الوظائف التي تم استدعاء الآلات لشغلها بدلا من الإنسان، وأشار باختصار إلى أن المسألة ليست مسألة منافسة بين الإنسان والآلة.

وذكر كاسباروف، في رؤيته المتفائلة: “في اللحظة التي هزمني فيها الحاسوب كنت محطما، حزينا، محبطا، غاضبا من الهزيمة. لكن بعد قليل من المراجعة، لمحت الفرص التي ستنفتح أمام البشرية. فهمت أن هزيمتي كانت أولا وقبل كل شيء “نصرا للجنس البشري”.

وأضاف بطل العالم للشطرنج على مدى 15 عاما: “كنت أؤمن أن لا معنى لحياتي إذا انحصرت في الفوز في أشواط الشطرنج فحسب، لكن لا بد من تحقيق الفرق. اهتممت بالحواسيب منذ منتصف الثمانينيات لهذا السبب بالذات. كنت أظن أن الحواسيب ستساعدني، وستساعد العنصر البشري بأجمعه. لكن عندما هزمني “الأزرق العميق”، صار واضحا لدي أن الآلات ستحل محل الكائن البشري في كل البيئات القابلة مقارنة بالشطرنج. بمعنى داخل الأنظمة المغلقة حيث يجب الوصول إلى هدف محدد وفقا للقواعد والبيانات المعطاة. هنا بدأت أقيس سعة قائمة النشاطات التي ستكون قادرة على تلقي المساعدة بواسطة التقنيات”.

وتساءل مدير الندوة التي حضرتها “الاقتصادية”: “لماذا الشطرنج يلعب دورا مركزيا في هذه القضية، ولماذا تم استدعاء، كاسباروف، للندوة”.

وأجاب، لأن لعبة الشطرنج من الناحية التاريخية ينظر إليها دائما على أنها وسيلة لترجمة الذكاء البشري، وأن، ألفرد بينه، وهو أحد الآباء الأوائل الذين اختبروا نسبة الذكاء، كان يعتقد أنه من أجل تحقيق اختراق الأسرار، لا بد من دراسة أدمغة كبار لاعبي الشطرنج، وهنا قال، كاسباروف، شكرا شكرا، هذا إطراء جميل لي.

وسأل مدير الندوة: عندما وقفت يا كاسباروف، ضد “الأزرق العميق”، هل شعرت بأنه كانت هناك مباراة بين الإنسان والآلة، هل تعتقد أن هذه المباراة لا تزال جارية؟.

وأوضح ابن مدينة باكو، عاصمة أذربيجان الذي كان يحمل جواز السفر الروسي، لكنه ترك روسيا ويعيش الآن في الولايات المتحدة: “مع الآلة، يتم دائما احترام الدورة ذاتها. في البداية ظن الكائن البشري أن الآلة غير قادرة على تنفيذ هذه المهمة أو تلك مثلما هو يقدر، ثم تنفذها الآلة لكن بشكل غير متقن. هنا الإنسان كان لا يزال يشعر أنه أكثر كفاءة. ثم، خلال فترة قصيرة من الزمن تبدو أن هناك منافسة، لكن الآلة تنتهي في آخر الأمر حتما لأن تكون أكثر فعالية من الإنسان”.

ولهذا السبب يرى كاسباروف أنه لا ينبغي التفكير بأن الإنسان “مقابل” الآلة، ينبغي تفكير الإنسان “إضافة” للآلة، وينبغي أن نرى ماذا يمكن للآلة أن تجلب لنا، من خلال التمسك بتوقع الكمال، وهو المفهوم الذي لا وجود له بأي شكل من الأشكال في الكون. لا، لا يمكن على الإطلاق توقع أن تكون الآلة أفضل من الإنسان.

وعندما طلب أحد المشاركين في الندوة مثالا، قال كاسباروف: “خذوا السيارة ذاتية القيادة. بالطبع، هناك مشكلة يمكن أن تحدث وتنتهي إلى حادث. هذا أمر فظيع بالنسبة للشخص الذي هو في الداخل. لكن السؤال الأهم من هذا الحادث هو معرفة ما إذا كان النظام بمجموعه يسمح بتقليص عدد الموتى على الطرق مئات الأضعاف مما هو عليه الآن. صحيح هناك شخص واحد داخل السيارة ذاتية القيادة قد فقد حياته، وقد لا يتكرر ذلك. في المقابل، هناك تقدم جوهري في إنقاذ حياة آخرين. هذه هي الحالة التي ينبغي أن تكون وينبغي أن نفكر فيها. بالطبع، بمقدور الآلات أن تفعل أفضل مما نقوم به في عديد من المجالات، وما عليك سوى أن تستفيد”.

ويتساءل كاسباروف: “هل سيتحقق ذلك دون نتائج سلبية خاصة على سوق العمل؟ ويجيب: من المسلم به أن معظم المهن اليوم تتطلب القليل من الإبداع. خلال أجيال، قمنا بتدريب الناس على المهام التي يمكن إنجازها بسهولة من قبل أجهزة الحواسيب. اليوم الآلة ذاتها تعلمنا ضرورة إجبار أنفسنا على التفكير في المجالات التي يمكن فيها أن يحقق البشر وحده من دون آلة فرقا في النتائج. وهنا يتم استبعاد معظم الأنشطة ذات الطبيعة المتكررة التي يمكن نسخها وترك تنفيذها من قبل الآلات بطريقة أكثر كفاءة بكثير”.

وأشار كاسباروف، إلى أن هناك دراسة حول سوق العمل الأمريكية تؤكد أنه في عام 2016 كانت هناك 4 في المائة فقط من الوظائف التي تتطلب إبداعا بشريا متوسطا، لكن عند الخصم، أقول: نعم، هناك كثير من العمال يمكن استبدالهم بالآلات وهذا ينبغي أن يدعونا لنبدأ في التفكير في أشياء أخرى للقيام بها كبشر، ومثل هذا لا يمكن أن يتحقق فجأة، والمناقشات الرئيسة الجارية لا تحفز على التنفيذ الفوري، معتبرا أن عالم الأعمال يعمل ببطء شديد مقارنة بمثل هذه الاعتبارات وذلك بسبب عدم القابلية على التنبؤ بالمخاطر. لكن ما هو مؤكد أن المستقبل سيدفعنا لإعادة النظر بعلاقاتنا مع الحواسيب.

وردا على سؤال مدير الندوة، عما إذا كانت مهن معينة ستختفي؟ أجاب كاسباروف: “نعم، لكن هذا ليس أمرا غير مسبوق من وجهة نظر التاريخ. لقد أدت جميع التقنيات المعطلة لوظائف البشر إلى تقادم بعض الأنشطة قبل إنشاء بعضها الآخر. هناك وظائف اختفت في الزراعة في القرن الـ19، وفي الصناعة في القرن الـ 20، واليوم الأمر يتعلق بالدرجة الأساس بوظائف أصحاب الياقات البيضاء. في المقابل، هناك مهن أخرى ستظهر سريعا. قبل عشر سنوات، لم نكن لنتوقع ظهور مهندسين في ميدان البعد الثالث، أو مسؤولين عن شبكات التواصل الاجتماعي. هذه إجراءات تسمى التقدم، لا يمكننا أن نوقفها”.

وأضاف: كثير ما نسمع هل سيكون هناك إنسان خلف الآلة؟ أقول ليس “خلف”، بل “مع”، أنا أتكلم عن تعاون بين الإنسان والآلة. هذا أمر حتمي لا يمكن تجنبه. في المستقبل سيكون للإنسان دور أكثر أهمية من أي وقت مضي لأنه، مع التطور التقني يجب عليه أن يوجه المزيد والمزيد من الآلات القوية التي ستظهر، وهي ليست كتلك التي نشهدها اليوم.

ويرى كاسباروف أن بعضهم أكثر تشاؤما مني حول موضوع الإنسان والآلة. يخشى هؤلاء من أن ينتهي الأمر بسيطرة الآلة علينا. لكن لا يوجد هناك أي دليل يسمح بتأكيد ذلك. إن الناس المنكوبين لديهم أيام جميلة أمامهم للتمتع بها، لأن الجمهور عموما يخاف من المستقبل.

ويقول كاسباروف “أعرف ما يكفي عن حدود جهلي لأعترف به لكم، عليه ليس بمقدوري أن أقول لكم ما الذي سيحصل بعد مائة عام، لكن في اللحظة الراهنة ونحن ننظر إلى مستوى تطورنا، وما الذي تعمله الآلات وما الذي لا تعمله، فإن الفكرة التي تقول، إن الآلات ستأخذ السلطة من الإنسان، إنما هي فكرة جيدة لسينما هوليوود، هذا كل ما يمكن أن أقوله”.

وذكر كاسباروف أن الناس يخافون المجهول أو الذي لا يفهمونه، لكن الآلات تساعدنا لتجعل حياتنا أفضل. المسنون قلقون من التقنيات الحديثة، لكن بدون هذه التقنيات ما كانوا ليعيشوا براحة حتى عمر 80 سنة في بلد مثل سويسرا، وما كانوا ليمتلكوا الفرصة للشكوى من التقنيات على صفحة “فيسبوك”، و”تويتر”، ويتمكن الملايين من قراءة شكواهم في أرجاء الأرض كافة.

واعتبر كاسباروف أن الآلات ليست أخلاقية ولا غير أخلاقية لتحكم البشر بالخير أو الشر، ولكنها أدوات تعمل بالطريقة التي يتم استخدامها وتعطي النتائج تبعا لذلك، هي آلات لا يمكن أن تلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button