اللعب على الحبال الدرزية منذ 2006* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
آخر ابتكارات النظام السوري، في محاولة هجينة للـ “الحرتقة” على طائفة الموحدين الدروز، إنشاء معبر إلزامي، للمشايخ الدروز الراغبين بزيارة سوريا، عبر بطاقة تسهيل مرور على المعابر اللبنانية السورية، هذه البطاقة تشبه بطاقات تسهيل المرور “الأمنية”، ويجب ان تكون ممهورة بختم وتوقيع الشيخ نصر الدين الغريب، والمعروف أن الشيخ الغريب يمثل حيثية رمزية ومعنوية وليس مشيخة العقل الدرزية.
للبحث في خلفية هذا السلوك السوري وحلفائه على الاراضي اللبنانية، لا بد من العودة الى اساس مشيخة العقل وانتخابات مجلس المذهب الدرزي، اي العودة الى السبعينات، علّ هذه الإضاءة توضح وحسب القوانين والاعراف المرجعية الدينية الحقيقية لمشيخة العقل الدرزية.
في اوائل السبعينات اتفق زعيما الدروز في ذلك الحين الراحلان كمال جنبلاط والأمير مجيد ارسلان على ان يكون شيخ العقل حينها محمد ابو شقرا شيخ عقل للدروز جميعاً، واتفقا ايضاً على ضرورة توحيد مشيخة العقل بإدخال التعديلات اللازمة على النصوص القانونية والمعمول فيها، بهدف تجنب الخلافات واشاعة تفاهم بين الدروز. واستمر الشيخ محمد ابو شقرا في مشيخة العقل لحين وفاته، وعين من بعده وبناءً على توصيته الشخصية الشيخ بهجت غيث كشيخ عقل عام 1991.
ومنذ ذلك الحين جرت محاولات حثيثة لتقديم مشروع قانون الى مجلس النواب اللبناني، ينظم مشيخة العقل ومجلسها المذهبي والاوقاف الدرزية حتى صدور القانون بتاريخ 9/6/2006. وكان قد اقر في مجلس النواب بالغالبية المطلقة. وبناء على هذا القانون يتم اختيار شيخ العقل وأعضاء المجلس المذهب عن طريق الانتخاب. ويتألف اعضاء المجلس المذهبي من أعضاء دائمين هم النواب الحاليين، قضاة المذهب، النواب السابقين، عضو المجلس الدستوري، وعضو مجلس القضاء الأعلى، وأعضاء منتخبين هم الهيئات الدينية، ممثلي المناطق، والمهن الحرة، بالإضافة إلى مجلس الإدارة المؤلف من أمين سر، أمين صندوق، لجنة ادارية، لجنة مالية، لجنة ثقافية ولجنة أوقاف. والجدير ذكره ان انتخاب الاعضاء اعطى فرصة لكل الدروز من كل المناطق للترشح كل حسب قطاعه وصفته.
وحسب هذا القانون لا ضرورة للتذكير أن شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز هو الشيخ نعيم حسن.
هذا على صعيد تنظيم مشيخة العقل وتنظيم الأمور الدينية والمذهبية للطائفة، لكن يأبى بعض الباحثين عن إثارة الفتن والانشقاقات داخل البيت الواحد الا اختلاق مشاكل وعقد طمعا بالظهور ومصالح شخصية.
من هنا جاءت تسمية الشيخ نصرالدين الغريب مما خلق انقساما لكن بقي دون اعتراف رسمي به. ومع هذا هناك من يعتبره انه مرجعيته، وانه يمثل مشيخة العقل.
في هذا المجال، يأتي اصدار بطاقات تسهيل المرور من قبل النظام السوري ليذكي نار الخلاف الدرزي الدرزي، واستنكر هذا التصرف مرجعيات درزية ذات سلطة روحية كبيرة. والملفت في الموضوع هو أن البطاقات التي تسرّبت، عليها ختم الجمهورية اللبنانية، مما يستدعي التساؤل، هل هي سياسة رسمية يتبعها العهد؟ ذلك انه كانت قد وجهت دعوة للشيخ الغريب لحضور القمة الإقتصادية في بيروت.
يقول مصدر من داخل المجلس المذهبي “أن الشيخ الذي يقبل بهكذا تصرف لا يحترم عمامته وزيّه”. حيث ان بطاقة التعريف عن الشيخ الدرزي هي عمامته وليس بطاقة صادرة عن النظام السوري، ويعتبر هذا التصرف انتقاصاً من كرامة رجال الدين الدروز، لكن النظام يريد بهكذا تصرف ان يطلق النار على وليد جنبلاط ومحاصرته من باب طائفته والسعي الى تقليص زعامته، وهو الذي اثبت هذه الزعامة بالاكثرية الدرزية في الانتخابات الاخيرة، بالرغم من كل النواقص التي شابت قانون الانتخاب. ويٌعتبر هذا الإجراء انتقاصا من السيادة اللبنانية وتخطي كل الحدود والاعراف الدولية، وتدخل سافر في شؤون طائفة بشكل خاص والدولة اللبنانية بشكل عام.
يضيف المصدر نفسه، انهم توجهوا بكتاب لوزارة الخارجية اللبنانية للسؤال عن خلفية السلوك السوري، لكن لا رد حتى الآن، والواضح ان هناك جهات داخلية وخارجية تريد اللعب بالملف الدرزي، لترويض الطائفة، اما بالنسبة للشيخ الغريب فأن دعوات كثير من داخل المجلس لإقامة دعوة بحقه لإنهاء هذه الحالة الشاذة، ولكن الكل يتروى لأن إقامة دعوة ضد شيخ دين درزي أمر غير محبب لأبناء الطائفة، يختم المصدر.
تم توجيه كتاب لوزارة الخارجية اللبنانية للسؤال عن خلفية السلوك السوري لكن لا رد حتى الآن
أحل النظام السوري تصفية النائب وليد جنبلاط على الاقل سياسياً، ومنذ مداخلة الأخير الشهيرة في المجلس النواب اللبناني ومطالبته حينها باعادة التموضع السوري والأخذ بنداء بكركي الذي دعا الى اعادة انتشار الجيش السوري في لبنان تمهيداً لانسحابه الكامل وذلك عام 2000، وتتالت المواقف الجنبلاطية التصاعدية، الى بدء الثورة السورية حيث وجه دعوة حينها إلى دروز سورية “الذين يعلمون أن حركة الشعوب لا تعود الى الوراء، وأن الذاكرة الشعبيّة لا ترحم، وأن الذين ليس على صدورهم قميص في درعا والصنمين وبصرة الحرير وخربة غزالة وإدلب وحمص وحماه وغيرهم في المدن والقرى السوريّة المختلفة هم الذين يمتلكون المستقبل لأنهم يمثلون “قوة الضعفاء”، فآن الآوان للاحجام عن المشاركة مع الشرطة أو الفرق العسكرية التي تقوم بعمليات القمع ضد الشعب السوري، وقد عاد العشرات منهم في نعوش نتيجة قتالهم لأهلهم في المناطق السوريّة الأخرى”. مما استدعى موقفا حاسماً من بشار الاسد: “جنبلاط لم يعد معنا وصار في المقلب الآخر”.
توالت الانتقامات، على شكل مجازر في قرى درزية، قرية قلب لوزة في جبل السماق، مجزرة بلدة حضر، اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، اختطاف نساء درزيات بعد مجزرة مروعة بحق دروز السويداء اسفرت حينها عن مقتل 250 شخصاً ، وصولاً الى حادثة الجاهلية والتي كادت ان تحدث فتنة درزية داخلية وكان من الممكن ان تتطال شرارتها كامل الآراضي اللبنانية.
وكان وليد جنبلاط بعد كل حادثة يدعو إلى التهدئة والتشديد على وحدة البيت الداخلي لعلمه ربما ان النظام يريد ان يطاله هو، فلما وضعه مع بقية الدروز في خانة الانتقام، وهو في كل مرة يعبر بها عن موقف يتكلم بصفته الشخصية، وآخرها موقفه من زيارة سوريا، بأنه يعلم أن كثراً منهم يرغبون في زيارة سوريا، لأن لديهم علاقات اجتماعية هناك، وهو لا يمانع ذلك، لكنه لن يسلك هذه الطريق بنفسه، لعلمه ان العلاقات الاجتماعية الدرزية متشابكة ولا يمكن فك روابط هذه العلاقات بين الدروز اينما وجدوا.
لذا على اللاعبين على الحبال الدرزية ربما، أن يفصلوا الشق السياسي عن الاجتماعي لمصلحة الجميع.
السياسة اللبنانية