حزب الله وحربه “الجهادية” الجديدة* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

يعدّل حزب الله من مواقفه، ويحاول التموضع وبالتالي التواضع، ملتفاً عائداً إلى أرض الوطن، من تحرير فلسطين واعادة حقوق شعبها، وسوريا وتحريرها من الإرهاب التكفيري، والتدخل بشؤون البحرين والكويت، ومساندة الحوثيين في اليمن، وصولاً لدعم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في مواجهة الامبريالية العالمية، مختزلاً كل هذه الأهداف بمحاربة الفساد اللبناني.

يبرع حزب الله بإستحداث عناوين وأهداف لمعاركه في كل مرة تكون الأضواء مسلطة عليه.

في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2005 طلبت الحكومة اللبنانية من الأمم المتحدة إنشاء محكمة دولية لمحاكمة منفّذي اعتداء 14 شباط، بالإضافة إلى اعتداءات أخرى ذات صلة، حصلت في لبنان، فقام في صيف تلك السنة أي تموز/ يوليو 2006 بحرب مع إسرائيل أتت بكوارث وخراب ومقتل وتشريد المئات من اللبنانيين الأبرياء. أراد بتلك الحرب ان يحرّف أنظار العالم عن جريمة 14 شباط وعن المحكمة الدولية، برفع راية الحرب على إسرائيل والهجوم المباغت كأفضل وسيلة للدفاع.

على ما يبدو أن الحزب يريد ان يكسب وقتاً او أن يستعيد شعبية متراجعة

مع بداية العام 2013 وعندما أصبح واضحاً تورط حزب الله في سوريا، وذلك بعدما توالت القوافل الآتية من دمشق محملة بجرحاه وفقدائه، أعلن الحزب موقفه رسمياً من الأزمة السورية على لسان السيد نصرالله: “إن النظام في سوريا لن يسقط”، ليتبعها في شهر نيسان/ إبريل من نفس العام إعلان نصر الله المشاركة رسمياً في معركة القصير الشهيرة في حمص، هذه المرة رفع الحزب شعار “الحرب على الإرهاب التكفيري وحماية العتبات المقدسة”، إنجلى غبار المعارك وإنشكفت نية الحزب للمناصرين والحزبيين قبل الأبعدين، أن كل من سقط وجرح في سوريا كان دفاعاً عن بشار الأسد ونظامه.

اليوم، منذ بدء تشكيل الحكومة في حزيران/ يونيو 2018 أعلن الحزب موقفه، أنه يريد 3 وزراء إذا كانت الحقائب الشيعية 6، وكشف في وقتها، إذا تجاوب سعد الحريري مع الفيتو الأميركي على مشاركته في الحكومة فلن تكون هناك حكومة، وإذا كانت حكومة فلن تنال الثقة. وتوالت العراقيل وصولا الى اختراع “اللقاء التشاوري للنواب السنة”، ولا ضرورة للشرح ان هذا اللقاء وجد فقط للعرقلة، بالمناسبة أين هو هذا “اللقاء” اليوم؟. أراد من تأخير تشكيل الحكومة ان يؤخر سيف العقوبات الدولية المسلط على رقبته، لكن الحكومة تشكلت واعطاها الحزب ثقته.

إنجلى غبار المعارك وإنشكفت نية الحزب للمناصرين والحزبيين قبل الأبعدين أن كل من سقط وجرح في سوريا كان دفاعاً عن بشار الأسد ونظامه

على ما يبدو أن الحزب يريد ان يكسب وقتاً او أن يستعيد شعبية متراجعة، أو أن يحول الأنظار الى مكان آخر غير العقوبات التي بدأت توجعه، فقام بفتح معركة مكافحة الفساد على مصراعيها، مع إعطائها الصبغة الجهادية، فجاء على لسان السيد: “في مكافحة الفساد نحن أمام مفصل وجودي يهدد مصير البلد لأن الإنهيار المالي والإفلاس يعني ذهاب الدولة والبلد”… “أننا أمام واجب ديني وأخلاقي ووطني وإنساني. لا نقدر أن نقف متفرجين، حتى لا يزعل فلان، ونترك بلدنا يسير نحو الانهيار. بناءً عليه، نحن نعتبر أنفسنا في معركة مهمة جداً، وجهادية أيضاً، لا تقل قداسة وأهمية عن معركة المقاومة ضدّ الاحتلال والمشروع الصهيوني في المنطقة “.

في العقوبات، هذه العقوبات ليست وليدة الأشهر الماضية، بل يعمل عليها منذ سنوات في أروقة البيت الأبيض، ومنذ أن وقّع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في كانون الأول 2015 قانون “حظر تمويل حزب الله دولياً”، وهدَف هذا القانون إلى عزل الحزب عن النظام المالي والمصرفي عبر التهديد بفرض عقوبات على المصارف الأجنبية واللبنانية التي تقدم تسهيلات مصرفية له وللأشخاص والمؤسسات الواردة أسماؤهم على لائحة العقوبات الخاصة بهذا القانون، وعلى إعداد تقارير دورية تحت عنوان “نشاطات الحزب المتعلقة بتبييض الأموال وتجارة المخدرات والنشاطات الإجرامية الأخرى”. وعدِل هذا القانون في 25 تشرين الأول 2018، بإقرار تعديلات قانون حظر التمويل الدولي لـ”حزب الله” لعام 2018، الذي يُعزّز جهود الحكومة الأميركية الآيلة إلى حماية المنظومة المالية الدولية عبر استهداف داعمي “حزب الله” وشبكاته المالية ومَن يساهمون في تسهيل أنشطته المزعزعة للاستقرار في العالم، وفي تمكينها.

إيران، في أزمة إقتصادية كبيرة، إضطرت معها لخفض التمويل لحزب الله وللحشد الشعبي في العراق، وللفصائل المقاتلة في سوريا إضافة لأنصار الله في اليمن، حيث أنفقت منذ العام 2012 16 مليار دولار لدعم هذه الفصائل، و4 مليارات للنظام السوري، وقدرت موازنة الحزب السنوية بـ700 مليون دولار .

ال 700 مليون دولار ليس مبلغاً بسيطاً للاستغناء عنه، لذا حاول السيد في خطابه أمس في الذكرى الـ30 لتأسيس “هيئة دعم المقاومة الإسلامية”، أن يعزز معنويات جمهوره، “يجب أن نبقى صامدين أقوياء. رغم كلّ شيء ستخيب آمالهم، ولن يتمكنوا لا من إفقارنا ولا من تجويعنا ولا من حصارنا. من يدعمنا مُستمر في دعمنا: دول، وشعوب، أو جمهور المقاومة في لبنان. نعم قد نواجه بعض الضيق، ولكن سنواصل، وبنيتنا ستبقى قوية، وستزداد عزماً وتأثيراً وصنعاً وفعلاً لمزيد من الانتصارات في المنطقة”، داعياً إلى تفعيل عمل هيئة دعم المقاومة الاسلامية: “نحتاج إلى التعاطف الأكبر من جديد”.

الجدير ذكره أن من يزور الضاحية الجنوبية سوف يلاحظ اللوحات الإعلانية لهيئة دعم المقاومة الإسلامية، يظهر فيها مقاتل للحزب مع دعوة للمواطنين بالتبرع للمقاومة مرفقين الدعوة بحديث للنبي محمد، يقول فيه “من جهّز غازياً فقد غزا”.

تأتي معركة مكافحة الفساد والبلد مأزوم بآفاته منذ سنوات، والتي ياحبذا لو تكون حقيقية، فلماذا فتح هذا الملف الآن؟. يقول السيد “في السابق لم يكن الوضع خطيراً إلى حدّ تهديد وجود الدولة”. بمعنى آخر ان الفساد الذي أمتد طوال 20 سنة تقريباً، كان لطيفاً وغير مزعج، لأن الحزب حينها كانت لديه طموحات وهموم أخرى لا تمت لطموحات المواطن اللبناني العادي وهمومه.

أما واذا كانت نية الحزب جدية بالتعاون مع الجميع لمكافحة الفساد، فلهذه المعركة أدواتها ووسائلها، والسلاح ليس واحداً منها، وكما طالب السيد بالبدء به شخصياً في محاربة الفساد: ” ابدأ من عندي انا، أمين عام حزب الله فلان الفلاني…”، على الحزب أن يصرح عن مصير الهبات الايرانية السنوية، عليه ان يعيد حساباته بشأن سلاحه الغير شرعي، عليه ان يفتح ابواب الضاحية أمام القوى الأمنية ونزع صبغة (الكانتون) عنها، عليه ان يوقف هيمنته على السلطات الأمنية الموجودة عند الحدود والمطار والمرفأ، عليه ان يسلم الدولة مصير الحرب والسلم، عليه أن يتوقف عن تخوين الآخر،  عليه أن ينأى بنفسه، ويوقف التدخل في شؤون الدول المجاورة، وأن تتحول اهتماماته معيشية واقتصادية للنهوض بهذه الدولة القلق عليها من الانهيار، عليه ان يحترم القرارت الدولية، عليه أن بنزع صفة الدويلة عن نفسه وان يعترف بلبنانيته وبخضوعه للسلطة اللبنانية، هنا يكون قد اعترف بوجود الدولة القوية القادرة عل مكافحة الفساد والدفاع عن المال العام، وعليه أخيراً وليس آخراً أن يوقف لهجة التهديد والوعيد: “لا تراهنوا على خوفنا من فتنة مذهبية او داخلية كي نتراجع، ونحن ماضون الى النهاية في محاربة الفساد ويمكنكم ان تتوقعوا اي شي وكل شيء من حزب الله في هذه المعركة”، هكذا يخاطب السيد شركاء الوطن.

إلى أن تتحقق عملية إندماج الحزب ضمن الأطر القانونية والسيادية للبلد، سوف نسمع جعجعة ولا نرى طحناً.

السياسة اللبنانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى