لماذا تعرضت تركيا لأول ركود اقتصادي في 10 سنوات؟
النشرة الدولية –
تحول حاد شهدته تركيا لتدخل أول مرحلة ركود اقتصادي في نحو عقد من الزمن بعدما كانت من بين الدول الأسرع نمواً حول العالم، ليكون السؤال الأكثر إلحاحاً؛ ماذا يحدث؟.
وينظر إلى هذا التحول في الأداء على أنه بمثابة ضربة قوية للرئيس رجب طيب أردوغان والذي بلاده بصدد عقد انتخابات محلية في وقت لاحق من هذا الشهر.
ويعتبر الأداء الاقتصادي المخيب للآمال في تركيا بمثابة علامة واضحة على أزمة الليرة التي شهدتها البلاد في العام الماضي بعدما فقدت نحو 30% من قيمتها، ما دفع البنك المركزي لزيادة معدل الفائدة بشكل حاد وهو ما تسبب في الحد من النشاط الاقتصادي في البلاد.
وبالنظر إلى الأرقام الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاءات التركي “تركستات”، فإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انكمش بنحو 2.4% في الربع الرابع من العام الماضي على أساس فصلي بعدما انخفاض 1.6% بالثلاثة أشهر السابقة.
ومن الناحية الفنية، فإن هذا الأداء يعني أن تركيا دخلت رسمياً مرحلة ركود اقتصادي، والتي تُعرف بأنها انكماش في الناتج المحلي الإجمالي لمدة ربعين متتاليين، وهو الوضع الذي لم تشهده تركيا منذ عام 2009.
وتأتي هذه الأرقام الاقتصادية في وقت حيوي للغاية بالنسبة لأردوغان مع استعداد حزبه لمواجهة انتخابات محلية في 31 مارس الجاري، وسط ترقب المستثمرين لما ستؤول إليه نتائج صناديق الاقتراع.
وكان البنك المركزي التركي ثبت معدل الفائدة الرئيسي في البلاد (الريبو لمدة أسبوع واحد) عند مستوى 24% خلال اجتماعه الأخير في وقت سابق من مارس الجاري مع تجديد تعهده السابق بإتباع موقف متشدد حتى تظهر آفاق التضخم تحسناً كبيراً.
وكان معدل التضخم في تركيا تراجع دون مستوى 20% للمرة الأولى في 6 أشهر خلال فبراير الماضي على أساس سنوي بعد أن وصل لأعلى مستوى في 15 عاماً في معظم أوقات عام 2018.
جدير بالذكر أن اقتصاد تركيا سجل وتيرة نمو قوية في عصر أردوغان منذ توليه منصب رسمي في البلاد عام 2003 ليرتفع الناتج المحلي الإجمالي في ذاك العام 5.61%، أعقب ذلك سنوات من الطفرة التي يدعمها قطاع البناء مدفوعاً برأس المال الأجنبي قبل أن يصعد بنحو 7.4% في عام 2017.
قراءة في بيانات 2018
في العام الماضي بأكمله، شهد اقتصاد تركيا نمواً بنسبة 2.6% لتكون أضعف وتيرة نمو منذ عام 2009.
ويرجع التباطؤ الحاد في النمو الاقتصادي لتركيا في العام الماضي إلى انخفاض بنحو 1.9% في قطاع البناء يقابله زيادة 1.1% بالقطاع الصناعي.
كما شهد قطاع الخدمات بأكمله والذي يضم مبيعات التجزئة ومبيعات الجملة والنقل والتخزين والأنشطة الخدمية للأغذية ارتفاعاً بنحو 5.6% في عام 2018 مقارنة بالعام السابق له.
وبالنسبة للإنفاق الاستهلاكي النهائي للأسر في تركيا، والذي يشكل 57.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، فسجل زيادة 1.1% خلال العام الماضي، وهو أقل بكثير من وتيرة النمو المسجلة في عام 2017 والبالغة 6.1%.
يذكر أن الإنفاق الاستهلاكي للأسر انكمش خلال الربع الأخير من العام الماضي بنحو 8.9% مقابل نمو 6.3% في نفس الفترة من عام 2017، وزيادة 0.8% في الربع الثالث من 2018.
أما الإنفاق الاستهلاكي للحكومة والذي يشكل 14.4% من مؤشر الأداء الاقتصادي، فارتفع بنحو 3.6% بعام 2018 مقارنة مع نمو 5% في العام السابق وذلك مع التباطؤ الحاد في تلك النفقات بالثلاثة أشهر المنتهية في ديسمبر إلى 0.5% في الاتجاه الصاعد مقارنة مع 5.9% بالفترة نفسها من 2017.
في حين تراجع إجمالي تكوين رأس المال الثابت، والذي يمثل 29.7% من المؤشر، بنسبة 1.7% في العام المنقضي مقابل نمو بلغ 7.8% في عام 2017.
ويرجع هذا الأداء إلى انخفاض إجمالي تكوين رأس المال بنحو 12.9% في الربع المنتهي في ديسمبر مقابل نمو 6.6% في الفترة المماثلة من عام 2017.
وعلى صعيد التجارة الخارجية، شهدت صادرات تركيا من السلع والخدمات زيادة بنسبة 7.5% في 2018 مقارنة مع نمو 11.9% في العام السابق له.
في حين تراجعت الواردات التركية بنحو 7.9% في العام الماضي بعد زيادة بلغت 10.3% في 2017.
وتمكنت تركيا من تسجيل أداءً قوياً في بداية 2018 قبل أن ينعكس الوضع وينتهي بالدخول رسمياً في حالة من الركود الاقتصادي.
وكان الأداء الاقتصادي الضعيف في النصف الثاني من العام الماضي مدفوعاً بشكل كبير بالاحتكاكات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة على خلفية أزمة احتجاز القس الأمريكي قبل انفراج الأزمة في وقت لاحق من العام.
ويأتي ذلك إلى جانب الضغوط التي مارسها أردوغان بهدف خفض تكاليف الاقتراض، وهو الأمر الذي زاد مخاوف المستثمرين بشأن استقلالية المركزي التركي.
وفي رؤية متفائلة، علق وزير المالية التركي “بيرات البيرق” على تلك البيانات بقوله إن “الأسوأ قد انتهي”، متوقعاً أن يعود الاقتصاد للمسار الصحيح بنمو سيصل إلى 2.3% بحلول نهاية هذا العام ليكون متماشياً مع توقعات الحكومة.
وكتب البيرق في تغريدة عبر تويتر: “البيانات الحالية تشير إلى اتجاه التعافي السريع للاقتصاد، ما يعكس حالة مؤقتة من تباطؤ النمو الاقتصادي، على أن تكون الصادرات وعائدات السياحة العوامل الرئيسية الداعمة للنمو”.
في حين أن تلك الآفاق المشرقة قوبلت بصورة أخرى قاتمة، فبحسب مذكرة بحثية لشركة “كايبتال إيكونوميكس”، يتوقع المحللون أن يكون أداء الاقتصاد التركي ضعيفأً هذا العام لينكمش بنحو 2.5%، رغم الإشارة إلى أن أسوأ فترة من الركود الاقتصادي ربما تكون انتهت.
وفي الوقت نفسه، تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أحدث تقاريرها بشأن الآفاق الاقتصادية والذي حمل نظرة قاتمة بشأن الأداء عالمياً، أن ينكمش اقتصاد تركيا بنسبة 1.8% خلال العام الحالي قبل أن ينمو بنحو 3.2% في عام 2020.
وتقول المنظمة إن الأولوية بالنسبة للاقتصاديات مثل تركيا والأرجنتين هي تنفيذ إصلاحات تعزز احتمالات الاستدامة المالية على المدى المتوسط.