فايننشال تايمز: الانهيار الخاطف للعملات.. لِمَ يقع دائمًا في بداية الجلسة الآسيوية؟
النشرة الدولية –
أصبحت حوادث الانهيار الخاطف واحدة من الحقائق الراسخة في تداولات العملات خاصة خلال فترة التعاملات الآسيوية، وفيما لا يزال الأمر قيد الدراسة المتأنية من قبل المنظمين، يرى مصرفيون أن البنية المتغيرة للصناعة تعني أنه لا مفر من هذه الحوادث، بحسب تقرير لـ”فايننشال تايمز”.
وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، شهدت بداية التعاملات في آسيا تقلبات حادة في أسعار الدولار النيوزيلندي والراند الجنوب إفريقي والجنيه الإسترليني والدولار الأسترالي، وحتى الفرنك السويسري، لذا تحظى هذه الحوادث المتنامية باهتمام كبير من صناع السياسات حول العالم.
الخلل الكبير في التعاملات خلال أولى جلسات عام 2019، أدى إلى ارتفاع الين الياباني أمام الدولار الأسترالي بأكثر من 8% في غضون لحظات، كما دفعه للهبوط إلى أدنى مستوياته في 10 سنوات مقابل نظيره الأمريكي.
في عام 2016، تسببت واقعة مفاجئة مشابهة، في هبوط الجنيه الإسترليني 10% خلال 40 ثانية فقط، وهو ما دفع بنك إنجلترا (البنك المركزي للمملكة المتحدة) لفتح تحقيق في ملابسات الحادث.
تكمن المشكلة في أن أسعار الصرف التي يتم تسجيلها خلال حوادث الانهيار الخاطف لا تستبعد من قبل أنظمة التداول، مما يعني أن عقود وأوامر التحوط الخاصة بالشركات والمستثمرين قد يتم تفعيلها، مما قد يضر بهم.
في أسوأ الحالات، تهدد هذه التحركات العنيفة الاستقرار المالي، لكن قليلين يتطلعون لمعالجتها، ويقول موظف في أحد البنوك المركزية الأوروبية: ما دامت تحدث ونحن نيام، وتختفي قبل أن نستيقظ، فإن الأمر على ما يرام.
لا تفتح أسواق العملات الأجنبية أو تغلق تعاملاتها خلال أيام العمل العالمية على مدار الأسبوع، وبدلًا من ذلك، فإن التداولات تظل مستمرة منذ يوم الإثنين إلى الجمعة، ودائمًا ما كانت الجلسة الآسيوية (بداية اليوم) هادئة للغاية.
وفقًا لتحليل أجرته شركة “نيو تشنج إف إكس”، استند إلى فروق أسعار البيع والشراء، فإن تكلفة التداول خلال ساعات الجلسة الآسيوية المبكرة تكون أكبر بثلاثة أضعاف عما تشهده التعاملات في أكبر مركزين للتداول (لندن ونيويورك).
لكن مع تزايد الاعتماد على البرامج الإلكترونية والخوارزميات في إدارة التعاملات، أصبحت هذه الفترة الهادئة محفوفة بالمخاطر، ويشير المتداولون والمحللون إلى مجموعة من العوامل المتسببة في حوادث الانهيار المفاجئ، بينها التداولات الآلية.
انخفاض أعداد المتداولين البشريين الذين تدربوا على اكتشاف الهزات غير المخيفة في السوق ويتحلون بالقدرة على إبطال مفعولها وعدم السماح لها بالتوسع، هو سبب رئيسي في ظهور هذه الحوادث، لكن البدائل الآلية تلعب دورًا كبيرًا أيضًا.
يقول متداولون إن شركات التداول التي تعتمد على الخوارزميات الحاسوبية، تميل إلى الانسحاب من السوق بمجرد ارتفاع معدل التذبذب بشكل غير متوقع، وكثيرًا ما تغلق البنوك حواسيبها التي تدفع الأسعار للهبوط في مثل هذه الظروف.
أشار البنك المركزي الأسترالي في تحليله حول الانهيار الخاطف لعملته أمام الين في أوائل يناير الماضي، إلى أن هذا النوع من الانسحاب يكثف الضغوط الهبوطية على العملة.
يقول رئيس أعمال تداول العملات لدى “إتش إس بي سي” في أوروبا، “ريتشارد أنتوني”: خلال التحول من جلسة نيويورك إلى آسيا، يكون عدد التجار البشريين الموجودين على مكاتبهم قليل، ونسبة المشاركة الإلكترونية أعلى من أي وقت على مدار اليوم.
من المحتمل أنه لا يمكن التراجع عن هذا الاتجاه، خاصة في ظل الضغوط التي تتعرض لها البنوك لخفض المتداولين البشريين، بعد موجة من فضائح التلاعب في أسعار العملات في وقت لاحق من هذا العقد.