جبران باسيل و”الحلم” الرئاسي* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
منذ انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية يتذرع التيار الوطني الحر بمتلازمة: “إن الحكم الحقيقي على “العهد” يكون بعد تشكيل أول حكومة منبثقة عن نتائج الانتخابات النيابية”، وكان التبرير حينها أن حكومة ناتجة عن مجلس نيابي ممدد له خمس سنوات لن يكون بمقدورها تحمل مسؤولية ملفات متراكمة، وإدخال البلد في مسار اصلاحي وتغييري.
لكن ما قام به التيار بعد تشكيل حكومة العهد الأولى، لا يوحي بنية صافية للانطلاق بمسار العهد الاصلاحي، عدا عن التأخير في تشكيل الحكومة والتي استغرقت تسعة أشهر حتى ترى النور، بدأت العراقيل منذ اليوم الأول لانعقادها من تدخل لرئيس الجمهورية في مسار الجلسات الى إطلاق معركة مكافحة الفساد والتصويب على الرئيس فؤاد السنيورة عبر مقدمة الأخبار الاذعة لنشرة الـOTV ، الى تأخير التعيينات الادارية بسبب مطالبة رئيس التيار جبران باسيل بحصر حصة المسيحيين في التعيينات بتياره السياسي دون الآخرين، إضافة إلى إصراره على مشاركة المسلمين في حصتهم، فارضاً معادلة الحجم التمثيلي لكل كتلة، وللتذكير كان باسيل مع اقترح تعيين وزير لكل كتلة من أربعة نواب عند مشاورات تأليف الحكومة، الى طرح باسيل استئجار بواخر كهرباء جديدة، الى اصراره على “لبننة” ملف النازحين.
“إما عودة النازحين أو لا حكومة، أو طرد الفساد عن طاولة مجلس الوزراء أو لا حكومة، وإما صفر عجز كهرباء أو الحكومة صفر ولا حكومة.”
لاءات ثلاث رفعها جبران باسيل في وجه مجلس الوزراء، تكلم وكأنه سياسي معارض وغير مشارك على طاولة هذا المجلس. لاءات تزامنت مع انعقاد مؤتمر بروكسل3 الذي قال فيه: “مؤتمرات كهذه تموّل لبقاء النازحين وليس لعودتهم إلى بلادهم وليس صدفة انني لست في بروكسل”، مشيرا الى أن “دول كبيرة تمنع عودة النازحين إلى بلادهم ولن نسمح بسقوط لبنان تحت ذرائع الانسانية في وقت يُعدّ فيه اعادتهم الى وطنهم أكبر عمل انساني”.
تُفهم غيرة جبران باسيل على ديموغرافية البلد وخوفه من التوطين، لكن هل حلحلة ملف النازحين مسؤولية لبنانية؟.
تشغل أزمة النازحين السوريين العالم بأسره، ولهذا تعقد المؤتمرات على مستواً دولي لإيجاد حلول ومخارج مناسبة لهذه الازمة المتفاقمة يوماً بعد يوم، لكن وبالرغم من أهمية وحساسية هذا الملف لم نشهد مبادرة جدية من النظام السوري بهذا الصدد، وهو الأولى والأجدر بالمبادرة والأحق بالتفاوض مع الدولة اللبنانية لاسترجاع مواطنيه وليس العكس. النظام يرفض عودتهم إلى الآن لاعتبارات عدة مذهبية وسياسية، وجميع الموفدين الدوليين يتحدثون عن العراقيل التي يفتعلها هذا النظام لمنع العودة، فلما على لبنان طرح مباداراته والنظام غير مبالٍ حتى الآن، بل اكثر من ذلك اصرار حلفاء الوزير باسيل على الذهاب الى سوريا ومحاولة تطبيع العلاقات مع بلد لا زال امر عودته الى الجامعة العربية قيد الدرس ونظامه يخضع لعقوبات، وبالمناسبة لم نرَ يوماً السفير السوري يقوم بزيارة لمخيمات النازحين المنتشرة على الاراضي اللبنانية. إلى الآن لا مبادرة جدية الا المبادرة الروسية والتي وافقت عليها الحكومة.
كانت ملفتة حماسة جبران باسيل في التحدث عن أزمة الكهرباء وكأن هذه الأزمة من “صنع الطليان”، وكأنه ليس المسؤول الأول عن العجز الحاصل في هذا الملف، للتذكير، استلم باسيل وزارة الطاقة سنة 2009 وبقي وزيراً فيها حتى سنة 2014، ووعد حينها أن الكهرباء ستكون خلال فترة 3 الى 5 سنوات مؤمنة 24 ساعة على 24 ساعة، ومن أتى بعده لاستلام هذه الوزراة كانوا جميعاً من فريقه السياسي، واستئجار بواخر الكهرباء هو من أحد الحلول التي طرحها جبران باسيل، والتي رصد لها من مشروع موازنة 2017 يوم كان سيزار ابي خليل وزيرا للطاقة 2100 مليار ليرة اي ما يعادل 1.4 مليار دولار، هذه الميزانية تدفع لسؤال بديهي، لماذا استئجار بواخر جديدة، عدا عن الكلفة المرتفعة، فإن هذا الطرح يتعارض مع ما أعلنه السفير بيار دوكان المكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر” بكلامه عن وجوب إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان: “من أجل توفير الكهرباء 24/24 ساعة لكي تكون هناك استثمارات، فمن دون كهرباء من الصعب الاستثمار. من أجل خفض عجز الكهرباء، هناك أمور يجب حلها على المستويين المتوسط والقصير”.
في طرد الفساد ومكافحته، يقول باسيل: “كتبنا الإبراء المستحيل حتى أصبح قانوناً وسنرفع الغطاء المذهبي عن الفساد”، في اشارة واضحة للرئيس فؤاد السنيورة، هذا الملف الفضفاض حمال الأوجه، قد لا تنفع “مذهبته”، نعم، لكن لن ينفع أيضاً تسليط السهام باتجاه واحد، الكل مع مكافحة ومحاربة الفساد ولكن على الجميع ان يخضع للمساءلة، وإلا لن يقتنع احد بهذه الحمية والحماسة بالحديث عن الفساد، فليبدأ التيار بمساءلة أعضائه ومن ثم حلفائه، عندها تستقيم الأمور.
لما يطلق الوزير جبران باسيل هذه المواقف الحادة غير أبهٍ بردود الأفعال، ودون مراعاة للتسوية القائمة بينه وبين رئيس الحكومة؟.
لباسيل دوافعه والأغلب أنها كلها شخصية، وكأنه بدأ حملته الرئاسية باكراً، يقول: “ما كان يجب أن أكون وزيراً. بل أُجبرت من أجل التيار والرئيس والبلد. وآمل بالخروج في أول فرصة من الوزارة، لمصلحتي وموقعي”، ثم يضيف قائلاً: “إن الحديث عن الرئاسة هو أذَاً للتيّار وللرئيس وللبلد. وهذا الحديث ممنوع معي والذين يفتحونه يريدون الأذى”، يريد الخروج لمصلحته ولموقعه، فموقعَي وزارة الخارجية ورئاسة التيار لم يعودا يرضِيان طموحه.
سارت الانتخابات النيابية آيار 2018 على اساس القانون النسبي “الهجين” الذي عمل عليه كي يخدم مصلحته أولاً، وهو يجتهد كي يكون الماروني الأقوى، تارة بمحاولة السيطرة على المراكز والمواقع الحساسة في الدولة عبر التعيينات، وبالخطابات “الشعبوية” التي تشد عصب تياره ومناصريه، وأطواراً بالمواقف المتناقضة محاولةً منه لإرضاء جميع الاطراف المؤثرة في السياسة اللبنانية، ومنها النظام السوري، فتراه يحاول جاهداً أن يسرع الخطى للذهاب الى دمشق مقدماً ذرائع لا مبرر لها، غير أنه يريد مقابلة بشار الأسد للحصول على رضاه، معتقداً ربما، انه قد يحصل على الرعاية للدخول الى قصر بعبدا كرئيسٍ للجمهورية.
في المستقبل وعندما يؤرخ عهد الرئيس ميشال عون سوف تكون مواقف وتصرفات الوزير جبران باسيل أول وأهم سبب في تعثر انطلاقة مسيرة العهد.
وقد يكون باسيل نجح حتى الآن بتسلق سُلم الشهرة والمناصب سريعاً، كما أن حلمه كـ”ماروني” بالوصول لرئاسة الجمهورية مشروعٌ، لكن بين الحلم وتحقيقه مسارات طويلة قد يخفق فيها باسيل لاستباقه الأمور.
قديماً قالوا: من طالب بالشيء قبل آوانه عقب بحرمانه، ومن تأنّى نال ما يتمنى.
السياسة اللبنانية