” شمس ونور ومطر” أدب الخيال العلمي*د. سناء الشعلان

النشرة الدولية –

(الحقيقة أغرب من الخيال) بهذه الجملة بشّر أدجار آلان بو بولادة أدب الخيال العلمي، الذي لم يلق في بدايته إلا القليل من الاهتمام، ولعلّ ذلك يعود إلى أنّ الكثير نظروا إليه على أنّه أدب ذو طابع صبياني، وأنّ شخصياته غير مرسومة أو غير مدروسة كما يقول محمود قاسم في كتابه”الخيال العلمي في ادب القرن العشرين .على الرّغم من أنّ طموحاته تدفع إلى الرغبة في التحدث إلى الجميع كما يقول جان غاتينيو في كتابه أدب الخيال العلمي.ومن هذا المنطلق كتب جون فيرن (من الأرض إلى القمر) و (خمسة أسابيع في بالون) و (عشرين ألف فرسخ تحت الماء) و (حول القمر)، و جورج ويلز كتب (آلة الزمن)، و (جزيرة الدكتور مورو)، و (الرجل الخفي)، و لويس ستيفنسون كتب (الدكتور جيفل ومستر هايد)، و ( دراكولا لترام ستوكر)، و (ماري شيلي) كتبت (فرانكشتاين)، و (إدوارد بيلامي كتب)، (نظرة إلى الوراء)، و إدغار رايس بوروز (أميرة المريخ) و (الزمن غير الضائع).

وإن كان أدب الخيال العلمي هو وجه أدبي للعلم الذي ينتمي بكلّ تأكيد إلى عالمه. فهو يمتد من جذور اليوتوبيا الخيالية، والروايات السوداء، والحكايات الشعبية، والخرافات العجيبة، وأدب الرّعب، وأدب المغامرات، بل إنّ هناك من ذهب إلى الاعتقاد بأنّ  كلّ الخيال يكون علمياً من ناحية أنه نشأ من ذلك النوع من التفكير الذي يقوم على التمييز بين قوانين الطبيعة الحقيقية في العالم ومن ثم تحويرها.

والخيال العلمي كما يعرّفه مجدي وهبة في كتابه”معجم مصطلحات الأدب”: “ذلك النوع من الأدب الروائي الذي يعالج بطريقة خيالية استجابة الإنسان لكلّ تقدّم في العلوم والتكنولوجيا سواء في المستقبل القريب أو البعيد ، كما يجسّد تأملات الإنسان في احتمالات وجود الحياة في الأجرام السماوية الأخرى. ولم يقتصر هذا النوع من الخيال على الرّواية بل غزا الأقصوصة والقصيدة والفن التشكيلي والمسرح والسينما والقصص المصوّرة. ليصبح بحق  أدب عصرنا إذ إنّ الخيال العلمي لم يعد أدباً فحسب ، يعمّم حصيلة العلم واستباق نتائجه بل أصبح منهجاً وطريقةً للتفكير حول المستقبل والعلم والأساطير.

وبعيدا عن الأسباب التي كانت وراء انتشار هذا الأدب، فإنّه يطرح نفسه ضمن علاقة جدلية متبادلة مع العجائبيّ والغرائبيّ، وهذه العلاقة تُثير الكثير من الجدل .فها هو تودوروف يصنّف أدب الخيال العلمي فيما يسميه بالأدب العجيب الأدوي. ويعرّفه بقوله إنّه أدب “تظهر فيه آلات صغيرة ، إنجازات تقنية غير قابلة للتحقيق في عصر المؤلّف ، إلا أنهّا بعد كلّ شيء ممكنة على أكمل وجه”. ويضرب على ذلك أمثلة لأدوات عجيبة، نقلها التطوّر العلمي لحيّز الوجود مثل:- بساط الريح ، المضادات الحيوية ، المقراب العجيب ، ولا ينسى أن يشير إلى الأدوات ذات الأصل السّحري التي تصلح للتعامل مع العوالم الأخرى مثل :- مصباح علاء الدين وخاتمه.

وانطلاقاً من تقسيم تودروف للعجيب والغريب، يُصنّف أدب الخيال العلمي تحت باب العجيب،” إذ إنّ العجيب يطابق ظاهرة مجهولة لم تُر بعد أبداً، وأيّة وقائع معروفة ، أيّ تجربة موجودة قبلاً، ومن ثم إلى الماضي. وضمن هذا التصوّر يكون بساط الريح مثلاً سرداً عجائبياً لشهريار، ولكنّه سرد غرائبيٌّ بالنسبة لقارئ  من هذا العصر. (بينما الغرائبيّ يتحدّد بصفته إدراكاً خاصاً لأحداث غريبة. بعكس  الغرائبيّ الذي يتحدّد بصفته إدراكاً تقليدياً لأحداث ذات صفة تكرارية طبيعية.

أمّا قسطندي شو ملي، فيوافق تودوروف بعدّ الخيال العلمي امتداداً لقصص الخيال القديمة . ولكنّه يرفض أن يكون القصّ العلمي جزءاً من أدب الخوارق الذي يقع ضمن محوري العجائبيّة والغرائبيّة؛ لأنّ أدب الخيال العلمي يهتمّ بصورة خاصة بإنسان المستقبل الذي سيعيش في العصور القادمة، والبطل فيها يصادف عالماً معادياً له يحارب من أجل البقاء فيه، في حين أنّ قصص الخوارق تهتمّ بالإنسان العادي، وبطلها يعيش في مجتمع عادي. تبعاً لذلك لا توجد في رأيه أي علاقة بين الخيال العلمي والخرافة التي تجعل الخيال ميداناً لأحداثها، وتتميز بالسّحر والعجائب المستمرة، بعكس الخيال العلمي الذي يصف حياة عادية مستقبلية، ولكنّه يعود ويقول إنّ القصص الخيالية قد تعرض  حقائق تتناقض وتتضارب مع ما هو معروف ومألوف لدينا، أيّ تحتاج إلى عالم بقوانين مختلفة، وهذا هو معيار تودوروف لتمييز العجائبيّ.

أمّا جان غاتينيو فيعتقد أنّ هناك فرقاً حاسماً بين الأدب العجائبيّ والخيال العلمي ،”ويقول في كتابه سالف الذكر:”هذا الفارق يتعلّق بدافع الاهتمام لدى القارئ والمؤلف، فأساس الأدب العجيب هو الرّعب، ويستبدل به في الخيال العلمي المفاجأة والاندهاش “. بينما المشترك بين الخيال العلمي والأدب العجيب في رأيه هو  وصف حقيقة تعدّ بالنسبة لقارئ القرن العشرين خيالية بحتة، واللجوء إلى الغامض غير الطبيعي، واليوتوبيا العلميّة.

وعلى الرغم من تشدّد بعض الباحثين في التأكيد على استخدام الأدباء مفردات لغة العلم في أدبهم، فلا أحد ينكر وجود الكثير من الأدباء الذين خلطوا الممكن بغيره وأوجدوا ما يسمى بالفنتازيا العلميّة التي تغالي في الخيال تماماً وتقدم ما لا يمكن تحقيقه لا في المستقبل ولا في أي زمانٍ حاضر أو ماضٍ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button