الجولان…إسرائيل وآل الأسد!* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

منذ توقيع الرئيس الاميركي دونالد ترامب مطلع الاسبوع، على قرار اعتراف رسمي بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية، التي احتلتها إسرائيل عام 1967، توالت البيانات والمواقف الرافضة والمستنكرة لهذه الخطوة، وكان قبل سنة تقريبا قد اعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل وأمر بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها.

منذ قيام دولة اسرائيل، وهي تحتل تقتل تهاجم تعتدي تأسر تعذب تبني مستوطنات، تلغي حقوق الفلسطينيين، ضاربةً المواثيق والقوانين الدولية عرض الحائط، لكنها تعمل بثقة لعلمها المسبق بأن ما يملكه العرب لا يتعدى بيانات الاستنكار ومواقف سياسية لزوم الخطب وفورات غضب قصيرة المدى والعمر، مستندة الى مجتمع دولي يعمل على تحقيق رغباتها والدفاع عن حقوقها، وكأنها هي من يعتدى عليها وليس العكس.

ومنذ عام 1897 تاريخ انعقاد مؤتمر مدينة بازل السويسرية بقيادة تيودور هرتزل والذي روّج لفكرة استعمار فلسطين وإقامة وطن لليهود هناك، وحتى اليوم، نجحت في كل ما سعت اليه، مطبقة ما جاء في التوراة من الاستيلاء على أجزاء أرض الميعاد قطعة قطعة، “ارضك يا اسرائيل من الفرات إلى النيل”.

ما أهمية مرتفعات الجولان؟

في الشكل: تعطي إسرائيل لهضبة الجولان أهمية كبيرة وذلك لموقعها الجغرافي الإستراتيجي والحيوي بالنسبة لها، حيث تقع في الجزء الجنوبي الغربي من سورية، ومن الشمال الغربي لبنان ومن الغرب، ومن الجنوب الأردن، ويبلغ طول حدودها مع اسرائيل ثمانين كيلو متراً، ومساحتها حوالي 1800 كيلو متر مربع، ولإسرائيل مطامع عديدة في هذه الهضبة وذلك لأسباب عديدة.

تأتي في المقام الأول الأسباب الدينية إذ جاء في التوراة: “الرب إلهنا كلمنا في حوريب قائلاً كفاكم قعود في هذا الجبل، تحولوا وارتحلوا وادخلوا جبل الآموريين وكل ما يليه من العربة والجبل والسهل والجنوب وساحل البحر أرض الكنعاني ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات، انظر قد جعلت أمامكم الأرض ادخلوا وتملكوا الأرض التي أقسم الرب لآبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيها لهم ولنسلهم من بعدهم “. ولهذا حرص الزعماء اليهود ومنذ القدم على تنفيذ هذه الوصايا التي تعتبر عماد إنشاء دولة إسرائيل.

اضافة لهذا تأتي الأسباب الاقتصادية حيث تعرف هذه الهضبة بغناها الطبيعي وخصوبة أرضها، مما يجعلها منجم ذهب وتشتهر بمنتوجاتها الزراعية حول العالم، كما بغناها بالثروة الحيوانية، والأحراش والمياه المعدنية وتتميز بينابيعها التي تعد من أفضل ينابيع المياه المعدنية في العالم .اضافة الى الموارد الأثرية فأرض الجولان غنية بالمقابر الملأى بالثروات، وما كان يقلق اسرائيل هو أن مصادر المياه التي تعتمد عليها فلسطين تنبع من الجولان، نهر بانياس ونهر اليرموك بالإضافة إلى ينابيع وعيون كثيرة، موزعة في كل وديان الجولان وقراه، ووجود هذه الثروة المائية الهائلة في أرض يسيطر عليها أعداؤها يعد مصدر خطر عليها، ولهذا خططت للسيطرة على الجولان، والاستئثار بمياهه، و خصوبة أرضه.

في المضمون: طالما أن لهذه الهضبة أهمية كبيرة، لِمَ لا قرار بالمقاومة في هذه المنطقة التي بقيت هادئة طوال 45 سنة منذ عام 1974 أي بعد حرب تشرين 1973 الى اليوم، وماذا فعل النظام السوري لاستردادها؟

لا بد من احاطة تاريخية لسقوط هضبة الجولان، حسب خبراء عايشوا تلك الفترة وعلى اطلاعٍ بخبايا الجيش السوري، فبعد وقوع انقلاب الثامن من آذار بخمسة أيام فقط أي بتاريخ 13 آذار عام 1963 صدرت نشرة عسكرية أخرجت من الجيش السوري مئة وأربعة ضباط هم كبار ضباط الجيش، وتوالت التسريحات من الجيش لقادة الكتائب ورؤساء عمليات الألوية وقادة السرايا، وإحالة المسرّحين على التقاعد أو نقلهم إلى الوظائف المدنية، حتى بلغ مجموع الضباط الذين أخرِجوا من الجيش السوري حتى أيار 1967 حوالي ألفي ضابط، مع عدد لا يقل عن ضعفه من ضباط الصف القدامى، والجنود المتطوعين الذين يشكلون الملاك الحقيقي الفعال لمختلف الاختصاصات في الجيش ،والذين سلموا من التسريح لم يسلم معظمهم من السجن أو الاغتيال، والقتل ظلماً. ويلاحظ أن نشرات التسريح بدأت بعد الثامن من آذار بخمسة أيام سنة 1963، واستمرت حتى شهر أيار أي قبل حرب حزيران ببضعة أيام وشملت أمهر الضباط في المدفعية والطيران وغيرهما ممن بلغوا مستواً رفيعاً في التدريب والخبرة، حسب الخبراء ذاتهم.

وينقل عن الرئيس المصري أنور السادات انه أسِر لأحد معاونيه واثناء زيارة له لسوريا عام 1969 وكان حينها نائبا للرئيس جمال عبد الناصر أنه وخلال زيارة له لمرتفعات الجولان قال: “أنظر يا … هذه هي الجولان، وهل يمكن لأية قوى أن تستولي عليها بهذه السهولة حتى لو كانت إسرائيل؟…. سأخصك بسرٍّ خطير، وهو أنّ هذه الهضبة دفعت فيها إسرائيل مبلغ 100 مليون دولار آنذاك بشيك تسلّمه كل من حافظ ورفعت الأسد، وأودع في حساباتهما في أحد بنوك سويسرا، وأنّ رقم الشيك موجود لدى عبد الناصر في خزانته”.  وقد تأكد ذلك ميدانيا من خلال كتاب الرائد السوري خليل مصطفى “سقوط الجولان” الذي أصدره عام 1975، خلاصة المعلومات التفصيلية الموثقة بالأسماء والأماكن والساعات في الكتاب المذكور، توثق بطريقة لا تقبل الشكّ أنّه لم تجرِ أية معارك أو مواجهات حقيقية مع القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان. والمعروف أن نظام حافظ الأسد هو الذي ورّط نظام عبد الناصر بشكل مفاجئ في هزيمة يونيو 1967، عندما أبلغ واشتكى لعبد الناصر أنّ هناك حشوداً إسرائيلية على الحدود السورية في هضبة الجولان، ولا بد من تنسيق الجهود السورية المصرية لمواجهة تلك الحشود التي من المؤكد أنّها لغرض شنّ هجوم على سوريا.

ويضيف الكاتب “أنّه لم تكن هناك نيّة لدى النظام السوري لخوض أية معارك في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وكلّ ما تمّ كان عبارة عن مسرحية ذات سيناريو ضعيف مكشوف، والدليل أنّه فعلا لم تجرِ أية مواجهات حقيقية بين الجيشين، ويسمّي الرائد خليل مصطفى كل سيناريوهات وزير الدفاع حافظ الأسد بـ “خطة الهجوم الكاذبة”، إلى حدّ أن أوامره المرتبكة من الهجوم إلى الدفاع إلى الانسحاب جعلت كافة المواقع والوحدات السورية هدفاً “للطيران الإسرائيلي فأخذ يتسلى بضرب هذه القوات بالرشاشات والقنابل وصواريخ النابالم، وكانت كارثة حطمت الهجوم، وأفرغت المواقع الدفاعية من حماتها، وتركت الأرض عراءً أمام العدو، تغطيها الجثث وهياكل الآليات وحطام الأسلحة بدلا من أن تغطيها النيران لتدفع عنها شرّه، وترده خائباً يجرّ الخزي والانكسار” ص 99.

كما انه صدرت أوامر الانسحاب قبل احتلال الجولان الفعلي، ويؤكد الرائد خليل مصطفى أنّه “منذ مساء الخميس الثامن من حزيران، بدأت الإشاعات تسري سريان النار بالهشيم عن أوامر قد صدرت من وزير الدفاع حافظ الأسد للجيش السوري بالانسحاب من الجولان كيفياً”. ص 100، أي بمعنى أنّ كل قائد وحدة أو كتيبة ينسحب بالطريقة التي تناسبه. والجدير ذكره أن الشبهة التي أجمع عليها من تحدث من ضباط سوريين وسياسيين هي البيان رقم 66 الذي دفع به وزير الدفاع حافظ الأسد ليذاع في إذاعة الجمهورية العربية السورية في اليوم السادس والأخير من الحرب. يقول البيان للشعب إن القنيطرة سقطت في يد “العدو” بعد قتال عنيف.

لكن القنيطرة لم تكن قد سقطت، فلماذا يصدر حافظ الأسد بيانا “كارثيا”، بحسب وزير الإعلام آنذاك محمد الزعبي؟

هذا بالنسبة للأب أما بشار الأسد الابن، ولهذا بحث آخر، هناك الكثير من الدراسات والتحليلات التي تربط اعلان السيادة الاسرائيلية على الجولان، بـ”صفقة القرن” او ما يعد له للمنطقة، ومن بشائرها استمرار بشار الاسد في الحكم والدليل هو هدوء جبهة الجولان، وعندما حاول “حزب الله” تحريكها، فشل، إذ حصلت اختراقات كثيرة أدت بداية الى اغتيال اسرائيل كوادر وقيادات حزبية كبيرة، كان يعدها الحزب لاستنساخ تجربة المقاومة في لبنان، ومن ثم تدخل الروس الذين “أقنعوا” إيران بالانسحاب 85 كيلومتراً بعيدا عن الحدود مع اسرائيل، بناءً على طلب إسرائيلي، وساهموا بعودة قوات الأمم المتحدة إلى هناك وأقاموا ترتيبات تحفظ الأمن من الجانب السوري، ومنها الحفاظ على منطقة عازلة على خط “برافو” الفاصل. وبعدما عادت سيطرة النظام على المنطقة المحيطة بالجولان وحسم الوضع في درعا، طلب من الحزب وبإشراف روسي إبقاء هذه المنطقة هادئة كما كانت قبل 2011.

يقول أحد الاعلاميين السوريين ان النظام يمتلك صاروخاً اسمه جولان2، أطلقه بشار الأسد على كل المناطق السورية باستثناء الجولان.

يعتبر فريق الممانعة أن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان لا أهمية سياسية أو فعلية له، ومع هذا يرددون من ستكون الضحية الثالثة، هل تكون مزارع شبعا؟

 

السياسة اللبنانية

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button