مظلومية الغربة المصطنعة* صلاح الساير
النشرة الدولية –
سعى الإنسان في مناكب هذه الأرض وترحّل بعيدا عن الأهل والعشيرة والأصدقاء. ويخبرني احد أبناء العائلات اللبنانية المسيحية العريقة ويشغل منصب «رئيس رابطة العائلة» أن من بين المنتسبين للرابطة أسر شيعية وسنّية ودرزية (لبنانية) وفسر تلك التعددية اللافتة بانتقال شخص في الماضي من ضيعته للعمل في ضيعة اخرى بعيدة يغلب على أهلها دين أو مذهب آخر، فيبدل الوافد الجديد دينه أو مذهبه لينسجم مع المحيط الاجتماعي ولا يعود لضيعته الأولى لصعوبة التنقل في الماضي لكنه يبقى محتفظا باسم العائلة.
الحديث عن الغربة والاغتراب أمر حديث طارئ أو من باب الترف. وربما يكون صنيعة شاعر مرهف الحس. أما في واقع الحال فالهجرات الفردية والجماعية معروفة منذ القدم. وفي أميركا قد تغادر فتاة في مقتبل العمر منزل ذويها في شرق البلاد وتعيش في غربها للدارسة والعمل ولا تعود ثانية. لذا يعجب المرء من رجال (مشوربين) يبكون الغربة ومن حولهم نسوة آسيويات (خادمات وعاملات) تركن عيالهن وراء البحار وجئن للعمل في بلادنا في رحلات اغتراب تستدعي الاحترام. وأشير الى نساء كويتيات يقمن بصورة دائمة في أوروبا وأميركا وكندا لرعاية أبنائهن ولم تشك واحدة من أوهام الغربة.
أعرف عجوزا خليجيا دائم الشكوى من الآخرين رغم انه يعيش وحيدا في الإمارات. فكلما صدفته اسأله عن الأهل يصرخ بي «اذوني العيال يا صلاح» يقولها وهو يضحك ويشير إلى هاتفه الذكي. والقصد ان وسائل الاتصال الحديثة لم تدع مجالا للغربة والابتعاد. فالأهل والأحبة والديار في القلب وفي الهاتف الذكي. ونحن في الدول الخليجية شهدنا آلاف الناس من الوافدين الذين تركوا بلادهم وعاشوا معنا حياة طبيعية. وفي الماضي كان الاجداد يغادرون قراهم للعمل في مناطق أخرى بعضها يقع ما وراء البحار. وقديما قيل: أينما علقت معطفي يكون بيتي!
الأنباء الكويتية