د. نتالي الخوري غريب تكشفُ برواية «هجرة الآلهة والمدائن المجنونة» الجانب المهم في المستور بالحرب السورية
النشرة الدولية –
رواية «هجرة الآلهة والمدائن المجنونة» للروائية اللبنانية «ناتالي الخوري غريب» تكشفُ المستور في جانبٍ مهم جداً من الحرب السورية الأخيرة الدائرة منذ سنوات، وتحكي بجرأة الأحوال المتقلّبة والمتناقضة لشخصيات من الواقع عاشت تلك الأزمة بكل مآسيها وأهوالها، فعبّر كلٌّ منها عن فكره وانتمائه الفكري أو الايديولوجي، في تصرّفاته وعلاقاته بالآخرين من شخصيات الرواية التي تدرّجت في أهميتها بتدرّج ظهورها تباعاً على منصة السرد الروائي، متمحورةً حول شخصية «سامح» الذي هو شخصية ملتزمة مؤمنة بقضاء الله وقدره، تُقتل زوجته وأبناؤه خلال المعارك فيُصدم لتلك الفاجعة وتبدأ رحلته مع التشرّد من بلد الى آخر، يلتقي فيها بشخصيات تتالى في الظهور تباعاً بالتوازي مع بروز مواقف عديدة يعتمل فيها الصراع الداخلي لهذه الشخصية على اختلاف وتيرة تلك الرؤى المتنافرة فيه بين السكون والثورة عند كل لقاء أو مصادفة تجمعه بواحدة منها.
لقد بنَتْ الكاتبة عالمها الروائي على المفهوم الذي تراه في واقعها المحيط بها، فانطلقت من ضرورة صوغ هذا المفهوم في تجربة إنسانية مستوحاة من بؤر الحروب والأحداث التي تتالتْ في مصائبها على العالم العربي وذلك من خلال المأزق السوري الراهن، في جرأة لم تحاول فيها الظهور بمظهر المحايد في اللعبة السردية، كما لمْ تُشيطِنْ أخطاء فريق على حســــاب «صوابية» فريق آخر، فكانت واضحةً في التعبير عن موقفٍ ما من تلك الأزمة، يُعرّي الواقع الإنساني من حولنا ويعيد إظهاره كما هو بمادته الخام التي تتفيّا بطائلة المسؤولية لكل طرف على حدَة وفاق انغماسه في مستنقع تلك الحرب القاتلة والعبثية.
ولذلك فإنّ الكاتبة تبادلَتْ دور الراوي العليم بينها وبين شخصيات الرواية وبالأخصّ «سامح» بسلاسة سردية دون لفْتِ انتباه القارئ لذلك الانتقال السَّلِس بين ضمير الغائب (الكاتبة) وضميرالمتكلـم (البطل) في شخصيته التي ارتبط تناميها – عبر الفضاء الحديثي للسرد – بنموّ وتطوّر البنية السردية، وبالتالي في كتابة مجريات الأحداث إما بالفعل الذي نمَا بشكل مستقيم عبر تقنية المفارقات التي تضادّتْ فيها أفعال الخير والحب والرحمة بمواجهة أعمال الشر والقتل والدمار، وإما بالحوار الذي لم يقِلّ تأثيراً عن وظيفة الفعل، فكان على مستوييه الداخلي (مناجاة الذات المتشظية) والخارجي (الشخصيات فيما بينها) متكاملاً مع الفعل في توليد بنية سردية فسيفسائية دالّة ومُوحِية، ومسكونة بهاجس المصير الوجودي للإنسان ومحاولة استيضاحه ، والتأثير به ما أمكن من خلال إثراء الذاكرة الجمعية بإضاءةٍ ما، أو فلنقل درجةٍ من الادراك والوعي اللّذان يؤطّران لديناميكية نهضوية في العقل العربي الراهن لتحريره من الأسْر الذهني والعضوي داخل مقولات تُفرّق ولا تجمع، وإطلاقه – بالضرورة – نحو الفضاء الإنساني الأرحب.
منقول عن موقع “اللواء” اللبناني