من يكذب عليك لا يحبك* لمياء المقدم

النشرة الدولية –

إذا كان زوجك يكذب عليك، فهو لا يحبك. هكذا وبمنتهى البساطة، رغم ما قد يخلفه هذا الاستنتاج من اندهاش وصدمة لدى الجميع، أو على الأقل هذا ما يدعيه علم طبائع البشر Anthroposofy، رغم أن الجميع يعرف أنه لا يوجد رجل أو امرأة في هذا العالم لا يكذب والأطباء النفسيون أنفسهم يقولون إن معدل كذب الشخص الواحد في اليوم يتجاوز المرتين على الأقل، كما أن الحداثة الجديدة لطفت من مفهوم الكذب وأوجدت بديلا له يسمى “الحقيقة الذاتية” أي وجهة نظر الشخص الذاتية للأمور، التي قد تتعارض مع وجهات الآخرين أو “الحقيقة الموضوعية”.

الفيلسوف النمساوي رودلف ستاينر، واضع علم طبائع البشر Anthroposofy، يطلق على الكذب الصغير أو الكذب الذي يهدف إلى تحقيق مصلحة “فعل أناني” لا علاقة له بالأفعال المرتبطة بالحب، ويعتقد أن كل كذبة صغيرة، مهما كانت نيتها صادقة هي حسبة صغيرة يقوم بها الشخص لمصلحته.

يعطي ستاينر مثالا على أنواع الكذب المتداولة بين الأزواج، فمثلا رجل متزوج من امرأة غيورة، يعود متأخرا قليلا عن موعده إلى البيت، فتسأله زوجته عن سبب تأخره، وبدلا من أن يقول إنه التقى الجارة على السلم وتبادل معها بعض الكلمات، يقول إن رئيسه في العمل كلفه ببعض المهام الإضافية في آخر لحظة.

تبدو كذبة بسيطة هدفها تجنب الخلافات والنقاشات والمعارك الكثيرة التي ستنتج من جراء غيرة المرأة، والتي قد تنتهي بمغادرتها البيت وتعطيل الحياة الزوجية وإدخال الأسرة بكاملها، بما في ذلك الأولاد في دائرة البلبلة والنزاعات، وقد يبدو الهدف ساميا أيضا من وجهة نظر صاحب الكذبة، بالأخص لأنه مقتنع من أنه لم يرتكب خطأ ومقابلة الجارة بريئة وغير مرتبة.

لكن علم طبائع البشر يرى أن تورط الرجل في هذه الكذبة البسيطة يجعله متورطا- أيضا وبالضرورة- في ضعف الزوجة وفي طبيعتها الغيورة.

كما أن الكذب سيتوالى كثيرا ولأسباب ومواقف متعددة، مما يعني أن دائرته ستتسع شيئا فشيئا لاعتقاد الرجل أن لا حل لغيرة زوجته سوى الكذب المتواصل، والحقيقة أن ما يحدث ساعتها هو أن الغيرة تزداد والشكوك تكبر والكذب يتطور، وبدلا من معالجة حالة واحدة نصبح أمام متلازمة من الحالات المتشابكة والمعقدة المرتبطة ببعضها البعض.

علم طبائع البشر يرى أن الخلافات والمعارك والمشكلات التي تحدث بين الزوجين مهمة وضرورية من أجل نموهما الشخصي وأيضا من أجل نموهما داخل العلاقة المشتركة، كما أنها تساعدهما على تطوير شخصيتيهما ومعالجة نقائصهما. فمثلا في حالة المرأة الغيورة، تمنحها النقاشات والخلافات الفرصة لتحقيق استقلاليتها وتنمية احترامها الذاتي، وتدريجيا ستبدأ في البحث عن سبب الخوف داخلها، وتتوقف عن إسقاط مخاوفها على شريكها، لكن إخفاء الحقيقة أو طمسها يعيق هذه العملية الصحية ويقف حائلا دون تحقق “الكارما” بين الأزواج.

في المثال المذكور يرسل الرجل رسالة إلى زوجته مفادها أنها أضعف وأقل نضجا من أن تتحمل حقيقة بريئة كهذه، وهي رسالة مصغرة منها ومهينة لها. ولو أنه ذكر الحقيقة كاملة لكانت الرسالة التي يرسلها معاكسة تماما ولكان مفادها “أنت شريك وند لي في الحياة، وبإمكانك تحمل الحقيقة، وهو ما يمنحني حرية أن أحيا حياتي الحقيقية دون مخاوف أو عراقيل”.

الكذب مؤلم، وهذه حقيقة نعرفها جميعا، وحتى في حالة الخيانة الزوجية فإن الدراسات تشير إلى أن إقصاء الشريك من الحقيقة وتبادلها مع شخص آخر يعتبر مصدر الألم الأكبر بالنسبة للشخص المخدوع، أكبر حتى من ألم الخيانة الجسدية.

علم النفس يقول إن الاشتراك في الأسرار يقوي العلاقة الزوجية ويوطد التواطؤ بين الشريكين، وبيّنت تجربة أجريت على متطوعين طلب منهم الجلوس إلى طاولة وحك أرجلهم سرا من تحت الطاولة على بعضها البعض أثناء الحديث بينهم، أن الحديث بين الذين قاموا بهذه العملية السرية كان أكثر تقدما وحميمية وتواطؤا من الذين لم يطلب منهم ذلك، فمجرد الاشتراك في سر ما، يجعل الأطراف المشتركة فيه أكثر قربا وحميمية مع بعضها البعض.

زر الذهاب إلى الأعلى