التيار الوطني الحر والخطاب “الشعبوي”* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

يعتمد التيار الوطني الحر سياسة مبنية على التخويف من الآخر، متكلا على خطاب سياسي شعبوي، هدفه كسب تأييد الشارع المسيحي استنادا الى اثارة “عواطف” هذا الشارع، منتدبين انفسهم كمدافعين وحيدين عن حقوق المسيحيين في هذا المشرق.

تكثر المواقف في هذا الصدد، ولكن أبرزها ما جاء على لسان رئيس الجمهورية ميشال عون خلال زيارته الى روسيا، حيث شكر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين “دفاعه الدائم” عن الاقليات المسيحية في الشرق، مضيفاً “ونتطلع إلى دعمكم الدائم‎”.

وليس بعيداً عن هذا الموقف يأتي تصريح وزير المهجرين غسان عطالله لبرنامج صار الوقت انّ “بعض المسيحيين يخافون النوم ليلا في الجبل. هذه حقيقة واقع موجود في الشوف”. إذا كان المسيحي يخاف ان ينام في الجبل فماذا تفعل القوى الامنية هناك؟ فهو بموقفه هذا ينتقص من دور تلك القوى، واي بيان توضيحي لم يصدر عن تياره.

يقول النائب السابق الدكتور فارس سعيد انها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها فريق من المسيحيين بالبحث عن دعم اقليمي تحت شعار “تحالف الأقليات”، لكن فكرة لبنان ملجأ لأقليات المنطقة قد سقطت، ومحاولة الرئيس عون إعادة انتاج مشروع تحالف الاقليات بمباركة ايرانية روسية نرفضه، كما ان تصرف الرئيس عون واعتباره ان المسيحيين اقلية وطلب حمايتهم وكأنهم جالية وربط وجودهم في هذا البلد بالمحور الايراني الروسي خيار مرفوض بالنسبة لنا”. يتابع سعيد: “ان الحل هو بقيام دولة مدنية تقوم على اساس القانون وتعزيز قيم المواطنة”.

لكن قد يكون لرئيس التيار الوطني الوزير جبران باسيل رأي آخر في هذا السياق، اذ كان قد نشر له مقال في جريدة النهار بتاريخ 8 نيسان/أبريل 2017 يقول فيه: “يا للأسف اكتشفنا ان لا مكان لدولة المواطنة في هذا الوطن إلاّ للاستيلاء على صوتنا في قانون الانتخاب، وتستمرّ دولة الطوائف في الاستيلاء على قوانين الأحوال الشخصية والارث والزواج والجنسية…، أي الاستيلاء على أمور الناس باسم الله”.

اذا كان جبران باسيل يبحث عن دولة المواطنة والقانون فلما المطالبة بحماية حقوق المسيحيين في النقاش السياسي، إلا لهدف واضح هو بناء زعامة مستندا الى خطاب شعبوي، بينما الذهاب الى دولة المواطنة يكون بقوة القانون والدستور، وبالمطالبة بحقوق جميع اللبنانيين.

يرى الدكتور سعيد في رفع العهد شعار الحفاظ على حقوق المسيحيين: “ان هناك تيار انكفائي وآخر انفتاحي وما يفعله الرئيس ميشال عون هو الانكفاء بدل الانفتاح على العالم العربي كما أنه يسير بعكس التيار وهذه  المرة الأولى التي يحصل فيها شيء مماثل في لبنان”، يضيف سعيد ان قوة ميشال عون الآن تأتي في ظل انكفاء القوى السياسية الاخرى، مما افرغ الساحة من مشاريع واهداف وطنية تحت شعار دولة القانون.

وقد يكون الوطني الحر يسير فعلا بعكس التيار وخاصةً بعد مبادرة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، رأس الكنيسة الكاثوليكية وزيارته للمغرب وقبلها لدولة الامارات في التعبير عن الانفتاح تجاه الاخر، واصدار وثيقة الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ما يعتبر حدثاً ويعول عليه ليكون اللبنة التي تؤسس عالمياً لحوار الاديان والحضارات.

يشير الدكتور سعيد الى انهم ومن خلال لقاء سيدة الجبل يحاولون بلورة خيار مسيحي وطني بعيدا عن التحالفات المشبوهة ولكن في ظل عدم وجود فريق سياسي سني يتلاقى معهم تبقى المبادرة مبتورة”، مضيفا: “مشكلة السنة في لبنان بأنهم لا يحملون مشروعا عربيا وطنيا جامعا”.

ويختم مؤكدا “ما يريده لبنان هو الحرية والعدالة من خلال الدستور والطائف وتعزيز قيم المواطنة”.

كما يرى سياسيون لبنانيون مسيحيون مخضرمون، ان هناك فريق كبير من المسيحيين يحمّل التيار الوطني الحر مسؤولية احباط طموحهم بإستعادة دورهم المصادر، وفي بناء بلد قوي مستقل، بعد التحرر من الوصاية السورية، وذلك من خلال إبرامه لـ”ورقة التفاهم” مع حزب الله عام 2006، و الحقيقة ان “ورقة التفاهم” مع حزب الله ادخلت الحزب الى المناطق المسيحية، ولكنها لم تدخل التيار الى مناطق نفوذ حزب الله. ثم جنوح التيار بعيداً بالالتحاق بالمحور السوري الإيراني الروسي في المنطقة، بدل العمل على العيش المشترك مع المسلمين في الداخل، وأن يكون لبنان جزءا من المنطقة العربية.

في هذا المجال يلفت سعيد الى ان فكرة “المارونية السياسية” قد سقطت مقابل تصاعد فكرة “الشيعية السياسية”، ومنذ اتفاق الطائف “اتفق الفرقاء اللبنانيون على فكرة لبنان العيش المشترك، وهو في صلب اتفاق الطائف والدستور”.

وقد يوافق رئيس التيار جبران باسيل الدكتور سعيد على فكرة صعود “الشيعية السياسية” وهو ما عبر عنه بقوله: “نطمح بأن نكون التيار الشيعي الثالث لدى الطائفة الشيعية”. وذلك بدل محاولة إعادة احياء دور التقليدي “للمارونية السياسية” بما كنت تمثله كدور حيادي لتهدئة الاطراف، والابتعاد عن الصراع السني الشيعي المشتعل في المنطقة، اضحت وبسبب الانجرار وراء المحور الايراني طرفاً في هذا النزاع.

ولكن قد يتضح السبب من وراء هذه الخطابات والمواقف لل”العهد القوي”، حيث انه يحاول ومنذ اليوم الاول لوصول الرئيس عون الى سدة الرئاسة التمهيد لجبران باسيل الوصول الآمن الى قصر بعبدا، وهو ما تؤكده المعلومات المسربة عبر صحيفة “الجمهورية” بان هدف الزيارة الرئاسية الى روسيا كان التسويق لجبران باسيل والتركيز على معركة رئاسة الجمهورية المقبلة حيث فاتح عون الرئيس فلاديمير بوتين بأمر دعم باسيل للرئاسة، من هنا يأتي ضعف النتائج التي كانت متوخاة من هذه الزيارة وخاصة في ملف النازحين السوريين، فربط البيان المشترك الصادر عن القمة نجاح المبادرة الروسية لاعادة النازحين ب”تهيئة الظروف المؤاتية في سوريا، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية، من خلال اعادة الاعمار ما بعد النزاع. ويدعوان المجتمع الدولي والامم المتحدة والمنظمات الانسانية الى تأمين كل المساعدة الممكنة لهذه العملية”، بما معناه ان عودة النازحين لا زالت مرتبطة بإعادة الإعمار وهو ما يتطلب وقتا طويلا.

المفروض ان حماية حقوق المواطن ومكتسباته وفق مفهوم المواطنة من واجبات الدولة اللبنانية، لكن في ظل غياب هذا المفهوم  يسود منطق الرعائي وهو الذي يحكم تصرفات معظم قادة الاحزاب والزعماء السياسيين في البلد، وهذا ما يدفع بالتيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل لتعيين انفسهم القيميين على المطالبة وحماية حقوق المسيحيين من خلال خطاب شعبوي اصبح جزءا من هويتهم وشرعيتهم السياسية، اذ انه اذا ما استثني هذا الشعار، “فلوين (مكملين) مع التيار القوي”؟

السياسة اللبنانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button