اغتيال العرفاتية!
بقلم الكاتب السياسي رجا طلب
ليس لدي أدنى شك بأن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قد تم اغتياله، وهنا لم أقل “السابق” لأنه مازال من الصعب أن يكون له لاحق. الأخ والصديق بسام أبو شريف كشف لي في برنامج “جدل” عن الطريقة التي تم فيها اغتيال أبوعمار والتي كانت عبر سمّ دسّ له في معجون الأسنان.
وسواء كان كلام بسام أبو شريف صحيحاً أم لا، فإن الحقيقة الأكيدة أن عرفات مات غيلة، وأن إسرائيل وعملاءها هم المستفيدون من إنهاء حياة زعيم الشعب الفلسطيني والذي بات رمزاً لهم وللنضال والحرية في العالم، وتجاوز في تلك الزعامة نلسون مانديلا، وفيدل كاسترو، وهواري بومدين، وتحول رغماً عن أنف من يكرهونه زعيماً سياسياً تاريخياً، وقائداً وطنياً للنضال الفلسطيني منذ إنطلاق حركة فتح في الأول من يناير (كانون الثاني) من عام 1965 حتى لحظة وفاته في مشفاه الباريسي.
الملاحظة المهمة للغاية في “سفر حياة عرفات وغيابه” أن المخطط لم يكن موت الرجل بقدر ما كان إنهاء النهج وبالتدقيق سنلاحظ أن ذلك تم عبر ما يلي:
أولاً: معاداة كل من كان مقرباً من عرفات وتم ذلك عبر أساليب “جهنمية” لم يسبق أن تم استخدامها في الخلاف السياسي داخل مؤسسة الحكم في السلطة الفلسطينية أو قبل ذلك في منظمة التحرير، وأقصد هنا “امتطاء” المؤسسة القضائية وتحويلها لأداة في يد الرئاسة وتوجيه الاتهامات حسبما يشاء “السلطان”، وبهذه الوسيلة تم “الاغتيال السياسي” لشخصيات مهمة كانت على الدوام بالقرب من الزعيم عرفات مثل محمد رشيد ومحمد دحلان وغيرهما من القيادات الفتحاوية الشابة، والمحمدان لم يستسلما لقدر “السلطان” وتمردا عليه بدوافع وطنية وشخصية بعدما تمت الإساءة لهما بسبب مقاومتهما الشرسة من أجل تصويب مسار الحالة الفلسطينية برمتها ومازالا يخوضان المواجهة بأساليب سياسية وقانونية.
ثانياً: تم العمل بوسائل كثيرة لتكميم أفواه كانت تريد الكلام والانتقاد، وتم التعتيم على شخصيات كانت تريد “المواجهة” مع عباس عبر وسائل مالية وبوليسية وإعلامية مثل بسام أبو شريف مستشار الرئيس عرفات فاروق القدومي وأبو علاء قريع وغيرهم.
ما سبق كان القصد منه إنهاء العهد العرفاتي وهو عهد تميز بالتالي:
أولاً: الثورة كانت في “ذهنية” أبو عمار مشروعاً وطنياً بلا سقف زمني يجمع النضال مع البناء، والدولة العتيدة المرتقبة والمنتظرة التي كان من الممكن أن تنتجها الثورة أو اتفاق أوسلو كانت في ذهنه ايضاً ملكاً للشعب الفلسطيني وحرص على أن يكون حارسا لها يرعاها ويوجهها.
ثانياً: نجح الزعيم الراحل في تأسيس سياسة الباب المفتوح وإدارة “ديمقراطية البنادق” اي الفصائل الفلسطينية المسلحة زمن التواجد في لبنان، كما أبقى نفسه أباُ للجميع، من يوافقه ومن يعارضه، ورفض بقوة خلق جدار فاصل بين رجالات الثورة والقضية وتطوراتها وكان يرفض نرجسية البعض ومنهم “الرئيس عباس” نفسه وتحريضه على تجاهل البعض من الفصائل والشخصيات على اعتبار أن لا وزن ولاقيمة لها.
ثالثاً: هناك مفاصل كثيرة يمكن الحديث عنها في توصيف الفرق بين عباس، والزعيم عرفات، منها أن أبوعمار لم يساهم في خدمة أقربائه، فيما كرس عباس كلاً من ياسر وطارق بوابة للاقتصاد الفلسطيني وغيره.
العرفاتية نهج تميز بأنه أبقى موضوع المواجهة مع إسرائيل موضوعاً أساسياً وصراعياً، وأبقت “العرفاتية” على اعتبار اسرائيل النقيض الكامل لطموحات الشعب الفلسطيني في التحرير والحرية والعودة، فيما نشاهد ونسمع اليوم من هم تابعون “لنهج الرئيس عباس”، يتحدثون عن العلاقة مع أسرائيل وكانها علاقة “حميمية” مع دولة شقيقة وبخاصة حسين الشيخ وجبريل الرجوب، اللذين يعتبران العنوان الأبرز لإنهاء “العرفاتية ” وزمنها !!