«حب كبير»* فوزية شويش السالم
النشرة الدولية –
“حب كبير”… اسم رواية للمستشرق والمؤلف الألماني نافيد كيرماني، الذي يعد من أهم الباحثين الألمان في الدراسات الاستشراقية، كما ذُكر في صفحة تعريفه. صدرت له أعمال علمية وأدبية وصحافية، ويكتب مقالات متعددة حول قضايا راهنة. فاز بجوائز عديدة تقديراً لقيمة مؤلفاته الأكاديمية والأدبية، كما حصل على منحة “فيلا ماسيمو” في روما.
هذه الرواية المختلفة أيضاً من إصدار دار نشر “الكتب خان”، التي يبدو أنها متميزة باختياراتها.
الرواية تحكي قصة حب لشاب مراهق بالخامسة عشرة من عمره يعشق فتاة بعمر الثامنة عشرة، أي أكبر منه بثلاث سنوات وتسبقه بمراحلها الدراسية، ولم يكن يحلم أن تبادله حبه بحب، لأنها الجميلة التي يحوم حولها جميع طلبة المدرسة، لكنه يفوز بحبها، حتى وإن كان لمدة ثلاث ليالٍ، ليعيش بقية حياته محبوسا بذاكرة حب لم يتعد هذه الليالي الثلاث.
الحكاية عبارة عن ذاكرة الحب الأول، وما تشمه على الروح من وقع حار لا يُنسى، وقد ذكرتني بفلم الوسادة الخالية، قصة إحسان عبد القدوس، التي تتشابه أحداث بطلها في بداياته مع بطل قصة حب كبير، وقوة لسعة الحب الأول.
الاختلاف بهذه الرواية يأتي من ربط أحداث وتفاسير لكل المشاعر والأحاسيس الوجدانية العاطفية، بمعنى من التفسيرات التي جاء ذكرها بالقرآن الكريم، وعبر المرور بكل أقاويل المتصوفة الكبار مثل محي الدين بن عربي، وذي النون، وبشر بن الحارث الحافي، وجلال الدين الرومي، وسهل التستري، وفخر الدين عراقي، وعطاء السليمي، ومجنون ليلى، وشهاب الدين السهروردي، وحبيب العطار، والجنيد البغدادي، ومنصور الحلاج، والجيلي، وروزبهان البقلي، وعلي الهجويري، وأبي يزيد البسطامي، ونظام الكنجوي، وأبي بكر الشبلي، وأبي الحسين النوري، وأبي بكر الواسطي، وأحمد الغزالي، وأيضاً هناك علماء من الغرب.
الكاتب يعود بذاكرته إلى عمر الخامسة عشرة، ويحكي قصة حبه عبر انفعالات عاطفية قوية، ثم يعود إلى زمنه الحالي، أي بعد مرور 30 سنة على تجربته، إذ بات الآن ابنه الذي هو بعمر 15 يعاني تجربة أبيه ذاتها، فيقارن الأب ما بين مشاعره ومشاعر ابنه والفرق بين عادات الزمنين، وفي الوقت نفسه يتداخل مشهد ذاكرة الأب مع أبويه، عندما كان بعمر ابنه، وكيف كانت تصرفاته معهما.
إذن، الأزمنة هنا في هذه الرواية تتداخل ما بين عمر الراوي وهو بالخامسة عشرة، وعمره بـ45 سنة، وعمر ابنه بـ15 سنة، ومشاعره تجاه ابنه، ومشاعر أبيه تجاهه عندما كان بمثل عمر ابنه الآن.
تتداخل مع هذه الذكريات مقتطفات من أقوال الصوفيين في كل حال من الأحوال، التي يمر بها الكاتب، مما يعمق من فكرة قصة الحب البسيطة التي لم تستمر أكثر من 3 أيام، لكنها وسمت روح بطلها بلسعتها إلى الأبد.
هذي الرواية بحث وتنقيب عميق في الدراسات الصوفية تتطلب من القارئ أن يكون ملما تماما بالكتابات الصوفية، حتى يفهم المغزى من وراء هذه المقارنات ما بين حب الفتى وما يقابلها من اقتباسات صوفية مماثلة لها وموضحة لمعناها، وهذا يتطلب قارئا مهتما وملما وعاشقا للكتابات الصوفية وفلسفتها الخاصة العميقة الغامضة، التي تمزج كل أنواع الحب وعلاقاته بعودتها إلى المعبود وهو الله.
هذا مقتطف من أقوال مجنون ليلى: “لهذا أدعوك يا إلهي، وأتوسل إليك بعظمتك: دع الحب يزيد في فؤادي ويفيض، اجعله يدوم ولو فنيت أنا. اسقني من هذا العذاب ولا تحرم عيني نوره. ولئن سكرت بنبيذ الهوى فزد سكرتي. يطلبون مني أن أنزع من قلبي شوقي لليلى، لكني أرجوك يا ربي متضرعا: زد شوقي إليها، خذ ما تبقى في حياتي وزده إلى عمر ليلى، ولا تجعلني أسألها ولو شعرة ولو أنحفني العناء وجعل جسدي كالشعرة. فلتعاقبني وتربني كيفما شاءت، ولكن ليملأن نبيذها قدحي أبداً، ولا يظهرن اسمي إلا مقترنا بوسمها. باتت حياتي شهيدة حسنها، يُهدر دمي لأجلها دون عقاب، ولا يمرّن يا ربي يوم في عمري دون هذا العذاب وإن احترقت كشمعة في نار حبها. اجعلني أحب يا ربي، أحب لأجل الحب دون سواه، واجعل هذا الحب مئة ضعف، بل ألف ضعف، وزده وأفضه عماّ كان”.
هذه رواية أعمق مما يتخيلها القارئ، لأنها تغوص وتبحث في معان وتفاسير لمفهوم الحب أقوى مما يطفو على سطحه.
الجريدة الكويتية