مستقبل السينما في شمال أفريقيا والصحراء الكبرى يكمن في نجاح السينما الامازيغية
الرباط – مليكة أقستور / مراسلة النشرة الدولية
اسدل الستار يوم 09 أبريل 2019 عن الدورة 12 للمهرجان الدولي “إسني ن ورغ” للفيلم الامازيغي الذي انطلقت فعاليته يوم 05 أبريل والمنظم من طرف “جمعية إسني ن ورغ” (التاج الذهبي) بشراكة مع المجلس الجماعي لأكادير ، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، وبدعم من مجلس جهة سوس ماسة ، والمركز السينمائي المغربي.
وقد عرفت هذه الدورة مشاركة عدة أفلام مغربية وأجنبية، من صنفي الفيلم الطويل والفيلم القصير بنوعيهما الخيالي والوثائقي، والتي تناولت مواضيع متنوعة لامست مختلف القضايا التي يعيشها العالم، من خلال مشاركة عدة أفلام من فرنسا، وبلجيكا، وكندا، والجزائر، وجزر الكناري، وهولندا ، والمغرب.
تكونت لجنة تحكيم المهرجان، من قامات كبيرة في ميداني السينما والثقافة، حيث أسندت رئاسة لجنة تحكيم المسابقة الخاصة بالشريط الطويل للباحثة السيسيولوجيا فاضمة أيت موس، بينما ترأس لجنة تحكيم الشريط القصير الفنان والشاعر العربي زكان.
وفي لقاء أجرته “النشرة الدولية” مع مدير الفني للمهرجان رشيد بوقسيم ، وصف المهرجان بالهام. وفيما يلي نص اللقاء:
ما هو تقييمكم لمستوى مشاركات الدورة 12 لمهرجان اسني ن وورغ؟
الدورة 12 عرفت مشاركة 26 فيلما في المسابقة الرسمية وفيلمين خارج المسابقة، منها الطويل ومنها القصير، وقد قمنا في هذه الدورة بإدراج الفيلم الوثائقي في خانة الفيلم الروائي. إضافة إلى كون هذه الدورة تميزت بمشاركة ثلاث وجوه نسائية/ أثبتن حضورهم من خلال ثلاث أعمال وهي”إسلام طفولتي” لنادية الزواوي: (قبائلية كندية)، والفيلم يحكي عن معاناة مجتمع القبائل مع مفاهيم إسلامية دخيلة عليه، وعندما نقول الإسلام بالقبائل فإن الأمر يختلف عندنا هنا بسوس، حيث نجد الأول يعرف تحولات وعدم استقرار على مستوى التفعيل والممارسة، بينما الثاني يعرف نوعا من الاستقرار والانفتاح على الآخر مما جعله قابلا للمرونة والتعايش.
والفيلم الثاني “باريس البيضاء” للفرنسية ليديا التركي، من انتاج فرنسي، يحكي معاناة زوجة أمازيغية قبائلية في رحلة البحث عن زوجها الذي هاجر ولم يعد. بعد 40 سنة تمكنت الزوجة من العثور على الزوج الذي اعتذر لها عن عدم استطاعته العودة لإحساسه بعمق الجرم الذي ارتكبه في حق عائلته.
بينما الفيلم الثالث، فهو بعنوان “بنت الريح” للفنانة المغربية لطيفة أحرار، والفيلم يحكي رحلة تلميذة مهووسة برقصة “أحيدوس”، وكيف استطاعت أن تزاوج بين دراستها ومحاولتها إبراز مواهبها الفنية وتأسيسها لفرقة غنائية محلية، يعد الفيلم تكريما للمرأة المغربية في الاطلس وفي كل مكان.
إضافة إلى هذا شارك في الدورة العديد من الوجوه المعروفة والعاملة في قطاعات السينما والادب والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا كأعضاء للجان التحكيم، وهذا شيء مهم، لان السينما ليس فقط الاشخاص السينمائيين من لهم الحق ان يكونوا في لجن التحكيم ولكن المهتمين بالتاريخ، علم الاجتماع، الأنثروبولوجيا هم اللذين من المفروض أن يكونوا في لجن التحكيم
ما الذي يميز هذه الدورة عن سابقاتها؟
تميزت هذه الدورة بالحضور اللافت والقوي للنساء العاملات في القطاع السينمائي، إضافة إلى اختيارنا لفضاءين مختلفين، فضاء ابراهيم الراضي، وقاعة جمال الذرة التي خصصناها للطلبة ولسكان أحياء الداخلة، السلام والهدى. هذا ناهيك عن الانفتاح على اللقاءات العلمية والفكرة والقانونية التي تم فيها برمجة لقاء حول حقوق المؤلف، لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة في وقتنا الراهن. صحيح أن هناك تقدم ملموس على مستوى الحقوق في بلدنا لقيام الدولة بمجموعة من التشريعات القانونية، إلا أنه لا يزال هناك بعض الغموض لدى شريحة كبيرة من المهنيين، لهذا ارتأينا أن نتناول حيثيات هذا الموضوع بشيء من التفصيل لأهميته، غير أنه لا ينتهي عند حدود هذه المائدة، حيث التزم الجميع بالانخراط في هذا النقاش، لأن القنوات التلفزية والإذاعات، ومواقع الانترنيت ومنصات العرض التي تبث الافلام دون اللجوء لأصحابها من ذوي الحقوق، يجب أن يكونوا واعيين بخطورة هذا الامر، فالدول المتقدمة تجعل احترامها لحقوق مواطنيها من أولوياتها الأساسية، والفنان والمؤلف جزء لا يتجزأ من هذا الوطن الذي يجب عليه أن يحميه ويوفر له أسباب ذلك.
وعلى صعيد آخر، قمنا بتنظيم لقاء حول آخر إصدارات الراحل محمد منيب، حول الظهير البربري، الذي نشر بالفرنسية وتم ترجمه إلى العربية، وباعتقادي إن هذا الكتاب يعتبر تكريما لكل رواد الحركية الامازيغية ولصاحبه الذي قدم الكثير للثقافة ولمدينة أكادير وللوطن بصفة عامة، إضافة إلى كونه تزامن مع عرض فيلم “الكونغريس العالمي الامازيغي مسار وكفاح”. والسيد منيب غني عن التعريف، فهو من مؤسسي الكونغريس العالمي الامازيغي، وقد تم تقديم كتابه من طرف الباحث ومدير الدراسات والأنثروبولوجيا والسيسيولوجيا بالمعهد الملكي للثقافة الامازيغية السيد “ابو القاسم الخاطر” بمشاركة الدكتور مصطفى قادري متخصص في الأنثروبولوجيا السياسية.
ماهي الاضافات التي قدمها المهرجان للقطاع السينمائي بالجهة؟
أولا المهرجان يعد لحد الآن من المهرجان التي استطاعت كسب الرهان أمام مجموعة من التحديات، بفضل جهود نخبة من الشباب الغيورين على الفن بشكل عام، ويسهرون على خلق فرص التنمية واستثمارها دوليا. ثانيا هناك مشاركات من قبل سينمائيين يتلقون الدعم من الحكومة، بمعنى أن أفلامهم مدعمة من طرف الحكومات ومن طرف صناديق الدعم في فرنسا، كندا وفي هولندا. ويشارك فيه أشخاص بإمكانيتهم الذاتية، كما يتميز المهرجان أيضا أنه كان السباق للترافع على لامركزية صندوق الدعم الذي كان ولا يزال مقتصرا على الرباط ، وبسنوات من النضال والمشاورات رفقة شركائنا كجهة سوس ماسة استطعنا الوصول إلى مرحلة إحداث صندوق الدعم بالجهة، وبالتالي أصبح المهرجان طرفا في العملية وليس مجرد متابع للأحداث.
و بطبيعة الحال هذه المرحلة ستساعد بشكل من الأشكال في انعاش الثقافة في جهتنا، وستساهم في خلق فرص للشغل، وتشجيع الشركات على الإنتاج، كما ستساهم في ابراز مواهب جديدة في الساحة الفنية، فنحن نريد لأعمالنا أن تحترم المعايير والاجراءات.
وإلى جانب هذا، قمنا بنشر مجموعة وصلت إلى 10 إصدارات حول السينما، وإصدارين في مجال الاعلام، الاعلام الامازيغي.
فعلا خلقنا مهرجانا يمثل الوجه المتعدد للمغرب، وهذا أهم شيء، لأننا نتعايش في وطن واحد، كل منا يتكلم بلغته ولكل أفكاره وطريقته الخاصة ونمط عيشه، ولكن في هذا المهرجان حاولنا بإمكانياتنا البسيطة رفقة شركائنا المشكورين المعهد الثقافي للثقافة الامازيغية، بلدية أكادير وجهة سوس ماسة والمركز السينمائي، استطعنا أن نقدم منتوجا ثقافيا هادفا يستطيع أن يكون من بين المهرجانات التي ستعطي إشعاعا كبيرا ومستقبلا زاهرا لبلدنا، خصوصا بعد الاعتراف الرسمي بالأمازيغية في دستور 2011.
طبعا هذا النجاح رافقته عراقيل ومشاكل، ماهي الصعوبات التي يواجها المهرجان؟
أولا نحن لا نقول بأننا وصلنا المبتغى، ولكننا مع ذلك نتقدم خطوات نحو الهدف، فالعراقيل موجودة، وكل مشتغل في أي مجال لابد له من مواجهة عراقيل، ومن جهتنا هناك عراقيل كثيرة، منها بعض المؤسسات التي لا تعير أي اهتمام للشأن الثقافي الامازيغي، أو ربما الأنشطة الثقافية بشكل عام، إضافة إلى ندرة الأفلام الأمازيغية التي تراجعت نسب إنتاجها بسبب الإكراهات التي يعرفها الجميع، ربما أهمها أن هناك عقليات لا تريد أن تستوعب هذا التحول الذي يعيشه المغرب، والتي ما زالت ترى الامازيغي ذلك الانسان الذي يعيش في البادية ويلبس الجلباب ويركب على الحمار. ولكن نحن في جمعيتنا ومن خلال هذا المهرجان قررنا أن نتحدث عن الاشياء الجميلة، لأن عندنا خصاص في هذه اللحظات التي نعيشها خصوصا مع هذا الزخم التكنولوجي لم نعد نتمتع بالحياة، نريد أن نحتفل بالإنسان، باللحظة، وبما هو جميل. اذا استطعنا أن نوفر الفرصة لساكنة أكادير ولزوارها لمشاهدة أفلام سينمائية ولو مرة واحدة في السنة، أعتقد أننا قمنا بمجهود كبير، فاليوم هناك أشخاص يشتغلون ليل نهار بإمكانيات وأموال كثيرة من أجل التشويش على مسلمات ومعتقدات المغاربة.
كيف ترون مستقبل المهرجان؟
أنا لن استطيع أن اتكلم عن مستقبل المهرجان، ولكن ما استطيع قوله هو رغم كل هذه العوامل التي أشرت لها في الحوار لا يسعني الا أن أقول ان مستقبل السينما في شمال أفريقيا والصحراء الكبرى هو مستقبل للسينما الامازيغية، لأن اليوم هناك شباب تخرجوا من أعلى الجامعات السينمائية في العالم، في أمريكا، أوروبا. وفي المغرب كذألك. ففي مراكش هناك مدرسة عليا لتدريس السينما تخرج منها شباب لهم رؤية واضحة، وأظنهم من سيكون العمود الفقري للسينما في المغرب والسينما الامازيغية. فحتى الاعتراف بالأمازيغية سيعطي الأمل للاشتغال أكثر.
قد نختلف في اللغة، ولكن المغرب أمازيغي، والأمازيغ استطاعوا انتاج أفلام في المستوى، فإن كانت السينما تتلقى الدعم وهناك اهتمام من طرف المسؤولين الجهويين والوزاريين أظن أن مستقبل المهرجان سيكون أكبر. وأنا عندي أمل أن مهرجان “اسني وورغ” سيكون له مستقبل زاهر، وكذا السينما الامازيغية.
كلمة أخيرة ؟
أشكرك على هذا الحوار، وأتمنى أن تكون هذه الدورة قدمت جديدا للسنفيليين الشباب، ودفعت المشاهد لطرح أسئلته المشروعة، لأن دورنا في المهرجان ليس هو توزيع الجوائز فحسب، وإنما هو توفير فضاء للعرض والنقاش، وأهم شيء حاولنا الوصول إليه لحد الآن هو الحوار البناء والنظيف الذي دار في قاعات العروض.