رحيق الفساد* صالح الشايجي
النشرة الدولية –
ملّت خيلنا وكلّت حتى بلغت سن الموت وهي شابة وما بلغت من العمر عتيّا.
أطلقناها في فضاء وسيع وفي برار شاسعة وفيافٍ، وقلنا سيري فعين الله ترعاك.
ولكنها عادت إلينا بعدما تعبت حتى أوشكت على الهلاك.
يا أيها القارئ، ما من خيل أطلقنا ولا صحارى ولا مضامير، ولكنها مجرد صورة تخيلية لحالنا مع الفساد في بلادنا، فكأننا ونحن نتلقى أخبار الفساد في بلادنا ونطاردها، كالخيل المطلقة في فضاء وسيع تعود بعد الركض خاوية اليد منهكة لا حصيد ولا محصود.
تزوير في الجنسية وتزوير في الشهادة ورشاوى وذمم خربة، ورؤوس ديست وأذناب علت.
وليس في اليد حيلة ولا من محاسب ولا حتى من مسائل.
كتبنا حتى أتعبتنا الكتابة وأتعبنا ضمائرنا، ولا من مجيب ولا من يعنيه الأمر فيلتفت مجرد التفاتة.
نسير في ركبان ومواكب ونحمل السيوف نجتث رؤوس الفساد ونفرح بكم رأس فاسد سحقنا.
فنكتشف أننا في حلم وما زالت الرؤوس تتنفس وتشم رحيق الفساد وتنتشي به وتسكر.
أما نحن فويل لنا ثم ويل، ومن بعد كل غفوة وحلم نغفو من جديد ونحلم وذلك جلّ ما بأيدينا.
وسنموت نحن ويبقى الفساد ويعيش الفاسدون الذين بقدر ما يغرفون لا يتعبون، وبقدر ما ينهبون لا يشبعون.
كانوا حفاة عراة شعثا غبرا، فغدوا من أصحاب القصور والأملاك والجاه والسلطان.
فكيف صار الذي صار، وكيف غدا الأوباش سلاطين وسادة مهابي الجانب!
لست أدري وربما أدري ولكن لا أقوى على التصريح ولا على التلميح.
ثم لو صرحت أو لمحت فما الذي سيجري؟!
لا شيء سوى فاسد ينادي فاسدا كي يشد أزره في عالم الفساد والارتشاء ونهب الحقوق.
ولكل فاسد حبيب وراع ومبارك ومؤازر ومشجع.
لقد غدا الفساد تفاخرا وتباهيا وتاجا يزين رؤوس الفاسدين.
لقد عم الفساد بخيره على جميع الأطياف والقطاعات ولم يترك حقلا إلاّ دخله وباركه ونصب له خيمة فيه واستقر واتكأ واسترخى واستراح.
وكلما ظهر مصلح أو بشرنا القدر بمصلح، تناطح الفاسدون فأسقطوه وأباحوا دمه.
تلك هي الحكاية يا ولدي فنم قرير العين.
الانباء الكويتية