تونس وآمال ثورة الياسمين المؤجلة* جيمس فولك

النشرة الدولية –

عندما شرعت الطائرة في الهبوط في مطار تونس قرطاج الدولي، بدت المباني التي أراها أسفل الطائرة مألوفة بالنسبة لي. مع ذلك شعرت بشيء من الخوف لأن هذه كانت زيارتي الأولى منذ “ثورة الياسمين”، اسم ثورة 2011 في تونس التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي.

بسبب وظيفة والدي، عشت في تونس في إحدى مراحل حياتي، والتحقت بالمدرسة الفرنسية في مدينة المرسى في الفترة من 1970 حتى 1974، وهي فترة ما زلت أتذكرها على أنها من أسعد فترات حياتي. ومن عام 2003 إلى عام 2008، زرت تونس بشكل سنوي تقريبا كرئيس لمجموعات مختلفة نيابة عن مجلس الشؤون العالمية.

وعلى الرغم من أنني لم أتوقع قط حدوث الثورة، فقد كان واضحا خلال زيارتي الأخيرة في عام 2008 أن هناك بيئة غير عادية ومختلفة تنذر بحدوث تغيير كبير. مع هذه الخلفية، وصلت إلى تونس يوم 28 مارس 2019 ومعي بعض الأعضاء البارزين في مجلس الشؤون العالمية في دالاس/ فورت وورث. كان الجو عند وصولنا مبهجا بشكل أكبر مما توقعنا لأن زيارتنا تزامنت مع استضافة تونس لقمة الجامعة العربية.

أخبرت المسافرين بأن تونس، بسبب موقفها الحيادي، عادة ما تستضيف مثل هذه المؤتمرات، خاصة عندما يكون هناك توتر بين أعضاء الجامعة العربية. وكان حضور 13 رئيس دولة فقط من بين 22 دولة عضو أكبر دليل محزن على استمرار الخلاف.

في البداية، أدهشني عدم وجود صور وملصقات معلقة في كل مكان للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وسلفه الحبيب بورقيبة، والتي كانت تُعلق بشكل أساسي في كل متجر وكل شارع. كانت هذه أول إشارة لي على أن البلاد كانت تتقدم بخطى ثابتة نحو مرحلة انتقالية ديمقراطية مهمة.

في صباح يومي الأول، استقللت القطار من مدينة المرسى إلى المنطقة التجارية المركزية بتونس. وسبق أن قيل لي إنه من المتوقع أن أرى تونسيين يرتدون ملابس أكثر تحفظا. لم يكن الأمر كذلك. في الواقع، كان التنوع واضحا ومن المثير للاهتمام أيضا رؤية شابات يسرن معا حيث ترتدي إحداهن الحجاب بينما رفيقتها لا ترتديه.

 

في المقاهي الممتدة على طول شارع الحبيب بورقيبة، كان هناك اختلاف طفيف عن الزيارات السابقة، باستثناء وجود البعض من رجال الأمن المسلحين جيدا، وخاصة حول وزارة الداخلية والمباني الحكومية الأخرى.

لكن، بينما كنت أسير في السوق باتجاه جامع الزيتونة، لاحظت أن الطريق أمامي لم تكن مفعمة بالحيوية. فعادة ما  يكون هذا الشارع صباح يوم السبت ممتلئا بالسياح الأوروبيين، ولكن في هذا اليوم لم يكن هناك أحد.

كان البائعون، الذين كانوا يشجعون المارة في السابق على دخول متاجرهم، هادئين. للأسف، هذا ما شاهدته في معظم المناطق، بخلاف مدينة حومة السوق في جربة، التي كانت تعج بالنشاط والسياح.

وفي حين أن الإحصاءات الحكومية الرسمية قد تظهر زيادة في عدد السياح، فإن السبب الرئيسي لذلك هو تدفق الأشخاص الذين يدخلون إما للإقامة القصيرة أو الطويلة من ليبيا والجزائر.

وفيما يتعلق بالسياحة، ستواجه تونس قرارات صعبة تنطوي بالضرورة على عمل تسوية بين الحكومة والمستثمرين والبنوك -الخاصة والحكومية- لأنه في جميع أنحاء البلاد هناك الفنادق والشقق السكنية وغيرها من أماكن قضاء العطلات التي ينبغي أن يتم تحديثها.

انخفض مستوى الخدمة في المطاعم والفنادق عما أتذكر قبل عشر سنوات. للأسف، أيا كان السبب، فهذه قضايا يجب معالجتها إذا أرادت تونس استعادة سمعتها كوجهة سياحية رائدة.

وبعد اجتماعات ومحادثات مع أصدقاء عدة، فضلا عن لقاءات بمسؤولين حكوميين حاليين وسابقين وطلاب جامعات، خرجت بعدة انطباعات. يُنظر إلى ثورة 2011 على أنها خطوة إيجابية ولكن هناك خيبة أمل عميقة لأن التغييرات المتوقعة والموعودة، لاسيما الاقتصادية منها، لم يتم تنفيذها على أرض الواقع.

يدرك أفراد الجيل الأصغر أن فرص عملهم تبدو غير واضحة، وعلى الرغم من رغبتهم في البقاء في البلاد هناك اعتراف بأنه بسبب ندرة الوظائف هم يحتاجون إلى البحث في الخارج.

وفي حين سعى الطلاب في العديد من الدول النامية سابقا إلى البقاء في الخارج، فإنهم الآن حريصون على العودة إلى ديارهم. لسوء الحظ، لا توجد مثل هذه الفرص للعديد من التونسيين ذوي التعليم العالي؛ فالكثير منهم، وخاصة الذين درسوا الطب والمجالات التقنية الأخرى، يخرجون، على الرغم من أن السياحة الطبية آخذة في الارتفاع.

ترتفع معدلات الفساد والجريمة، حتى أن العديد من الناس طلبوا منا أن نتوخى الحذر، خاصة عند الخروج ليلا. والشرطة المجتمعية لم تكن منتشرة على نطاق واسع، تاركة بعض الأحياء غير محمية على الإطلاق. وخلافا للزيارات السابقة، كان هناك اعتراف واسع بأن هناك حرية للصحافة وأن وجهات النظر المتنوعة كان مسموحا بها.

تحولت المحادثات مع محاورينا بسرعة إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجري في أواخر هذا العام. على الأقل بين معظم الذين تحدثنا إليهم، كان هناك قلق من أن حزب حركة النهضة الإسلامي يمكن أن يأتي إما في الصدارة أو على الأقل الخروج بعدد كبير من المقاعد ليكون له تأثير كبير على مستقبل البلاد.

وعلى الرغم من جهود النهضة لتصوير نفسها على أنها حزب تعددي وملتزم بالديمقراطية، هناك انعدام ثقة عميق، فيما قال العديد من الأشخاص إن العدد الكبير للأحزاب (217) يحتاج إلى تخفيض كبير للسماح بمناقشات منصات الأحزاب المتميزة.

ليس من المستغرب أن تطرح علي أنا وزملائي المسافرين أسئلة حول الرئيس الأميركي دونالد ترامب والإجراءات المثيرة للجدل التي اتخذها لإعادة توجيه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

أما الإجماع الذي تم الإعراب عنه فهو أن كلا من تونس والولايات المتحدة تشهدان -كما هو الحال بالنسبة لأوروبا- موجة من الشعبوية بسبب الافتقار إلى فرص العمل وزيادة عدم المساواة بين المناطق الريفية والحضرية.

إن كيفية معالجة تونس للقضايا التي تواجهها ستكون بلا شك العامل الحاسم في ما إذا كانت “ثورة الياسمين” توفر الفرص الاقتصادية اللازمة لضمان استقرار البلاد. الآثار تلوح في الأفق بالنسبة لبقية المنطقة، ومن المرجح أن تكون آمال التونسيين وإحباطاتهم مماثلة لآمال الجزائريين والسودانيين أثناء بدء تحولاتهم الديمقراطية.

رئيس مجلس الشؤون العالمية في دالاس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى